النصير الشيوعي تلتقي الرفيق جعفر حسين عباس/ أبو آمال
- التفاصيل
- المجموعة: كتابات انصارية
- انشأ بتاريخ: الخميس، 16 حزيران/يونيو 2022 21:34
- كتب بواسطة: النصير الشيوعي
- الزيارات: 717

من هو النصير أبو آمال؟
جعفر حسين عباس وأسمي الأنصاري أبو آمال، من مواليد مدينة السماوة 1951، إلتحقت بكلية الزراعة في البصرة وتخرجت منها في العام 1975 _ 1976، ثم إلتحقت بالجيش لأداء الخدمة الإلزامية، وعندما تسرحت، عدت الى مدينتي وتعينت على الفور مدرسا في اعدادية الزراعة.
عائلتي من العوائل الكبيرة والمعروفة اجتماعيا واقتصاديا في السماوة، حيث كانت ميسورة الحال، بل أستطيع أن أقول انّها كانت ثرية، لكنّ هذه الثروة سرعان ما تبددت بعد وفاة والدي، فتدهور وضعنا الاقتصادي وانتقلنا من حال الى حال وأصبحنا نبحث عن لقمة عيشنا اليومي، بينما كنت آنذاك طفلا صغيرا في الصف الثاني الابتدائي.
عندما إنتقلت الى الصف الثالث الإبتدائي، بدأت بالعمل لمساعدة أهلي، وكان عملي في البداية هو بيع الباقلاء بواسطة (العربة والقدر والنار). كنت ما أن ينتهي دوامي الصباحي حتى أخرج راكضا لأجلب العربة من البيت وأقف أمام باب المدرسة لأبيع (الباجلة) على التلاميذ المتأخرين في الخروج من الدوام الصباحي وعلى الذاهبين الى الدوام المسائي حيث الدوام في مدرستي يتكون من شفتين.
لقد اضطرتني الظروف لأن أعمل في مجالات عديدة مثل بيع الباقلاء والخضروات وغيرها من الأعمال التي أستطيع من خلالها أن أساهم في تدبير معيشتنا وفي نفس الوقت أواصل دراستي، واستمريت في ذلك حتى المرحلة المتوسطة والثانوية.
عندما ذهبت الى جامعة البصرة، تعرفت فيها على زملاء طيبين وصادقين ويحملون الأفكار التي كانت تعبر عن ما أحلم به وأتمناه، كما انّ الحياة المرة التي عشتها في طفولتي وقراءاتي البسيطة للكتب والروايات الروسية ومشاهدتي للظلم الذي يمر به الناس، كل ذلك دفعني الى إعتناق الأفكار الاشتراكية والماركسية التي كانت تشبه الأحلام الوردية بالنسبة لي، فكنت أحضر التجمعات الطلابية والنقاشات والحلقيات حتى وجدت نفسي وأنا في المرحلة الثانية من كلية الزراعة عضوا في إتحاد الطلبة العام.
تخرجت من الجامعة في السنة الدراسية 1975_ 1976، وإلتحقت بالجيش لتأدية الخدمة الإلزامية، وعندما تسرحت في سنة 1978 عدت الى مدينتي وتعينت مدرسا في اعدادية الزراعة. في ذلك الوقت كانت الهجمة على منظمات الحزب وملاحقة الشيوعيين تشتد يوما بعد يوم، وعندما إلتقيت بلجنة المعلمين التابعة لمنظمة الحزب في السماوة، أدركت بأنّ علي أن أعتمد على نفسي وأتخلص من البعثيين بأمكانياتي الخاصة، وهكذا فعلت.
السفر الى بلاد الشام ومنها الى بلغاريا
في أيام العطلة المدرسية، ذهبت الى دائرة الجوازات للحصول على جواز سفر فما زلت حتى ذلك الوقت بعيد عن إنتباه البعثيين وبأمكاني السفر الى الخارج من دون صعوبات كثيرة، وفعلا حصلت على الجواز وسافرت الى الشام بالطريق البري.
