الصحافة الشيوعية في العراق ميدانا للنضال من اجل .. / يوسف ابو الفوز

 لم يكن إصدار "كفاح الشعب"، أول صحيفة شيوعية عراقية، أواخر تموز 1935 ، إلا تعبيرا عن حاجة الحزب الشيوعي العراقي، أعرق الأحزاب السياسية في العراق الذي تأسس في آذار 1943 ، إلى صحيفة مركزية ناطقة باسمه لتنشر أفكاره وسياسته وبرامجه، وليكسر احتكار الأفكار ونشر المعلومات الذي كانت تقوم به الصحافة الرسمية الحكومية المرتهنة سياساتها بعجلة الاستعمار والاحتكار، والتي كانت تظلل جماهير الشعب بأفكارها الرجعية والعميلة. وأصبحت "كفاح الشعب" أول صحيفة عراقية تصدر سرا، لتفتح السجل النضالي الحافل للصحافة الشيوعية في العراق، التي  لعبت دورا نضاليا بارزا في نضال القوى الوطنية المكافحة من اجل من سعادة الشعب وحرية الوطن .

جاء إصدار "كفاح الشعب" في حينه انطلاقا من المبدأ اللينيني، في العمل  السياسي والفكري، الذي آمن بأن "الصحيفة ليست فقط داعية جماعي ومحرض جماعي، بل هي في الوقت نفسه منظم جماعي"، وهكذا وبالرغم من كون العديد من أعضاء الحزب وأصدقائه وبعض أعضاء قيادته كانوا ينشرون مقالاتهم في العديد من الصحف الوطنية، وأحيانا بإسماء مستعارة، إلا ان إصدار صحيفة مركزية ناطقة باسم الحزب صار من المهام الأساسية لقيادة الحزب الشيوعي العراقي انذاك، والذي تطلب إصدارها تذليل كم هائل من الصعوبات الفنية. لم يكن سهلا أيجاد المطبعة المناسبة، ثم تدبير المبالغ الكافية لشرائها، ثم أيجاد المكان المناسب لنصبها، والاصعب من كل ذلك هو أيجاد العاملين المؤهلين الذين تطلب وجود صفات نضالية خاصة لعملهم. كل هذا كان يحصل    ضمن الظروف والمتطلبات الصارمة في العمل السري وفي مقدمة ذلك شدة اليقظة والحذر. ويعتبر صدور"كفاح الشعب" السرية، في تلك الايام، حدثا فريدا في تأريخ الصحافة العراقية، لكونها تحدت الأعراف التقليدية من ضرورة الحصول على إجازة لإصدار صحيفة، وبصدورها أرست تقاليد عمل جديدة في تاريخ الصحافة العراقية.

 ان المؤرخ والمتابع لتاريخ الصحافة العراقية، لا يمكن الا ان يذكر بأن  صحافة الحزب الشيوعي العراقي السرية، لعبت دورا مؤثرا وأساسيا في كشف وفضح سياسات الحكومات العميلة المرتبطة بسياسة الاستعمار وقوى الاحتكار وحملت تطلعات أمال جماهير الكادحين. وإذ توالى بعد "كفاح الشعب" صدور العديد من الصحف السرية والعلنية، ارتباطا بالظروف النضالية والسياسية التي عاشها الحزب مثل  صحيفة "الشرارة" في مطلع الاربعينات ، صحيفة "القاعدة" في كانون الثاني 1943، ، صحيفة ئازادي " الحرية "الناطقة باللغة الكردية في نيسان 1944، "العصبة"  في 1946 ،"الاساس" في 1948، " اتحاد الشعب" في منتصف 1956 ثم صحيفة "طريق الشعب" نهاية 1961 ، فأن الصحافة الشيوعية ظلت وفية ومخلصة للمباديء التي ارساها الرواد الاوائل.

ومن الجدير بالذكر، أنه وطوال كل سني نضالهم المجيد ومنذ تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، ساهم الشيوعيين العراقيين في صدور العديد من الصحف العراقية الوطنية، الديمقراطية اليسارية، والتي صدر بعضها لفترات قصيرة وتوقفت، أضافة الى كونهم نشروا مقالاتهم في الصحف الوطنية مستثمرين أي فرصة وظروف ملائمة للنشر.

 ويجدر بنا ان نثبت حقيقة، بأن صحافة أجل حقوق الجماهير والأفكار التقدمية النيرة، وكانت بحق مدرسة لأجيال من الصحفيين والمثقفين العراقيين، الذين على صفحاتها تعلموا وشقوا طريقهم إلى ميدان العمل في الصحافة والأدب. وقدمت صحافة الحزب الشيوعي العراقي، خلال مسيرتها النضالية الحافلة بالأمجاد من اجل مستقبل افضل لابناء شعبنا، كوكبة خالدة من الشهداء من المناضلين والصحفيين، نستذكر منهم الشهداء محمد الشبيبي، عبد الرحيم شريف، محمد حسين أبو العيس ، جمال الحيدري ، نافع يونس، عبد الجبار وهبي( أبو سعيد ) ، عدنان البراك، ولا ننس الفقيد زكي خيري وشمران الياسري وعامر عبدالله وغيرهم كثيرين ممن يطول تعداد أسمائهم. لم تكن صحافة الحزب الشيوعي العراقي طيلة سنوات نضالها مجرد صوتا لإيصال سياسة الحزب وبرامجه، بل كانت ميدانا لنشر الفكر التقدمي في مختلف جوانب الحياة. كانت صحافة الحزب الشيوعي العراقي أمينة للمبادئ اللينينية في العمل الصحفي ، حيث كتب لينين "لابد لنا ان نشرع بالعمل بانتظام لخلق صحافة لا تسلي وتخدع الشعب بالتوافه والإثارة السياسية، بل تخضع قضايا الحياة اليومية الاقتصادية لحكم الشعب وتساعد على الدراسة الجادة لهذه القضايا". وكانت جماهير الشعب تقرأ في صحافة الحزب الشيوعي العراقي آمالها وطموحاتها وهمومها، ولهذا كان انتظام صدور صحافة الحزب يشكل معنى كبيرا لدى جماهير الكادحين وأعضاء وأصدقاء الحزب، ولهذا السبب كانت صحافة الحزب السرية في فترات نضالية عديدة توزع أعدادا اكثر من الصحف العلنية الرسمية. وفي ظل الظروف الجديدة، بعد زوال النظام الديكتاتوري الشوفيني، يواصل الشيوعيون العراقيون نضالهم أمينين لمبادئهم وتضحيات رواد الصحافة الشيوعية في العراق، ومن اجل ان تكون صحافة الحزب ميدانا للأفكار التقدمية، ومعبرة عن هموم جماهير الشعب الكادح وطموحاته وأماله، وقريبة الى نبض الكادحين، وتنادي ببناء عراق ديمقراطي جديد، فيدرالي، تعددي، ينعم فيه المواطن بحياة حرة كريمة تحت ظل القانون، بعيدا عن اي فكر تعسفي ظلامي، يصادر حق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة الآمنة.