مرة اخرى إلى ناوزك، حيث عدت من قاطع بهدينان مع مفرزة السلاح. وصلنا إلى بشتاشان وكانت وجهتنا إلى قاطع السليمانية وكركوك، وكنت منقولا إلى هذا القاطع. نمنا تلك الليلة في بشتاشان، وفي الصباح كنا ننتظر البريد لكي نبدأ بالحركة. جاءنا الرفيق الشهيد ملازم حامد امر الفوج في بشتاشان، وقبل أعطاءنا البريد قال: منو رفيق هزار؟ قلت: انا، قال: ان المكتب العسكري المركزي (معم) قد ألغى نقلك إلى قاطع السليمانية، والحزب يريدك البقاء في بشتاشان، فنفذت قرار الحزب ونسبت إلى إحد الفصائل الذي كان آمره الرفيق خالد عرب، وفي شهر شباط بلغني امر الفصيل بالذهاب إلى (معم) بناءً على طلبهم، فذهبت والتقيت الشهيد سامي حركات وكنت اعرفه، فاخذني إلى غرفة (معم). بعد ان القيت التحية على الرفاق الموجودين وهم  الرفاق: الفقيد ابو عامل، الفقيد ابو سرباز، وابو فاروق، والشهيد ابو سمير عضو المنطقة الجنوبية، فبدا ابو عامل بالحديث قائلا: شكلنا مفرزة من ٦ رفاق وانت امر المفرزة وجهتكم إلى ناوزنك ومهمتكم تصادفون في الطريق الرفيق نوري انت تعرفه وهو يعرفك ومعه بغل وجنطة كبيرة فيها كمية من المال، توصله إلى نوكان مع البريد وتسلمه إلى الفقيد ابو شوان قادر رشيد، وهذه المعلومة لايعرفها احد من المفرزة سواك. ثم تكلم ابو فاروق وقال: تحافظ على الجنطة مثلما تحافظ على عينيك، لان الرفاق في السليمانية بحاجة ماسة للمال واعطاني مبلغا كمصروف للطريق.

في الساعة السادسة صباحا تحركت المفرزة، وكان دليلنا الرفيق ارام. كان الجو باردا جدا والطريق تغطيه ثلوج قليلة. بعد ساعات من الحركة، عبرنا منطقة الربايا الواقعة على جبال (شيروان مازن)، وبعد مسافة معينة التقينا مع الرفيق نوري ومعه ثلاثة رفاق، وبعد التحية والعناق حيث كنت اعرفه عندما كان سائقا في مقر اللجنة المركزية ايام الجبهة مع البعث. كان يوميا يجلب الجرائد والبريد من بغداد إلى كركوك ومنها يتوزع إلى السليمانية وأربيل، وكنت في بعض الاحيان اعود معه بالسيارة الى بغداد حيث كنت موظفا هناك. بعد استلامنا البريد والمال انفصلوا عنا، واخذوا طريقا اخرا لا أعرف إلى أين. نحن بدورنا تحركنا، وبعد ساعات معدودة وصلنا إلى مقر (رزكة) التابع لرفاق (بشدر). مكثنا عندهم ليلة واحدة، وفي الصباح بلغوني رفاق بشدر بأن الحركة صعبة ويمكن ان تتساقط الثلوج بكثافة، لكننا لدينا موعد للوصول الى ناوزنك!، فقررت الحركة، وبعد مسيرة ساعة ونصف بدأت العاصفة الثلجية ونسميها (زريان) بالكوردي. اخذنا نتبع   ذيل البغل لان الطريق اصبح مغطاة تماما. وهكذا واصلنا المشي لعدة ساعات اخرى حتى سمعنا نباح كلاب قريبة على الطريق، فذهبت مع رفيق للاستطلاع، فشاهدت مجموعة من البيوت، وعندما التقيت معهم عرفت انهم من عوائل (حدك) الإيراني.

وصلنا إلى مفرق جبل (كوره شير) ولم يبق لدينا غير مسافة ساعة او أكثر للوصول إلى ناوزنك. لاحظت ان الجميع بما فيهم (الكروانجية) يسلكون طريق (كوره شير) وليس الطريق بجوار النهر، وسألتهم عن سبب ذالك قالوا ان الطريق مقطوع بسبب الانهيارات الثلجية، وان احد مقرات الاخوة التركمان قد تهدم ولديهم ضحايا وجرحى ((هؤلاء التركمان كانوا يرتدون ملابس بيشمركه، فسالتهم عن انتمائهم الحزبي، فقالوا ان (اوك) هو الذي يتحمل مصاريفهم، كنت التقي بهم عندما اذهب مع الرفيق الفقيد سيد باقي لشراء الارزاق من سوق (قاسم ره ش)، ولاني أجيد التحدث بالتركية فحصلت منهم على الكثير من المعلومات، حيث ذكروا بانهم هاربون من العسكرية فقط، وان (اوك) فتح لهم مقرا في المنطقة)). كان الاتحاد الوطني يستغل ظروفهم وتواجدهم باعتبارهم من القوى المعارضة ولهم الحق في دخول جبهة (جوقد)، علما بأن التركمان قسمان: القسم الأول يعيشون في مدن كركوك أربيل وهم من المذهب السني وولاءهم لتركيا وينتمون إلى الجبهة التركمانية، والقسم الثاني موجودون في (تازه خورماتو إلى تلال كلابات) بجوار جبال حمرين ويشمل اقضية داقوق وطوز خورماتو ناحية تازه وامرلي ووضعهم الاقتصادي سيء وهم من عشيرة بيات ويقطنون على طريق كركوك بغداد وغالبيتهم منخرطين في الحزب الشيوعي العراقي والاحزاب الاسلامية. اما اليوم فاغلبهم مع الأحزاب الإسلامية وخاصة منظمة بدر.