لأول مرة أدخل الى سوريا، ولم أعرف مدنها ومناطقها، كما لم أعرف أي أحد فيها لا من العراقيين ولا من غيرهم، ما عدا أحد الأصدقاء الذي رافقني في الرحلة وهو من اليساريين كما يقول، فرحنا نبحث عن الشيوعيين في العاصمة دمشق، لكننا وبعد عدة أيام من البحث لم نعثر على أية معلومة ترشدنا إليهم، فقررت أن أغادر سوريا وأتوجه الى الاردن.
سافرت الى الاردن برا، وأمضيت عدة أيام أبحث عن رفاقي، لكني لم أستطع اللقاء بأحد، فتركت الاردن وسافرت الى بيروت، ورحت أبحث بنفس الطريقة ولم أعرف سوى معلومة واحدة تقول انّ الشيوعيين يتجمعون في بلغاريا!.
عدت الى دمشق مرة أخرى وحاولت الإتصال بصديقي اليساري، فذهبنا سويا للحصول على فيزا الى بلغاريا، وفعلا تحقق لنا ذلك وغادرنا سوريا الى بلغاريا في آذار 1979. في بلغاريا تمكنت من اللقاء بالمنظمة الحزبية، كما إلتقيت بكثير من الرفاق الذين يعرفونني وأعرفهم وخاصة من رفاق الكادر الحزبي في السماوة، فشعرت بكثير من الراحة والإطمئنان، وأخبرت رفاقي بأني لا أستطيع العودة الى العراق مهما كانت الأسباب وأني مستعد أن أعمل أي شيء ما عدا ذلك.
راح يزداد عدد الرفاق في بلغاريا تدريجيا، وكان على المنظمة الحزبية في هذه الحالة أن تجد طريقة لتخفيف الأعباء، فصار التوجه امّا السفر الى الجزائر والبلدان التي تستقبل العراقيين للعمل فيها أو الى بيروت للتدريب العسكري والعودة الى كردستان، ولما طرح الأمر عليّ، أخترت وبطواعية أن أعود الى بيروت للتدريب والعودة الى أرض الوطن، مع العلم انّ جميع المستمسكات التي تأهلني للبقاء في بلغاريا واكمال دراستي أو التي من خلالها أستطيع السفر والعمل في الجزائر كانت متوفرة عندي.
العودة الى بيروت للتدريب العسكري والتوجه الى كردستان
سافرت من بلغاريا الى لبنان في منتصف عام 1979 تقريبا حيث إستقبلنا الرفاق في بيروت، ثم جرى توزيعنا على معسكرات التدريب، فصار نصيبي مع مجموعة صغيرة من الرفاق في معسكر ((خربة روحه)) التابع الى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. وبعد أن أمضينا فيه ما يقرب من ثلاثة أشهر حيث تعلمنا بعض الفنون القتالية والتدريب على بعض الأسلحة الضرورية أخبرونا بأنّ نتهيأ للسفر. كنت في هذه الأثناء أشعر بالفرح وبالفخر وأنا في كامل الرغبة والإستعداد للقتال في الجبال، وخاصة بعد أن علمنا انّ بعض المجاميع من الأنصار توجهوا قبلنا الى هناك. كنا أربعة رفاق عندما عملوا لنا حفلة توديع في بيروت، وعندما غادرناها الى دمشق إلتحق بنا رفيقان فأصبح عددنا ستة وهم: ((الشهيد د. عادل، الشهيد أبو سلمى، أبو وفاء، أبو نغم، أبو عدنان، وأنا)) وجميعنا نحمل جوازات سفر رسمية ونستطيع الدخول الى الأراضي التركية بطريقة مشروعة.
دخلنا الأراضي التركية عن طريق (باب الهوا)، ثم (نصيبين)، ثم (ماردين)، ومررنا بكثير من المحطات والقرى بقيادة أدلاء من حزب كوك الذي يتعاون مع رفاقنا في هذا المجال، فأهتموا بنا كثيرا حتى عبرنا الحدود الى العراق بعد رحلة متعبة إستغرقت أربعة أيام، فكانت فرحتنا لا تضاهيها فرحة ورحنا نقبل تراب الوطن.
