الانتهاء من الارهاب بين الحقيقة والاوهام..2 / عبد الخالق الفلاح

عندما نتحدث عن ظاهرة الارهاب ، لابد أن نعلم بأنه ليس مرتبطًا بالديانة الإسلامية او اي دين اخر او مذهب او وطن على الإطلاق ويتضح من خلال افعال هذه المجموعات الخط الذي يفصل بين النشاط البشري المجتمعي الغير مبالي بالعصرنة والمنطق والحكمة ورغبة المجتمعات الطبيعية المهتمة بنقد ذاتها وتسليط الضوء على مكامن الخلل في تلك المجتمعات او المجموعات ، وبين نزعات الإفساد والتخريب،وعدم الحرص على القيم وصيانة المقدسات و محاربة حرية التعبير عن الرأي والابتعاد عن الحوار المتبادل، وخنق حرية الإعلام المسؤول، مع عدم إفساح حيز لمؤسسات المجتمع المدني للعمل كوسيلة من وسائل التنوير ، عبر الاستخدام غير المشروع للقوة أو العنف من قبل تلك المجموعة و الأفراد ولهم صلة ما بدول أجنبية أو تتجاوز أنشطتهم الحدود القومية والدينية والانسانية وتخريب البلدان لترويع أو إكراه حكومة ما وافساد عقول السكان المدنيين أو أي جزء منها، لتعزيز أهداف سياسية أو اجتماعية او اقتصادية .

"الارهاب" فكر يسيطر على عقول جهلاء من خلال بثه ودعمه عبر وسائل عدة رخيصة ومضللة، ومن يزرع في عقله هذا الفكر فمن الصعب التخلص منه.. ومن هنا لا بدّ ان تعمل كل القوى الشريفة في العالم ليس على نبذ ومحاربة الارهابيين المرتزقة فقط ، بل عليها أولاً وأخيراً القضاء على هذه الثقافة السوداء الخطيرة على كل أبناء البشرية، والعمل على وأدها قدر الامكان، لاننا إن شطبنا هذه الثقافة من وسائل الاعلام ومن قاموس تعاملنا اليومي يعني نجينا مجتمعاتنا منه.

الدول الراسمالية لهم تاريخ طويل ومخزٍ على اتساع العالم يلعبون دورًا دنيئًا في خلق بيئة شديدة العداء للأقليات والشعوب الحرة ولكنها آمنة لهم وذلك عبر تجنيبها تحمل المسؤولية وآثار الأزمات التي تخلقها باستمرار، لغرض حرف الانظار من فشل النظام الرأسمالي في تلبية احتياجات الشعوب باتجاه العداء للاخرين. واستوجدت فيها هذه التنظيمات المتطرفة محاضن مجتمعية تحميها، وأموالا تساندها وتدعمها، وشباباً يتطوعون في صفوفها، ورموزاً دينية تبرر أعمالها، ومنابر إعلامية تروج لطروحاتها. فكانت طالبان والقاعدة وكتائب عبد الله عزام وجبهة النصرة وأنصار بيت المقدس والجبهة الإسلامية وداعش وغيرها من عصابات احترفت القتل والتدمير خدمة للسلطات الاستعمارية .

لقد اعترفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في مذكراتها أن الإرهابيين الذين يقومون بأعمال إجرامية نحن الذين أوجدناهم من أجل محاربة الإتحاد السوفيتي في أفغانستان و إن جبهة النصرة تم تكوينها بالتعاون بين المخابرات الأمريكية والصهيونية .لهذا تعتبر الحرب في افغانستان او الغيث لانتشار الارهاب