وبسبب انقطاع الطريق الى ناوزنك، اضطررنا الى صعود جبل (كوره شير) حيث يقع (قاسم ره ش) في جانبه الاخر. وهذا المكان عبارة عن سوق حرة، فهو يحتوي على كل شيء، ففيه محلات الصيرفة، ويكثر فيه رجال المخابرات المختلفة واعضاء الاحزاب وغير ذلك من التفاصيل الكثيرة. ذهبنا إلى الفندق الذي شيد ((بالنايلون)) وفيه ((صوبة شورش)) وتركنا البغل مع الحيوانات. وبعد الاكل نمنا على اسرة مصنوعة من الخشب، فوضعت الجنطة على ظهري وادعيت باني اشعر بالالام في ظهري!.

رتبنا الحراسات كلا في مكانه، وطلبت من الرفاق ان تكون بنادقهم مهيئة لاطلاق النار لان المنطقة غير آمنة وحصلت فيها الكثير من الاحداث. وفي الصباح ارسلت رفيقين مع رسالة الى الرفيق الفقيد قادر رشيد (ابو شوان) اخبرته فيها بان الطريق صالح ولا توجد به انهيارات ثلجية. وبعد فترة جاءت مجموعة من الرفاق، فتحركنا إلى ناو زنك وسلمت الجنطة مع البريد لـ( أبو شوان) الذي اخبرني بان البرقيات كانت تتولى من الحزب تستفسر عن وصولكم.

وفي الليل، حيث كنت انام في غرفته، تبادلت الحديث مع الرفيق (ابو شوان) وقال لي إن (اوك) يراقبوننا للتأكد من وجودنا، وإني امثل الحزب في الاتصال معهم، وعلمنا من مصادرنا الخاصة بان وفد من الحكومة مؤلف من مسوؤل كبير في المخابرات ومدير أمن السليمانية اجتمع مع (اوك) لغرض المفاوضات، وعندما كنت في ناوزنك كنت التقي مع بعض المعارف من (اوك) الذين اخبروني بانهم يقومون بتكتيكات امام الايرانيين لمسح الصبغة بأنهم حزب ماركسي، حيث شكلت إيران قوة مسلحة من الاتحاد الإسلامي قوامها الف مسلح وقام (اوك) بمساعدتهم في فتح مقرات قريبة لهم.

لكن الايرانيين لهم اهداف مختلفة عن مايسعى لها (اوك)، فقاموا بعد فترة بمهاجمة الاتحاد الاسلامي وأسر رئيسهم (شيخ زراري) الذي كان مجروحا، وقد قتل من الطرفين مجموعة من المقاتلين. لقد غير الاتحاد الوطني البوصلة فشكل قوة بيشتوان (المساند) لمقاتلة الايرانيين جنبا الى جنب مع (حدك) الايراني واوقف عملياته العسكرية ضد الحكومة العراقية. هذا التصرف كان مغازلة للحكومة العراقية من اجل بداية مفاوضات معها، وكان عراب ذلك (قاسملو) رئيس (حدك الإيراني). كان شعار (اوك) (حق تقرير المصير للشعب الكوردي)، لكنه تغير اثناء المفاوضات الى (الحكم الذاتي الحقيقي للاكراد). وذكر الكثيرون بأن معارك بشتاشان ضد جبهة جود، كانت عربون المفاوضات هذه،  بينما هم برروا المفاوضات بانها استراحة من اجل تنظيم قواتهم وتدبير وضعهم المادي وايضا معالجة الخلافات الكثيرة بينهم وخاصة (كومله) بقيادة نوشيروان الذي يتزعم الجناح القومي المتشدد، ولكن بعد فشل المفاوضات مع الحكومة العراقية، عاد (اوك) الى التفاوض مع الايرانيين مرة اخرى!، وخططوا معهم طريقة ضرب الابار النفطية والاستعدادت لها. حيث قاموا في ليلة 6 / 10 / 1986 بضرب (بابا كركر) في كركوك، وابار (زمبور)، وابار (جبل بور). هذه المعلومات ذكرها بالتفصيل الدكتور فايق محمد كولبى في مذكراته وكان معهم في هذه الأحداث. استلمنا البريد وعدنا الى بشتاشان بعد ان مكثنا في نوزنك ثلاثة ايام.

النصير الشيوعي العدد 16 السنة الثالثة تشرين الثاني 2023