الوصول الى (كَلي كوماته ومنها الى كوسته)
وصلنا الى كوماته بتاريخ 20/ 10/ 1979، حيث إستقبلنا الرفاق الذين سبقونا إليه وكان عددهم يتراوح بين 20 و 25 رفيقا، إشتركنا معهم في بناء القاعة وساهمت أيضا في بناء حمام على الروبار لم يصمد طويلا!، ولا أستطيع أن أصف مشاعري في تلك الساعات فهي مزيج من الفرح والتحدي والإستعداد لمواجهة المصاعب، وعلى الرغم من شحة الأكل وعدم توفر السلاح والحراسات بواسطة العصي!، الاّ انّ الحياة الرفاقية الجميلة ذلّلت الكثير من قسوة الحياة هناك.
بعد شهر من وجودنا في مقر كوماته تقريبا، إزداد عدد الملتحقين من الرفاق الجدد فيه، فتوفرت إمكانية لتشكيل مفرزة كبيرة للبحث عن مكان آخر في منطقة أخرى. وتألفت هذه المفرزة التي يقودها الرفاق أبو يعقوب وأبو علي الشايب وأبو داود وأبو محمود روست وسلام تحياتي من 26 رفيق تقريبا أتذكر منهم: ((الشهيد أبو سلمى، الشهيد أبو هاشم، أبو نضال، الشهيد أبو سلام، الراحل أبو الوجد، الراحل أبو وصال، أبو خلدون، أبو وجدان، أبو يارا/ ابو حازم، أبو وفاء، أبو يعقوب، أبو داود، أبو علي الشايب، أبو محمود روست، الفقيد سلام تحياتي، أبو آمال)) وعذرا للرفاق الذين لا أتذكر أسمائهم.
كنّا لا نتحدث الكردية ماعدا الرفيق أبو يعقوب والرفيق سلام تحياتي، وبسبب عدم الخبرة وعدم وجود أدلاء ثابتين للمفرزة، وأيضا بسبب وعورة الطريق ومخاطره حيث أغلبه يمر في الأراضي التركية، أخذت المسافة منّا ما يقرب من الشهر حتى وصلنا الى (كوسته) وهي منطقة قريبة من المثلث الحدودي (العراقي التركي الايراني).
تقرر أن نبقى في (كوسته)، واخترنا مكانا عبارة عن زريبة حيوانات متروكة أن يكون مقرا ثابتا لنا. وكان لمجموعة من البارتي مقرا لا يبعد كثيرا عنّا. في الأيام الأولى أصابني مرض غريب أقلقني، حيث إنتفخت يدي كلها من دون أن أعرف سببا واضحا لذلك، لكن أحد القرويين أصحاب الخبرة والدراية جلب لي نوع من ورق الأشجار ((لا أعرف ما هو))، وما أن وضعها على يدي حتى بدأ الورم يضمحل وتعود يدي الى وضعها.
لم يتوفر لنا السلاح في (كوسته) ما عدا بندقية واحدة (البرتو) يحملها أحد رفاق مفرزتنا ومسدس واحد بحوزة الرفيق أبو يعقوب، حاولنا أن نجهز المقر بكل المستلزمات المطلوبة بجهودنا الشخصية وبمساعدة البارتي وأيضا من خلال إتصالنا مع بعض القرويين. أمّا بالنسبة للتموين، فكان في أغلبه عبارة عن خبز وجاي وسكر.
في الربيع من عام 1980 ذهب أبو يعقوب مع مفرزة صغيرة الى ناوزنك ليخبر الحزب بوضعنا، فجاءت لنا مفرزة بقيادة مام خضر روسي وكان من ضمن المفرزة حسب ما أتذكر الرفيق سعيد شابو (كامران) وجلبوا لنا معهم الأكل والأسلحة وجهاز مخابرة، بينما في هذا الوقت أصبح عددنا كبيرا بعد ما وصلتنا مجاميع قادمة من اليمن عبر الأراضي التركية الى كوسته مباشرة.
