كانت مفارزنا (بعد مأساة بشتاشان) تنتشر في سهل شهرزور مع مفارز قوى جود المتكونة من حزبنا والحزب الديمقرطي الكردستاني والحزب الاشتراكي الكردستاني (حسك) اضافة الى الحزب القومي الكردي (باسوك)، وكانت قواتنا هي الأكثر عددا، لكن الحزب الذي له انصار من المنطقة هو (حسك) والمشهورين بجماعة (حمه حاجي محمود)، لان المناطق المحيطة بقضاء سيد صادق من نفس عشيرته الهارونية وقسم من عشيرة الشارتي موالين له ايضا، فهم بصراحة يعرفون المنطقة اكثر من باقي القوى ولهم سمعة جيدة في منطقة شهرزور حيث يطلقون عليهم (حسك عه رز درية) يعني جماعة حسك يشقون الأرض لشجاعتهم .

في شهر تموز 1983 قررت قوى جود ان ترسل مفارز اختفاء في مناطق تواجد قوات الاتحاد الوطني الكردستاتي والقيام بعمليات ضدهم ردا على ممارساتهم الاستفزازية ضد التنظيمات المؤيدة لجود، لذلك اجتمع مكتب البتاليون التاسع مع مكتب سرية شربازير وكنت احدهم. قالوا لي: رفيق نحن أخترناك والرفيق ئاراس (ئاراس رفيق ملتحق جديد من اهالي السليمانية) ان تكونا ضمن مفرزة مشتركة تتكون من اثنين من حدك واثنين من حسك وواحد من باسوك للقيام بمهمة في منطقة شربازير، فاثار ذلك استغرابي لعدم معرفتي بالمنطقة بشكل جيد ولا اعرف أصدقاء للحزب يمكنهم مساعدتنا، فحاججتهم بذلك وقلت: (لماذا لايذهب احدكم وانتم من اهل المنطقة وتعرفون الطرق افضل مني؟)، فلم اجد النقاش ذو فائدة، وقبلت المهمة لكي لايفسر موقفي على انه ضعف أو تخاذل.

تحركنا من قرية (ته به كل) صباح اليوم التالي، وكان ادلاءنا جماعة (حسك) وهم من ابناء منطقة شهرزور. وفي المساء عبرنا الشارع الذي يربط بين ناحية عربد والسليمانية، وهو شارع خطر بسبب تواجد المعسكرات الحكومية بقربه، بالاضافة الى انتشار قرى ومجمعات الجاش، وايضا هناك احتمال لتواجد مفارز اوك في هذه المنطقة. وصلنا الى اطراف منطقة شربازير وهي منطقة تواجد كثيف لجماعة اوك لكونها قريبة جدا لمدينة السليمانية حيث يفصلهما جبل (كويزه) الذي تنتشر فيه الربايا والمعسكرات. في هذا المكان، استلم مهمة الدلالة جماعة حدك لانهما من اهل المنطقة والاثنان اسمهما عثمان (عثمانان). وصلنا عند الفجر متعبين الى مكان في سفح جبل (كويزه) قرب بستان عنب لم ينضج بعد ويقع تحت الربايا، لكن الجو الحار والبعوض الذي تكالب علينا لم يسمح لنا بالخلود الى النوم. كانت بحوزتنا قطع من الخبز وكنا نتناولها (شقفة شقفة) خوفا من عدم تمكننا من الحصول على المزيد. فتشنا عن الماء فوجدنا عين ماء صغيرة في سفح الجبل، ملأنا الزمزميات ورجعنا الى مكاننا، وكان هدفنا هو القيام بعمل ضد اوك في المنطقة. كان موقعنا بالقرب من شارع مبلط يأتي من منطقة عربد ويمر بمنطقة شرباشير وهو طريق عسكري تركه النظام اثناء الحرب العراقية الايرانية، وبسبب التواجد الكثيف للبيشمركه في المنطقة، كنا نأمل بمرور سيارات تابعة لاوك وهو هدف سهل، لكن لن تمر أية سيارة، وعلى مايبدو كان الكثير منهم في المدينة حيث يحصلون على عدم تعرض من ممثلهم مع الحكومة في منطقة السليمانية، واصبح تحركهم الأكثر في الجانب الاخر يعني من قرية سيتك من خلال الطريق الرابط بين جوارتا والسليمانية وهو الأقرب الى المدينة.

انتظرنا الى المساء وتحركنا بقيادة (العثمانين) باتجاه العمق في قرى شرباشير، وعندما وصلنا الى اطراف قرية (ولاه نه) الصغيرة، طلبا منا البقاء فيها. ذهب (العثمانان) لجمع المعلومات عن المنطقة من خلال اقاربهما او من الموالين الى حدك، لكنهما تاخرا كثيرا، حيث مرت ساعتان ونحن ننتظر، ويبدوا انهما تناولا وجبة العشاء وشربا الشاي الذي لم نشربه لليوم الثالث على التوالي. جاء الدليلان وجلبا معهما بعض الخبز، اما المعلومات التي حصلا عليها فهي عبارة عن نصيحة بعدم الدخول الى عمق المنطقة لانها ممتلئة بمفارز (اوك) ومقراتهم الموجودة في قرى بزينيان وكوركه ير وسيتك وكه ره دي والقرى الأخرى، وعلينا ان نكون اكثر حذرا فاذا ما انكشف امرنا من الصعب ان نخرج من المنطقة سالمين.

