الشاعر نجم خطاوي...وصور لسفوح .. ! / ماجد لفته العبيدي

ولد الشاعر نجم محمد في مدينة الكوت , بمحلة الشرقية الشعبية , وعاش طفولته في شا رع الخطاوية , وشكلت هذه البيئة الأساس للعديد من موضوعات أعماله الشعرية التي جسدها في صوره الشعرية , استمد قسم منها من أحاديث النسوة اللاتي يجلسن على عتبات البيوت ليحكين الحكايات والقصص الخيالية للأطفال , ومن صوت والدته التي تنشد أشعار جده في هدهدة الاطفال , ولم تغادر مخيلته صور الاطفال المتراكضة في شوارع الشرقية الترابية , وألوان قبتي مرقدي السيد الغريب وسيد نور , وتلك النذور والأدعية الخضراء التي يتبرك بها الاطفال والنسوة .
رغم زحام الشوارع وضجيج العربات وصراخ الاطفال , لازالت عالقة في ذهنه , صورة الثور الثقيل الجثة الجاثم فوق ظهر البقرة , و نظرات الاطفال وفضولهم الذي لم يشبعه ذلك الاهتزاز, و الذي دفع النساء ليشيحن بوجوههن عن هذه الصورة التي تتكرر في شارع الخطاوية , في هذا المحيط الاجتماعي الذي تختلط فيه القرية بالمدينة ويفصل بينهما خيط رفيع , رسم الشاعر أول صوره الشعرية التي استمدت كلماتها من شعر جده , ليعرضها على معلمه الذي لاحت ابتسامته التي تبشر بولادة شاعر جديد , يخطو أولى خطواته في شارع الخطاوية .
للشاعر نجم محمد ثلاث مجاميع شعرية , صدرت الأولى منها في عام 1993 في السويد تحت عنوان [ وداعا للسفوح ] ضمت في طياتها 32 قصيدة شعرية , حاول عبرها الشاعر تصوير تجربته الإنسانية التي بدأت خطواتها الأولى من جبل بشكو الذي يحد مدينة واسط مع إيران , لتنتهي بهذه الخطوات الثابتة إلى سفوح متين وسفين وقنديل حاملا على كتفه سلاحه وقلمه جنبا إلى جنب ألاف من ابناء شعبه الذين رفضوا مشروع الدكتاتورية الفاشية الصداميه بكل توجهاتها . يقول الشاعر في قصيدته (بيشكو) المنشورة في مجموعته وداعا للسفوح :

وردة هي الروح
فخذها ....
ودثرها بقبلة 
ودعها تنم هانئة
على غصن شجرة لوز
مراهقة
وسط سفوحك
و يحاول الشاعر في قصيدة ( ساري ) إن يرسم مسار هذه الخطوات التي وقفت قرب قرية بولي لتنظر إلى ذلك الأفق الذي لاحت فيه الغيوم السوداء , ولعلع صوت الرصاص يومها في قعر الوادي , وسالت الدماء لتصبغ ماء النبع :

على تلة
في أقاصي البلاد
قرب قرية
كان إسمها (بولي )
ومع التراب
أمتزجت قطرات الدم
.....
الخامسة فجرا
يالحمرة التراب
وسط سكون المكان
سكون رهيب
كل شىء
لفه السؤال
اما مجموعته الثانية تحت السماء السويدية , ومن خلال قصيدة ( شقاة ) , صور فيها الشاعر بحثه عن الأمنيات والاحلام الضائعة في تدافع الزمن المتراكض , الذي حملها على أمواج البحار المنسية خلف النجوم الشاهقة , وظل بعيونه الخشبية المتجمدة يراقب حركة السكون , لم يسمع فيها إلا دقات قلبه اللاهث خلف السفن الراحلة وسط الأمواج العاتية والرياح الهوجاء:

تلك البحار
التي حملتنا
هل ستذكرنا !
وتلك النجوم
التي فرقتنا !
وفي مقطع اخر من القصيدة يرسم الشاعر لوحته الشعرية التي تتجسد فيها حالة التراجع والانكسار والمقاومة الاستلاب والظلم , تلك اللوحة المعادة باشكال مختلفة على مر العصور , تمثل الصراع والمواجهة بين قوى الخير والشر , فيقول نجم محمد بهذه المقاطع من قصيدته :

حسرة
في القلب
وفي العيون
صمت
لاوقت للعناد
وان لنا
أن نعترف
لم نكن
سوى
شقاة
صعاليك
وتعتبر قصيدة ( الجنرال ) في مجموعته الثانية ( تحت السماء السويدية ) احد القصائد المميزة في هذه المجموعة , رغم الإشارة الواردة حولها بأنها محاكاة إلي رواية ماركيز والأدب الثوري في أمريكا اللاتينية بصورة شعرية , وقد شكلت القصيدة موقف احتجاج واضح على الدكتاتورية وحروبها , وكان فضاء القصيدة المكاني الافتراضي هو الوطن الذي لم ترسم معالمه بعد , فيقول الشاعر في مقطع من القصيدة :
وطن 
من 
رماد
وطن
بلا
خارطة 
ويحاول أيضا في ذات القصيدة , وفي مقاطع اخرى منها , استخدام تدرجات الالوان في رسم الصور الشعرية, فينتقل من اللون الكالح إلى اللون الأسود , موضحا للمتلقي عمق المأساة التي يعانيها شعبه , وفي زحمة هذه الصورة القاتمة , يرى الشاعر خيوط الفرح التي تبزغ مع زفة العيد لتبدد خوف الظلام الدامس بأغاني العيد, وهو ينتقل عبر صوره الشعرية من المباشرة إلى الرمزية .
أنت
معطف كالح
عتيق
لايليق
بقامة
الوطن
البليسان
أنت
ثوب
الحداد
الأسود
وحزن أمي
.......
لست
خاتم 
الخطوبة
ولامهر
الزفة
وليست
اغانيك
أغاني 
العيد
لقد بغضناك 
فأرحل 
أيها الجنرال