في هذه الأثناء خرجت من كوسته مفرزة متكونة من 9 رفاق وكنت من ضمنها، كانت مهمتها إستطلاعية وإعلامية وتحمل الكثير من الأدبيات والمنشورات، وكانت بقيادة الشهيد رستم وأبو محمود روست، وكان على المفرزة أن تتحرك أثناء الظلام فقط، لأنّ قوات النظام كانت في أوج قوتها وجبروتها، بالإضافة الى إنتشار الربايا والجواسيس في المنطقة.
بعد عدة أيام من السير في الظلام والمخاطر الكثيرة وصلنا الى ده شت أربيل، وهناك إلتقينا بمجاميع من الاشتراكي والبارتي وإشتركنا معهم بعملية عسكرية كانت للأسف خاسرة بسبب عدم دقة التخطيط وفوضى القوات المشتركة بالعملية، فأستشهد الرفيق أبو فؤاد ووقع في الإسر الرفيق أبو سلام بعد أن تعرض للإصابة وتمت تصفيته في سجن أبو غريب، وتعرضت أنا للإصابة ايضا برصاصة في أعلى الفخذ قام الرفاق بمعالجتي بما توفر من ضمادات ومن دون أية خبرة تذكر.
التوجه الى نوزنك
في ده شت أربيل إلتحق بنا رفاق من التنظيم المحلي بالإضافة الى شباب ينوون الإنضمام الى حركة الأنصار. قررنا التحرك بإتجاه نوزنك، وبعد مسيرة متعبة إستغرقت عدة أيام واجهنا فيها خطر الموت من العطش لأنّ الطريق الذي نسلكه خالٍ من الينابيع ولا أثر لماء في المنطقة، ولولا بعض الرفاق الذين يتمتعون بقدرات إستثنائية على التحمل حيث ذهبوا الى قرية بعيدة وجلبوا لنا على البغل الأكل والماء لكان مصيرنا مجهولا.
وصلت المفرزة الى مقر ناوزنك الذي بقيت فيه حتى ربيع 1981 وكنت أراجع الطبابة هناك لكي أتعالج من الجرح، وعندما تم لي ذلك وتأكدت من الشفاء التام وعدم وجود آلام، طلبت من الرفاق أن أعود الى كوسته وإلتحق بمفرزتي.
قام الرفاق بمساعدتي بالوصول الى مقر البارتي، ثم أكملت الطريق وحيدا بعد أن حصلت منهم على (بغل) حمّلته بالضروريات وإتجهت الى كوسته. كنت أثناء الطريق أرافق (الكرونجية) تارة وأسير وحدي تارة أخرى، وكنت أربط الحيوان بجانبي وأشعل النار أثناء الليل لكي أتجنب الحيوانات المفترسة، وهكذا لمدة أربعة أيام حتى وصلت الى كوسته.
وجدت في كوسته وقد زاد عدد الرفاق حتى وصل الى ما يقرب 25 نصيرا بعد إلتحاق جدد قادمين من بهدينان، كما وجدت مجموعة وقد ذهبت الى روست لفتح مقر هناك وكان معهم الشهيد خضر كاكيل، وأصبح مقر كوسته بعد وصول أبو حكمت محطة رئيسية من محطات الأنصار، وبقيت في مقر كوسته حتى صيف 1982 حيث تشكل في هذه الأثناء البتاليون 31 الذي كان يتألف من 3 سرايا، واحدة في روست وأخرى في ليوزة وثالثة في ملكان، وكنت ضمن السرية التي يقودها الشهيد رستم والإداري مام جمال في ليوزة، وهي عبارة عن فصيلين، أحدهما بأمرتي والثاني بأمرة الشهيد هاوار، وتعتبر من السريا المتقدمة لحماية المكتب السياسي والعسكري في بشت اشان.
آمر فصيل في (ليوزَة)
كانت حياتنا في مقر (ليوزَة) تسير بصورة إعتيادية، مثلها مثل الحياة في المقرات الأخرى، لكن هذا المقر الذي يقع على السفح المقابل لجبل هندرين المطل على مدينة راوندوز هو الأقرب الى مواقع السلطة مما جعلنا أن نكون على أهبة الإستعداد وفي كامل الجاهزية القتالية وخاصة في الأشهر الثلاثة الأخيرة التي سبقت الأحداث في بشتاشان حيث المعلومات التي وصلتنا تقول بأنّ حركة الجيش والجحوش في المنطقة ليست طبيعية!.
