مريم شريف وأسلوب الكتابة المتفرد / كامل الركابي                 

الابداع  في احد تجلياته ان يكون لك وحدك اسلوبك الخاص في كل شي ، وفي الشعر ،كل انسان يولد شاعر، جملة سمعناها كثيرا عندما يدور الحديث عن  الشعر بمعنى كل انسان يمتلك في دماغه مساحة للشعر وتكون قابلة للانطلاق الى افق بعيد وقابلة ايضا للانغلاق حد الضمور ومن هنا ربما جاءت صيغة( الذائقة الفنية) وهي تعني على الأغلب درجة روحية في تطور مجتمع ما!

ومثلما للأصابع والعيون بصمتها الخاصة غير الشبيهة لاحد، للشعر ايضا وبالاخص اُسلوب الكتابة تلك البصمة، مثل الفاكهة المتنوعة غير المتشابهة في الشكل والمذاق ايضا رغم انتمائها الى مملكة النبات لكن لكل ثمرة طعمها الخاص

ما اود قوله كمتذوق للشعر، ان كتابات مريم شريف بأسلوبها المتفرد تمتلك خاصية اللاتشابه مع احد وله شكله ومذاقه الخاص !

لا أريدُ نسيان هذا الشتاء

ولا أريده أن ينتهي.

أشياءُ كثيرة تذهبُ بذهابهِ :

صداقتي مع المدفأة،

الضوء الذي يرشحُ من الغيوم

شحيحًا ومتردِّدًا، بحيث لا يتناقض

معي

ولا مع الأرض

البردُ اللازم لأستعيدَ الإحساسَ بأبعدِ

مسامات جسدي

الشوارعُ الرماديَّة الماطرة حين

تسحبها الرِّيحُ إلى الخلف،

لا أريد أن ينتهي الشتاء، ثمَّة أوهامٌ

يختلقها الشتاء

كما تختلقها الحاجة

وأنا ما زلتُ في كلِّ يوم

أختلقُ السبب تلو السبب

لمجيء اليوم القادم،

ما زلتُ أفعلُ أقلَّ الأشياء التصاقًا

بمعنى الفعل

أترك مكاني للمكان الأضيق

حيثُ يكون الفراغُ أقلَّ في المساحة

الصغيرة

والدَّقيقةُ لا تحتاج دقيقةً أخرى

للمرور من أمامي..

ماذا لو ظلّ هنا ذلك الصديق

ماذا لو ظلّ يردّد كلماته 

عن الشجر والشتاء

حتى أنامَ ،أو ينتهي الكون

في تلك المسافة 

بين الأشجار وعينيه

وحين يذهب،

لا أسمع صوت الباب

وهو يسقط ،

محدثا ذلك الدويّ

في فراغ العالم....

قالت الكثير تلك الرياح

بالصوت المصنوع مرّات ومرّات،

من عمر الجبال والتفاف الأزقّة

من الأشجار والجدران

من الخواء المتروك فوق الرمال

من الامتلاء المُشابه ،الذي يُصنع فوق الرمال أيضاً

قالت الكثير

للمساء الذاهب والليلة القادمة

وكان يشبه ما أردت أن أقول

كان كل ما أردت أن أقول

بصوتي الذي لا يعرفه أحد..

تقفُ خلف نافذتك

تحدّق في أضواء الليل البعيدة ،

لو كان الليلُ مطفأً

لارتفعت بكلّ ضآلتك التي لا تعرف،

نحو السماء، 

حيث النجوم نقاطٌ صغيرةٌّ تُضاعفُ حجم الليل

ماذا كنتَ تريد ؟ البهجة، أم المسافة الشاردة أمامكَ ؟

أنتَ تغسلُ عينيكَ بالأضواء البعيدة

وتدفنُ دموعكَ حيث لا يعرف أحد

أنا أيضاً

وقفتُ طويلاً ونظرتُ

كان امتدادُ الظلمة أمامي هو امتدادُ روحي

ظلمةٌ تتنفّس منها نقاط ضوء صغيرةُ

لم أعرف اليد التي أضاءتها

ولا الأيامَ التي زالت 

كانت أضواءً في أقصى الهباء المظلم 

لا الملمسَ ولا النورَ ولا المعنى الكليَّ عرفت

وهذا المشي كلّه ، هذا النظر، الاستجداء 

ولن يكون في استطاعتي الاقتراب في أيّ يوم

أنظر عبر النافذة 

وعبر الظلمة تنشقّ الأضواء البعيدة

ورغبةٌ في البكاء.

أفكر في ما يقوله لك عني الليل

هل هذا الهواء الرقيق هو تحيتك المسائية

وكنتَ تريد أن يوصلها إليّ

أريد أن أصدّق أنّ تلك الرقة كانت صوتك

أن  هذا الليل هو شيء منك

هو أنت كلك

لهذا جاء بهذه الرقة 

وظل يتخلل الكون ساحراً وعميقاً 

بهذه الطريقة

من أجلي...

* مريم شريف

شاعرة من طولكرم، لها مجموعات شعرية آخرها مالايستعاد، لغتها مدهشة ومقتضبة وجملتها الشعرية مضيئة بالمعاناة والالم محاطة بمدارات من الجمال الخفي الذي يتسرب الى الروح بوجدانية حارة ترفع منسوب الدهشة في اعماقك وتخفض رطوبة الكلمات تحت شمس دافئة