وليست هذه القصيدة الوحيدة التي يؤرخ بها الشاعر للزمن الافتراضي عبر صوره الشعرية, محاولا الربط بين تفاصيل الماضي والحاضر لنسج تفاصيل المستقبل , ففي مجموعته الجديدة ( تحليق فوق الثلج ) رسم الشاعر مسارا جديدا للجنرال في قصيدته (خوذة الشاعر ) , بهذه القصيدة حاول الشاعر عبر فضاءاتها الزمنية , رسم الخط البياني لنزوات الجنرال وتقلباته ( في صباح رمادي .. مبكرا ..في الظهيرة .. توهجت قريحته ... في المساء ...خط لنا ...قصائد أخر ... في منتصف الليل ..دهمه ألأرق ... ) .
ولم يتوقف الشاعر عند هذه الارشفة لنهاية الزمن الغابر بل حاول من خلال مجموعة كبيرة من القصائد الشعرية , رسم العديد من الصور الشعرية لمقاومة الشعب للطاغية , عبر الكفاح الثوري المسلح في جبال كوردستان , والرفض السلبي لاعمالها المشينة , وكان الفضاء الشعري حاضرا بكل تفاصيله , فالمكان الذي تتناول تفاصيله القصيدة الشعرية بمختلف صورة الافتراضية والمكانية الملموسة تجده متجسدا من قبل الشاعر بأدق التفاصيل الصغيرة , وفي ذات الوقت يعزف الشاعر من خلال الكلمات الشفيفة أجمل الالحان للموسيقى الداخلية للقصيدة , في قصيدة جبل شيرين , من مجموعته الشعرية تحليق فوق الثلج , يقول فيها الشاعر نجم خطاوي :
في شرين
تبدو الكهوف
كالطلاسم 
والدروب الصغيرة 
تكتم الاسرار
في أعماق
الصخور الجبارة
وفي قصيدة (نصير) من مجموعته الشعرية تحت السماء السويدية :
عشرة أعوام
مضت
على رحيله
ومازال قنديل أبيض
وكذلك في قصيدة ( جادة كركوك )من مجموعته الثانية وداعا للسفوح: 
الشارع سيدنا النبيل
كل مساء
يصير لنا بيتا 
يعانقنا
ثم يوزع أسرارنا
في القرى
كالرغيف
وفي قصيدة (ساري ) من نفس المجموعة ,يحاول الشاعر تحديد المكان والزمان لموضوعة القصيدة:
ساري
_ المكان_
قرية في جبال كوردستان
إسمها(بولي)
_الزمان_
أول أيار 
الخامسة فجرا
.........
وأستطاع الشاعر عبر قصيدة (الو عراق ) من المجموعة الثانية [ تحت السماء السويدية ] , إن يصور لنا الحوارية الداخلية في هذه القصيدة , والتي مثلت انطلوجيا الموقف , السائدة في زمن الديكتاتور الذي بنى حاجزا للخوف , واستخدم صوت الهاتف القادم من الوطن , لتموت فوقه الكلمات , ويتخشب حوله الحوار :

الو ...........!
_نعم
من المتكلم !
أخ لك
في الغربة
_ لاأخا لي
في الغربة
_ لكني أعرفك
أعرف صوتك
تعتبر المجموعة الأولى للشاعر نجم محمد , من أجمل مجاميع الشاعر التي كانت الصور الشعرية فيها تسبح في فضاءاتها المختلفة , و ايقاعتها الداخلية تشدك إليها وتأخذك بعيدا في مسالك العبارات الشفيفة , وعبر هذه البناء الداخلي للقصيدة , قلل الشاعر من تأثيرات المباشرة السردية في القصيدة الشعرية , وجاءت المجموعتان الأخيرتان لتمثلان نقلة نوعية في إعمال نجم محمد , من ناحية تأثره في قصيدة النثر الحداثوية , الا انها ضاعت في سيادة المباشرة وتعثر الإيقاع في بعض جوانب القصيدة , لكنها نقلتنا الى عوالم الاختصار والتكثيف في الكلمات والمعاني وحولت الرمزية من الصور الشعرية إلى جسم القصيدة, وعوضت عن الاختلات في الأوزان والإيقاع , بسلاسة الفكرة ووقعها الشديد على المتلقي , وفي المجموعة الثالثة (تحليق فوق الثلج ) , ظهرت بشكل بارز القصائد القصيرة جدا التي ظلت محافظة على بنائها الملحمي , مثل قصيدة (خاتم) :
حين ألبسه
توجعني إصبعي
وحين أنزعه 
توجعني روحي
وليس من خيار أخر 
تظهر المجموعة الأخيرة أيضا تأثر الشاعر فيما يعرف في ( شعر الهايك ) الذي ترجم له الشاعر 20 قصيدة لهواة الشعر عن اللغة السويدية , والشاعر نجم محمد شاعر واعد , نتأمل منه الكثير عبر كسر طوق القصيدة النثرية , ورسم صور شعرية جديدة لسفوح جبال كوردستان بعيون الخطاوية .