كان العديد من الرفاق يزورون مقرنا ويبقون فيه لفترة غير قليلة وخاصة من المكتب العسكري للبتاليون 31 ومفارز أخرى من مقرات بشتاشان وروست. وعندما بدأت المعركة مع الاتحاد الوطني (أوك)، كان في المقر العديد من الرفاق الضيوف ومن ضمنهم أعضاء مكتب الفوج الرفاق (الشهيد أبو ليلى، مام خضر روسي، أبو دلشاد، الشهيد خضر كاكيل)، الذين كانوا في مهمة ترتيب وتنظيم قوات الفوج وإعادة توزيع المهمات، كما كان في مقرنا عدد آخر من الرفاق الضيوف: (الشهيد أبو سحر، الشهيدة أحلام، ملازم علي، الراحل أبو خلود المخابر).
21 يوما تحت الحصار
كنّا نستعد كعادتنا في كل عام لإقامة إحتفال بسيط بمناسبة الأول من آيار 1983، لكننا في فجر ذلك اليوم إستيقضنا مبكرين وذهبنا الى الساحة التي نتناول بها فطورنا، وقبل أن تكتمل وجبتنا واذا بالرصاص ينهمر علينا بكثافة شديدة ولم يترك لنا مجالا لتنظيم إنتشارنا والإستعداد للرد على مصدر النيران التي تأتي من مكان بعيد. تفرق الرفاق كلا في جهة للأحتماء في ملجأ أو خلف صخرة أو أي شيء آخر، وكان نصيبي أن أحتمي خلف شاهدة قبر صغيرة بحيث لا أستطيع القيام بأية حركة، وعندما أضطر أن أحرّك جزء من جسدي، فأنّ الرصاص سرعان ما ينهمر عليّ، أمّا الإتصال بين رفاق المقر فكان يتم من خلال المناداة فقط.
هكذا كان حالنا منذ فجر الأول من آيار وحتى هبوط الظلام، فذهب بعض الرفاق الى المطبخ لجلب ما نحتاجه من الخبز، ثم تجمعنا وبدأنا بالإنسحاب الى الخلف. كانت مفرزتنا كبيرة، وبدلا من أن نذهب ونحتل القمم القريبة لكي نتمكن من الدفاع عن أنفسنا، رحنا نسير بمحاذاة السفح بإتجاه مقرنا في بولي الذي إنسحب منه الرفاق من دون أن يوفروا لإنسحابنا الحماية، وما أن مشينا بحدود ساعة ونصف الساعة أو ساعتين حتى تعرضنا الى رمي كثيف جدا من فوق القمم التي سبقونا إليها، فتشتت المفرزة وتحولت الى مجاميع صغيرة ومتفرقة، وكان من الصعب عليها وسط الرصاص والظلام وقلة الخبرة وعدم وجود أدلاء أن تجتمع مرة أخرى.
في هذا الوقت كنّا لا نعرف أي الطرق تكون آمنة ونستطيع أن نسلكها لكي نصل الى بشتاشان، ولا نعرف أي المناطق تمت السيطرة عليها من قبل (اوك)، ولم نسمع أية أخبار عن سير المعارك في مقراتنا الأخرى. نهضت من مكاني وناديت مستفسرا اذا كان أحد من الرفاق قريبا مني ويسمعني، فلم أجد غير الرفيقين كاوه جاو شين، ونهاد. لم نتحرك من هذا المكان حتى ظلام الليلة الثانية حيث إتفقنا أن يعود كاوه الى قرية (ليوزَه) ويجلب لنا الأكل ويحصل على المعلومات من خلال أحد أصدقائنا (حاج مصطفى) وهو من (اوك) لكنه تعاطف معنا.