رجعنا الى موقع الاختفاء السابق، وهنا اعلن بيشمركة (حسك) عن موقفهما السلبي من البقاء في المنطقة وفضلا العودة، وكانت حجتهما بان هذه ليست منطقتنا ولانعرف ناسها وبالتالي من الصعب ان نرجع سالمين الى شهرزور. قررنا البقاء في مكاننا نراقب الشارع عسى ان نفلح بشيء ولم نرجع بخفي حنين. وفي اليوم الثاني كان جماعة حسك اكثر اصرارا على العودة، وفي نفس الوقت أصيب رفيقنا ئاراس ونصير باسوك بأعياء وحرارة مرتفعة وجفاف لقلة تناول الماء، وهو مرض يشبه الملاريا، وأصبحت حركتهما صعبة، فاتفقنا ان يرجع جماعة حسك والنصيران المريضان الى شهرزور. طلب مني (العثمانان) ان اعود معهم، وتعهدا بانهما اذا ما قاما باي عمل فسوف يسجل باسم المفرزة المشتركة، فرفضت بشكل قاطع وابديت استعدادي بتحمل جميع الظروف، فلم يتمكنا من رفض بقائي لاني كنت اتحدث بأسم الحزب.

رجع الاربعة في المساء وبقينا ثلاثة، اقترحت ان نذهب في اليوم التالي مساء باتجاه قرية (ويله يه ر) وننصب كمينا بجوار الطريق المؤدي لها، خاصة وانها قريبة من السليمانية. في حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر صعدنا باتجاه القرية واختفينا بين الصخور. بعد ساعة شاهدنا شاب يصعد نحو القرية، تعرفت على ملامحه من بعيد، فهو ابن اخت الرفيق دارا الذي استشهد اثناء عملية داخل السليمانية، وهذا الشاب يعرفني جيدا حيث كنا في بيتهم قبل الذهاب للقيام بتلك العملية، فسألته اذا كان بامكانه ان يساعدنا قبل الدخول الى القرية ويخبرنا اذا كان فيها تواجد لأوك ام لا؟، فأبدى استعداده لذلك، ثم ودعناه على امل ان نلتقيه ثانية. في المساء وبعد نصف ساعة نزل من القرية شاب لم يتجاوز الثامنة عشر ربيعا، فاوقفناه، وعلى بساطته اوضح لنا بانه من تنظيم أوك في مدينة السليمانية واسمه سالار. كان يعتقد باننا من جماعتهم، وكان يحمل قنبلة يدوية واوراق تنظيمية، ولم نعرف سبب سلوكه لهذا الطريق، فقررنا حجزه. في هذه الحالة تغير اتجاهنا، فلا يمكننا الذهاب الى القرية وسالار معنا، وبينما كنا نفكر ماذا نعمل؟، واذا باطلاق نار كثيف باتجاهنا من قمة الجبل. يبدو ان جماعة (اوك) كشفوا امرنا، فقمنا بالرد على مصدر النيران، ونزلنا باتجاه الشارع وكان نزولنا مجازفة خطيرة حيث بامكان جماعة اوك ان ياتون بسيارتهم من مقراتهم القريبة بالاضافة الى وجود الربايا والمعسكرات.

استمر اطلاق النار مادمنا في حالة النزول، ومعنا الأسير اذا صحت التسمية. وصلنا قرب الطريق محتمين بالصخور ونناقش مالعمل وكيف نعود الى شهرزور في وضح النهار وفي مناطق مكشوفة والاعداء في كل مكان. فاجأني (العثمانان) عندما اقترحا تصفية الأسير سالار، لان (اوك) اطلقوا النار علينا، ولكي تصبح حركتنا سهلة، ولان اطلاق سراحه سوف يعرض حياتنا للخطر، فانتفضت ورفضت بشكل قاطع، حاولا اقناعي، فقلت لهما: ((المسؤولون في شهرزور هم من يقررون))، تفهما موقفي وسكتا على مضض، لكن المهم الان كيف نخلص انفسنا ونخرج من المنطقة خلال النهار والرصاص فوق رؤوسنا. في هذه الاثناء سمعنا صوت سيارة حمل متجهة باتجاه عربد، فاوقفناها بسرعة وصعدنا بالرغم من الرصاص الذي مازال ينهمر باتجاهنا.

قبل وصولنا الى عربد، نزلنا قرب قرية (خه رابه) حيث معسكر للجيش بجوارها، وكنت اعرف المنطقة منذ ان نصبنا صاروخا صغيرا باتجاه المعسكر، وبسبب عطل في ساعة التوقيت أدى الى عدم انطلاقه!. المهم وجدنا واديا صغيرا بجانب القرية واختفينا به، لان دخول القرية بالنهار غير ممكن، بسبب قرب واشراف المعسكر عليها. عندما غابت الشمس، استطعنا الدخول الى القرية حيث استغرب اهلها ايما استغراب، ولم يصدقوا باننا بيشمركة لان البشمركة لايدخلون الى القرية في هذا الوقت، وكانوا يعتقدون باننا (جحوش)، لكننا اقنعناهم وخصوصا انا عربي بينهم. تناولنا العشاء وغادرنا بسرعة وعبرنا الشارع باتجاه شهرزور. في هذه المنطقة اصبحنا في امان، وكنت مرتاحا جدا لأني انقذت حياة انسان من القتل. لقد كانت سمة الانتقام للأسف هي السائدة. كنت اشعر بالانتصار. في الصباح الباكر التقيت بالرفاق واخبرت الرفيق أبو تارا الذي كان المسؤول الأول في المنطقة عما جرى وشكرني على موقفي وتحدث مع سالار وأطلق سراحه وسأله ان كان يحمل نقودا او يعرف كيف يذهب الى السليمانية.