إلى فيلسوف زمانه السيد عبد المهدي المُحْتَضَر/ د. محمد شطب

أهم مشروع يمكنك أن تقدمه أنت ووزرائك ووكلائكم ومستشاريكم ومساعديكم إلى الشعب العراقي قبل تقديم مشروع الميزانية لعام 2020 هو رحيلكم وإختفائكم إلى الأبد عن المشهد السياسي.

          إن ثورة الشعب المنتفض هي بالأساس ضدكم وضد من تمثلون، ضد الفساد والمفسدين، ضد المتحاصصين والمنتفعين، ضد اللصوص وسراق المال العام.

          لماذا تستمر إذن كسابقيك في تقديم المزيد من الكذب والنفاق والدجل؟

لماذا كل هذا الرياء والهروب إلى الأمام وقد لمست بنفسك لمس اليد من وجوه وعيون من كانوا يحيطون بك من هؤلاء البؤساء في إجتماعكم الأخير، حين كنت أنت فيه تثرد برؤوسهم، ولا أنت ولا هم مقتنعون بما تقول وتطرح من خزعبلات العفو فلسفات، وتطلبون من المنتفضين أن يصدقوكم. لماذا كل هذه المماطلة وهذا التسويف وهذه المراوغة البائسة؟ ولماذا كل هذا التشبث بالسلطة؟

قلها على الملأ، ممن أنت خائف وعلى أي شيء؟  ومن هم الذين يجبروك على البقاء لحماية مصالحهم وتنفيذ مئاربهم الخسيسة؟

          الشعب رفضكم بكل وضوح وصراحة، الشعب يهتف ليل نهار بسقوطكم، الشعب رفض ويرفض أساليبكم وأساليب من سبقكم في إدارة البلاد وفي مقدمتها تسويق النار والموت والدمار لهم.

          لم تجرأ يا رئيس الوزراء، ولم تتفوه بأية كلمة ولم تُقَدِّم أي مقترح أو مشروع لمحاربة الفساد وملاحقة المفسدين وتقديمهم إلى العدالة، ولم يسمح لك خلقك الكريم ولو بالتفكير في كيفية إغلاق منابع الفساد ووقف المفسدين عند حدهم وإسترجاع الأموال المسروقة لسد رمق المنتفضين والمحرومين من أبناء العراق منها.

          لماذا هذا السكوت المطبق على الوضع الثقافي المؤلم في البلاد، على الإنحطاط في الوضع العلمي والنفسي والإجتماعي الذي آل إليه الإنسان العراقي بفعل هيمنة هذه الزمر الشريرة الفاشلة على مقاليد الأمور.

          لماذا تفكر أنت ومن حولك بتوجيه الشتائم والسباب إلى المنتفضين وتوجيه أقبح وأنكر الإتهامات لهم، وتضعون كل الخطط الممكنة لمحاربتهم والنيل منهم بل القضاء عليهم وتصفيتهم حتى جسدياً؟ لماذا لم تجهدوا أنفسكم بإستيعاب طلباتهم؟   

لماذا لم تجرأ في إجتماعك مع وزرائك على التطرق إلى كيفية معالجة الأمور التالية، وهي أمور اساسيَّة أثارت غضب المواطنين ودفعتهم إلى الإنتفاض، وهي لا تتطلب إستثمارات كبيرة، ولا يحتاج تنفيذها إلى فترات زمنية طويلة، وإنَّ مردوداتها سريعة وهي توفر الملياردات الكافية لتنفيذ الخطط اللازمة للبناء والإعمار ومنها:

  1. الوقوف بشكل حازم عند مسألة التهريب المستمر للنفط بل سلبه ونهبه علانيةً من شمال وجنوب الوطن وغيره من الثروات الوطنية وما يترتب على ذلك من هدر للملياردات في كل عام تذهب إلى جيوب حيتان الفساد والمحاصصة وتُحْرَم منها الملايين من أبناء العراق من العرب والأكراد وكافة المواطنين على حد سواء.
  2. وضع حد للإستهتار الجاري في نهب الملياردات المتأتيه من المنافذ الحدودية في كافة الجبهات والتي تذهب كسابقتها بلا رقيب أو حسيب إلى الحيتان المهيمنة على هذه المنافذ.
  3. وضع اليد على الملياردات التي تجنيها المطارات العراقية بشمالها وجنوبها ووسطها وعدم تركها هي الأخرى لحيتان الفساد وأقزام المحاصصة.
  4. تفعيل موضوعة الضرائب التي تدر هي الأخرى الملياردات وتذهب هي الأخرى لُقَم سائِغَة في جيوب كبار التجار المتعاونين مع المتحاصصين من حيتان الفساد الجاثمين على صدور أحزاب الدين السياسيَّة الشيعية منها والسنيَّة. وكذا الإيرادات السياحية وإيرادات الأماكن المقدسة.
  5. مراقبة عمليات إعطاء العقود بأشكالها المختلفة الصناعية والتجارية والزراعية وكذا عقود الإستيراد والإستثمار ووضع حد لمكاتب السمسرة الإقتصادية التي تشرف عليها وتديرها أحزاب الدين السياسية وميليشياتها.
  6. تفعيل أجهزة المراقبة والمحاسبة العامة والإشراف على خطط الدولة وميزانياتها السنوية وما نُفِّذَ منها وما ذهب لجيوب الحيتان سِراً وعلناً.
  7. تفعيل أجهزة الرقابة على الأموال العراقية ووضع شروطاً صارمة على البنك المركزي العراقي والبنوك الأهليه وعلى عمليات تحركها وبيعها في أسواق المزاد وتهريبها بأشكال خبيثة من قبل الفاسدين والإستيلاء عليها بطرق غير قانونية وغير شرعية وغير أخلاقية.
  8. وضع حد لموضوعة الملاكات الوهمية والفضائيين وعقود العمالة الأجنبية التي تكلف البلاد الملياردات وتذهب إلى جيوب الحيتان الفاسدة.
  9. وضع حد لعمليات السيطرة على ممتلكات الدولة وعقاراتها والمتاجرة بها من قبل هذه الحيتان وكأنها أمولاً إستورثوها من آبائهم وأجدادهم.
  10. وقف التدهور في عمليات التعيينات التي تتقاسمها وتشرف عليها الأحزاب والمليشيات المتنفذه وتجني من ورائها الملياردات.

هذا القليل القليل مما فاض، ألم يكفي هذا لتقديم الحيتان، حيتان المحاصصة بكل ألوانهم وأطيافهم إلى المسائلة، وهم في أغلبيتهم قادة ومسؤلي المكونات السياسية المتنفذة، ـ أحزاب الدين السياسية ـ الشيعية والسنية، وقادة المليشيات المنفلته، هؤلاء هم اللذين جاءوا بك، وهؤلاء هم من قَبِلْتَ أنت بعرضهم ونفذت أوامرهم، وقلت مراراً بأنك مكبل وغير حر في قراراتك بسبب تسلطهم، بانك عبد أسير عندهم، فهم من منحوك هذا المكان ومكنوك أنت ووزرائك من التنعم بإمتيازاتكم، فهل يعقل يا سيادة رئيس الوزراء أن تقوم أنت أو وزرائك بمحاربتهم، وأنتم منهم وإليهم، هل يعقل بأنكم ستقومون بتقديمهم إلى القصاص، وإيقاع العقاب اللازم بهم، وإن حصل هذا فما عليك إلا أن تعتذر من المنتفضين وتقدم إستقالتك أنت ووزرائك لهم فهاذا هو مطلبهم الأول في مجال محاربة الفاسدين بأن ترحلوا إلى الأبد.