المحتجون والمفوضية العليا لحقوق الانسان / هادي عزيز علي*

للفرد الحق في الحياة والأمن والحرية, ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق او تقييدها. ومثلها حقه في حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل, وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي, وحرية الاتصالات والمراسلات بما في ذلك الالكترونية (التواصل الاجتماعي)، فضلا عن حرية الفكر والضمير والعقيدة, وحرية الانتظام في مؤسسات المجتمع المدني وتنظيماته ودعمها واستقلالها بما ينسجم مع الوسائل السلمية. ويُحظر حجز أي مواطن, اضافة الى عدم جواز توقيفه الا بناء على قرار قضائي مسبب.

هذه الحقوق والحريات هي احكام دستورية تضمنتها نصوص الدستور الذي كلف الدولة بكفالة تلك الحقوق عبر سلطاتها ومؤسساتها، وخوّلها حق اصدار التشريعات المطلوبة لتمكين الافراد من التمتع بتلك الحقوق والحريات. فهل تمكنت الدولة من تحقيق ذلك؟

للاجابة على هذا السؤال لا بد من الاطلاع على دور المفوضية العليا لحقوق الانسان:

حدد قانون المفوضية العليا لحقوق الانسان الاهداف المرسومة لها في احكام المادة (3) من قانونها المرقم 53 لسنة 2008 المعدل، وهي: ضمان حماية وتعزيز واحترام حقوق الانسان المنصوص عليها في الدستور وفي القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل العراق، فضلا عن ترسيخ وتنمية وتطوير قيم وثقافة حقوق الانسان. وامام هذه الاهداف الكبيرة، واختبارا لقدرة هذه المؤسسة (المفوضية) على الوصول الى تلك الاهداف ازاء ما حدث ويحدث للمحتجين من تعسف واعتداء واهدار لتلك الحقوق، وصل الى القتل وحرمان الافراد من حق الحياة, فضلا عن الاحتجاز والتعذيب والتغييب وسواها من الاجراءات الاخرى والاستعمال المفرط للسلاح ضدهم.. ما الذي فعلته المفوضية تجاه ما حصل ويحصل؟

المفترض بالمفوضية والحالة هذه ان تأخذ على عاتقها مسؤولية حماية المحتجين من تعسف السلطة، انطلاقا من الاهداف المرسومة لها في قانونها باعتبارها ركيزة من ركائز البناء المؤسسي للدولة، المكلف بحماية الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور. الا ان واقع الحال كان مثبطا، فهو مُتراخٍ قياسا الى حجم الانتهاكات التي تعرض لها المحتجون، وان الشجب وحده لا يبرئ جرحا ولا يطيب نفسا ولا يعيد حقا، وعلى المفوضية ان تتحمل كامل المسؤولية لكونها ملزمة قانونا بتطبيق احكام المادة (5) من قانونها, وان التراخي في تطبيقها يؤدي الى المزيد من الانتهاكات، وهو ما يحصل يوميا من اعتداءات متكررة تصل الى القتل في بعض الاحيان امام مرأى ومسمع وعلم المفوضية.

تنص الفقرة رابعا من المادة المذكورة على الآتي: (على المفوضية تحريك الدعوى المتعلقة بانتهاكات حقوق الانسان واحالتها الى الادعاء العام لاتخاذ الاجراءات القانونية..). والسؤال هنا هل حركت المفوضية الدعاوى بشأن الانتهاكات التي تعرض لها المحتجون؟ واذا كانت قد قامت بذلك فما عدد الدعاوى التي تم تحريكها؟ وهل من ضمنها دعاوى تتعلق بالقتل؟ ومن هي الجهة الامنية المشكو منها؟ ذلك ان رفع الشكوى بعد تحديد الجهة المشكو منها، ترسل اشارة الى تلك الجهة تشعرها بان انتهاكاتها خاضعة لحكم القانون، ولا يمكن لاي فعل يخالف القانون ان يكون في معزل عن الجانب الجزائي. وبذلك نكون قد حققنا جزءا من فلسفة التشريعات الجزائية، الا وهو الردع بشقيه العام والخاص.

فما هو عدد الدعاوى المرفوعة والمحالة الى الادعاء العام؟ ومن هي الجهات المشكو منها؟

ثم ما عدد الشكاوى التي تلقتها المفوضية من الافراد والجماعات ومنظمات المجتمع المدني عن الانتهاكات التي تعرض لها المحتجون؟ ان احكام الفقرة (اولا) من المادة المذكورة تلزمها بذلك. فاذا كانت قد تلقت قسما منها، فهل قامت بالتحقيقات الاولية فيها تطبيقا لاحكام الفقرة (ثانيا) من المادة المذكورة، التي تلزمها باجراء التحقيقات الاولية؟ وما هي المراحل التي وصلت اليها التحقيقات ان كانت قد جرت؟ وما الدور الذي قامت به المفوضية في متابعة تلك الدعاوى لدى الادعاء العام, والكيفية التي تابع بها الادعاء العام تلك الدعاوى لدى قضاة التحقيق، والمرحلة التي وصلت اليها؟ وهل هي مرحلة احالة المتهمين الى محاكم الموضوع لمحاكمتهم عن التهم المسندة اليهم في حالة ثبوتها؟

يضاف الى ما تقدم ان المفوضية مكلفة قانونا بزيارة الموقوفين في المواقف او الاماكن الموجودين بها, وهو ما تلزمها به احكام الفقرة (خامسا) من المادة المذكورة. خاصة وان مثل هذه الزيارة تتم من قبل المفوضية من دون حاجة الى اذن مسبق من تلك الجهات, فلها حق اللقاء بالموقوفين والوقوف على واقعهم واحتياجاتهم، والتأكد من عدم وجود انتهاكات لحقوق الانسان من قبل القائمين على تلك المواقف. وفي حالة وجودها فان عليها ابلاغ الجهات المختصة، بغية اتخاذ الاجراءات القانونية الخاصة بذلك. فضلا عن وجوب الاطلاع على قرارات التوقيف, وهل هي صادرة عن جهة قضائية مختصة حسبما تقضي بذلك احكام الدستور. فهل تمت الزيارات تطبيقا لنص القانون، ومن هم الاشخاص الذين التقت بهم المفوضية، وماذا عن اماكن التوقيف وظروف التوقيف والخدمات المقدمة للموقوفين هناك؟

هذه مجموعة من الاسئلة الملحة، المتعلقة بابنائنا المغيبين في المواقف، والمنتهكة حقوقهم، والمتعرضين للتعذيب، او الذين غادروا الحياة قتلا. اسئلة بحاجة الى اجوبة، والمفوضية مسؤولة عن تلك الاجوبة، لان الدستور والسلطة التشريعية اناطا بها تلك المهمة, وعليها تطبيق القواعد القانونية الآمرة الواردة في قانونها، من دون تأجيل.

ولا ريب في ان الاجابة على هذه الاسئلة، معيار لما تقوم به المفوضية تنفيذا لاحكام القانون.