ومن هنا لا يمكن ان نقول بأن الارهاب انتهى بمجرد تراجعه في العراق وسورية ولا يمكن القبول بأنتصار القوات الدولية التي تقودها واشنطن بسهولة كما تدعي ما دام يجد من يموله دائما ويحركه ويستفيد منه وسوق يبقى موجوداً للمزايدات ويخلق تنظيمات اخرى على شاكلة داعش واعادة انتاجه رغم كل المأثورات السيئة التي تركتها خلفها من تهجير وقتل وتدمير وتشريد واغتصاب ويبدو انه حجر زاوية وقطب يحقق توازنات للقوى في النظام العالمي ويتجدد في المناطق الرخوة القابلة لاحتضانه ولانه شكل لنفسه ايديولوجيات وافكار ما يستخدم بادئ ذي بدء، الكلمات المنمّقة والجميلة التي تثير المشاعر والعواطف تغسل العقول الضعيفة الغير مشبعة بالمعرفة ، فلهم الحق المطلق كم يتصورون في تحديد وقت السب والذم والمديح والتهجم والطعن والتّأليه والصمت والكلام والحب والبغض وتكفير الاخرين وهكذا، لانهم يعتقدون ان الحق معهم يدور حيث ما يدورون. ولذا فإن كراهيتهم للفن وإحباط مظاهر الجمال ومنع الموسيقى لانهم عاجزون في التمييز بين الجميل والقبيح ما تجعلهم متخبطين في سلوكهم . في مثل هذه الظروف يأتي دور المثقف بقدراته الثقافية والعلمية سواء كان اكاديمياً او فناناً مسرحياً أو رساماً أو عازفا او اديباً ليأتي دوره ليجسد المعاناة وينقلها، ليعري قبح الإرهاب، ويصنع من ريشته والوانه وقلمه بقعة ضوء في عتمة الواقع، ليوجه الرأي العام توجيهاً سليماً، ويحذر المجتمع من الإرهاب بوساطة رسالته االمتعالية ، أياً كان نوعها .

يمكن مواجهة الارهاب بالاستخدام الامثل الواسع لوسائل الاتصالات الاجتماعية الحديثة لتخلق وعي مجتمعي يؤمن بحرية الآخر وبحقه في العيش بكرامة وبثورة تعليمية و ثقافية تؤسس للعقل النقدى، وفق قيم اجتماعية جديدة قادرة على التفاعل مع الأوضاع الحضارية للعالم المعاصر. والتى أصبحت شبكات فعالة لنشر الأفكار بكل انواعها، وكذلك للترويج للقيم الدينية السمحاء والانسانية العظيمة ، وتحمل رسالة سامية في طياتها معاني الأخوة الفاضلة، وقيم المحبة النبيلة .تدعوا إلى السلام والمحبة بعيدا عن كل مفاهيم الكراهية والعنف. وننتقل الى مرحلة من الرقي وانعكاساً صادقاً للواقع للالفة حيث نستطيع بها من هزيمة الموت ونعيش سعداء دون خوف . لقد قدمت ارواح وانفس في العالم في جرائم ومذابح عديدة اقدمت عليها هذه الشراذم دون مهابة ،الم يحن الوقت لاجتثاث الارهاب وبالتالي حماية الابرياء من ناره وخطورته..يجب ان تتوحد جهود العالم في منع ثقافة الارهاب من التداول، والتعامل بقسوة وحزم مع كل من يدعم هذه الثقافة سواء اعلامياً أو مالياً أو معنوياً ثم البحث عن مصادر هذا الفكر ومواجهته فى الجامعات والمؤسسات التعليمية والدينية والمساجد والنقابات المهنية. والعمل على الانفتاح نحو الابواب السياسية المنغلقة بالحوار الهادئ الذى يتسم بالعقلانية والحكمة لكسر اقفاله وللقضاء على الأفكار الشاذة وأساليبها من منطلقات واحدة اصلاحية.متنورة .فهل يسمع ويصغي اصحاب الضمير والمنادون بالسلم والحرية الى المطلب الانساني الاساسي هذا، أم انهم سيتجاهلونه كما هي العادة ، وخاصة اذا تم توظيف هذه الثقافة لدعم مصالحهم وتمرير مخططاتهم و يستمر في تحقيق أهدافهم على حساب حياة الابرياء والمظلومين وعلى حساب سلب الامن من الاخری-;-ن...

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي