حكاية من بلاد الغرائب العجيبة / كفاح محمد الذهبي              

ما إن فاحت رائحة فضائحه وأزكمت أنوف العباد، وما إن انتشرت أخبار فساده في طوال وعرض البلاد، حتى شّمر عن ساعديه ليرد بقوة على الناس الغاضبين. فقرر في يوم بارد وممطر أن يذهب بنفسه إلى اللجنة المركزية لمكافحة الفساد، وأن يدخل بزهو وعزيمة بناية اللجنة، متبخترا كالطاووس وكأنه مالكها.

فتح باب الغرفة بثقة وقحة يحسد عليها، ووقف أمام اللجنة وقال بصوت عال:

  • مثل ما تشوفون أجيتكم اليوم بنفسي، بطرك البنطرون والقميص، اجيت أقدم كشف الذمة المالية حتى أرضي ضميري.

فوجئت اللجنة بحديثه، وهي التي لم تكن لتجرأ يوما على مطالبته بكشف ذمته المالية، رغم كل الروائح العطنة التي فاحت منه ومن تعاملاته منذ فترة طويلة.

مد يده في جيب سرواله الأيمن واخرج مسبحة، رفعها للأعلى وأردف:

  • هاي المسبحة جبتها وياي من حج ذيچ السنة.

مد يده في جيب سرواله الأيسر واخرج منه حزمة من النقود وقال:

  • هذا هو كل ما عندي، لا أول ولا آخر وكله من چدي وعرق جبيني. أما جيب القميص فهو مثل ماتشوفون فارغ، واذا تريدون شاهد على ذلك، هذا عمي مستعد يشهد.

لم يتمالك أعضاء اللجنة أنفسهم، فأعربوا عن فرحهم وإستبشارهم بهذا الفتح الكبير، وصاح كبيرهم:

  • عشت وليخسأ المدعّون.

وصاح ثان:

  • القافلة تسير ولا يهمها نباح الكلاب.

خرج صاحبنا من الغرفة جذلا. إرتدى سترته ومعطفه الثمين، حمل حقيبته وترك البناية خلفه، وسار ببطء، هازئأ باللجنة، ومترنحاً تحت ثقل ما حملت جيوبه وما أخفى عنهم.

أما العبد الفقير فيقف حائرا، ومردداً في دواخله كيف تحارب الفساد وأنت تضحك على ذقون العباد!