كانت المعلومات تؤكد، بأنّ قوات (أوك) تنتشر في كل مكان ومن الصعب علينا الافلات منهم. بعد ثلاثة أيام قرر نهاد أن يسلم نفسه ويذهب الى أهله، فودعناه وتمنينا له السلامة. كان النصير كاوه جاوشين يذهب أثناء الليل الى القرية ويجلب لنا الأكل والمعلومات من حاج مصطفى، فحصلنا على معلومة تقول: بأنّ مفرزة من الحزب الاشتراكي مختفية على سفح جبل هندرين، فقررنا أن نذهب الى هناك. كانت حركتنا بطيئة جدا بسبب عدم معرفتنا بالطرق السالكة وأيضا بسبب العتمة حيث لا نستطيع السير أثناء النهار، وكان الرفيق كاوه جاوشين لديه الخبرة في التحرك بحذر في المناطق الجبلية والتعامل مع أصحاب (الرشمالات)، وكلما وصلنا الى (رشمال) وإستفسرنا منهم عن المكان وقوات (أوك) وغير ذلك، نبتعد عنهم مسافة طويلة قبل أن ننام أو نستريح من أجل أن نتجنب خطر التبليغ عنّا.
بقينا ندور في المنطقة نبحث عن مفرزة الاشتراكي بالرغم من تحذيرات الرعاة، بأنّ قوات (اوك) يتواجدون في كل مكان. وبعد أن مرت علينا عشرة أيام في هذه المتاهة ولم نعثر على شيء، بالاضافة الى الجوع الشديد والخوف من الموت المحتم في حال عثروا علينا، قررنا العودة الى نفس المكان القريب من قرية (ليوزَة) علّنا نعرف شيئا من خلال صديقنا حاج مصطفى. كانت ليالينا ونهاراتنا قلقة ومتعبة، لا نعرف أي مصير ينتظرنا، هل سنقع بأيدي المجرمين أم ننجو منهم، لا ندري كيف يمكننا أن نفلت من الأعداء ونحن محاصرين من كل الجهات، كما لا نعرف عن مصير رفاقنا في بشتاشان والمقرات الأخرى.
كانت الجبال تتراءى لنا مثل أشباح تريد ذبحنا. لقد نمنا ليالينا في العراء وبطوننا خاوية. كنّا نحمي بعضنا من البرد بحيث ننام ظهر على ظهر طلبا للدفء. نختفي تحت صخرة صغيرة، وكلما مطرت السماء نتناوب أنا والنصير كاوه في إدخال رؤوسنا تحتها لنحتمي من المطر. ولكن مع كل هذا العذاب فقد كان لدينا إصرارا بعدم اليأس: كنّا متشبثين بالحياة مهما حصل.
بعد عدة أيام أمضيناها بالقرب من قرية (ليوزَه)، حصلنا على معلومة تقول: انّ قوات (اوك) إنسحبت من المنطقة كلها بما فيها موقعنا في بشتاشان، فحملنا أجسادنا المتعبة وتسلقنا السفوح، ورحنا نمشي في طرق نجهلها تماما ولكننا نعرف الإتجاه فقط، كما شاهدنا من بعيد ونحن نسير على المنحدرات بعض جثث لرفاقنا ولم نستطع التوجه إليها خوفا من الكمائن وأيضا عدم قدرتنا البدنية لأن نفعل شيئا.
وهكذا لعدة ليالٍ مظلمة وقاسية حتى وصلنا الى ((جيستان قنديل))، وهناك مررنا بأصحاب الرشمالات الذين قدموا لنا المساعدة في عبور الجبل والتوجه الى الحدود حيث المكان الآمن. وبعد أن اطمأنت قلوبنا وتأكدنا بأنّ المنطقة خالية من (اوك) وانهم إنسحبوا ولا يوجد أي خطر، قمنا ببيع أسلحتنا على الرعاة خوفا من الإعتقال من قبل (البازدار الايراني)، ولما وصلنا الحدود وإلتقينا برفاقنا في (شنوية) بعد 21 يوم من الضياع والمرار والقلق، سلّمنا ثمن البنادق للحزب، وبدأنا برواية القصة على بقية الرفاق الذين إستمعوا لنا بدهشة كبيرة وفرحوا اننا ما زلنا أحياء!.