عندما إنتهى مزعل من لم الجمري من تحت النخيل، لتأخذه نشمية الى سوق خضار الحلة لبيعة بفليسات معدودة، وترجع مسرعة لقرية المرانه، حيث تنتظرها أعباء البيت ، لتنفرد بإنجازه ، بعد لحاق أمها بوالدها الشهيد. متخذة نفس الطريق المحاذي لشط الحل ، من جهته اليمنى، حيث يصطف النخيل بتناسق على جهتيه، مدللا على حذاقة فلاحي منطقة الفرات اﻷوسط في تواصل تطبيق ثقافة زراعة النخيل الموروثة عن اﻷجداد قبل آلاف السنين. أذ يفصل سرب النخيل عن النهر شجيرات السوس التي  غطت حافتي النهر بشكل عفوي يقوى من متانة جرف الشط، بينما إمتدادته تغطي بقايا الطريق، معرقلة سير اﻹنسان والحيوان لحين مجيء بلدروزات شركة السوس التي تنهض باقتلاع جذورة، دون اﻹلتفات الى ما تصنعه من تشوية لشاطيء نهر الحلة من جهة، ومخلخلة أرضية الجرف مما يُسهل أنهيارات حافاته بما يظهر جذور النخيل متدلية، وهي تريد معانقة مياهه السريعة الجريان، ناهيك عما يسهله من إقتلاع فسائل النخيل لعشاق أكل جماره. ومما يُزيد حنق فلاحي المنطقة على شركة السوس التي تقلع جذوره دون إلتفات الى ما تتركه من آثار سلبية على بيئة النهر وعلى الطريق ، بينما يسهر الفلاحون كل حسب إمكانياته بإقتلاع الجذور بشكل منتظم وبدراية بعيدا عن أنظار السركال الذي خول نفسه اﻹعتداء على الحقوق الموهومة لشركة عرق السوس اﻷجنبية، وكأن لها سلطة سيادية، تحتفظ بحقوقها منذ تأسيسها في العراق

 نما تحرم الفلاحين من مصدر رزق إضافي، رغم ذلك، حرص مزعل على توفيره من خلال نبش جذور السوس بعناية بالمسحاة ليبيعها أسوة بالفلاحين اﻵخرين الى السيد شنون الذي يصنع  منه دواء لكثير من الأمراض، كما يُشاع، فهو قد إمتنهن العطارية بالإضافة لصناعة شراب عرق السوس الطيب المذاق وذي الفوائد الشرابية المتعددة ،مما شجع مريدي تطور الصناعة الوطنية الإعتناء بالسوس، سيما وإنه لا زال يدور بخلدهم بأنه يذهب لشركة اجنبية في الخارج، ليصنعوا منه عصير يدر على مالكي الشركة أرباح تراكمية، ومع هذا تقتلعه بلدروزات الشركة بغير مبالاة، مشوهة الطريق الذي يعاد تصليحه من قبل فلاحي المنطقة، والحكومة ساهية عن ما يجري، ربما هناك صفقات بينها وبين الشركة كما يشير مزعل في جلسات السمر عند سيباطة ،

  عند إقتراب نشمية من البستان الوحيدة التي إشتروها من خضيري بعد إستجابته للهجرة القسرية لإسرائيل بسعر التراب،  لثقته العالية بأن مزعل سيواصل مسيرة ابيه في خدمة فقراء الفلاحين ضد الإقطاع. تبداء بتفحص عثوك النخيل ، متوسلة لخلالها أن يصفر بسرعة ، ليقطفه مزعل وينشره على التراب ويغطيه بطبقة منه، ليتحول بحرارة تربة الأرض وصيف حزيران اللهاب الى تمر مشمش، يحظى بمقبولية عند الصغار والكبار، و يكتسب قشرة بنية غير مخدوشة، لعدم إستطاعة الحشرات تذوقه لشدة حرارة التراب، حتى أن مزعل يقفز كالقنبرة للوصول اليه أو ينتعل نعال اﻷصبع تفاديا لحرارة تراب اﻷرض، وإذا ما وجداه قد أصبح تمر مشمس كما كان يسميه أهل المدينة ،تجمعه نشمية في طبق صنعته المرحومة والدتها من خوص سعف النخيل الملون بالوان جذابة، تضعه على رأسها لتنطلق به إلى السوق. يحصل هذا بعد إنتهاء موسم الجمري . وعند إبتداء موسم الرطب يكثر تردد السركال على حمارته يتفحص المنطقة مستفسرا عن من خدش جرف النهر وسرق بعض العروق  مهددا بالويل والثبور من تسول له نفسه بالتعدي على حقوق الشركة

لكثرة الطلب على التمر المشمس ، حيث تشتريه العوائل واﻷطفال الميسورون، يساعدها على وزن ما يشترى منه بالمجان صديق الوالد الحاج شنون المشهور بشنون ابو السوس، الذي ﻻ تروق له هذه التسمية أصلا، لكن ﻻ يقصد بها أمور كيدية طالما من يطلقها عليه أحباءة من سكان المدينة والذين يزودوهم بشراب عرق السوس . تقفل نشمية راجعة لقرية المرانة ، بعد أن تبتاع بعض الحاجيات التي يحتاجها البيت وما تبقى، تضعه في صندوق أعد لجمع مهر مريم إبنة الجار وصديق عمر والدها أبو مزعل ، الذي لم يعرف إلا بهذا اﻷسم ، عدى سلطات اﻷمن ، والسركال المعمم بعمامه بيضاء محاطة بإطار أخضر ، وأغلب الفلاليح لا يعرفوا عما ترمز له تلك العمامة صاحبة اللون اﻷخضر واﻷبيض ، السركال ليس له علاقة بالزراعة وعرق السوس ، لكنه يتصرف كخبير فيهما ، يشرف على خلية أصحاب عيون ساهرة غريبة عن القرية المتمردة على السلطات ليكون ممثلا لها وإماما لحسينيتها ، التي بناها كما قال على نفقته الخاصة لتنطلق منها تجمعات التاييد ﻵحزاب السلطة

 

 

بابا قدوري تحب الأذان

 لقد بداء يقلق الحكومة الحفل التوديعي الذي سيقيمة فلاحي المرانه لعائلة خضيري  لما كان لها من خدمات ساعدت أهالي قرية المرانه علاوة على روابط إقتصادية حيث باع خضيري بستانه كم يقال ببلاش الى مزعل إستعدادا لهجرته التي وقفت خلفها عناصرعصابات صهيونية مع تواطيء حكومي كما يقول مزعل في سهرات السمر في سيباط، مستمرا في حديثه أن أول هجرة قسرية لليهود عاصرت تاسيس دولة إسرائيل عام 1948 و 1952 سميت ب عزرة ونحمية إلى أن أغلقت في اوائل الخمسينات ، حيث كان عدد ما تبقى منهم في العراق 15 الف من أصل 135 الف عام 1949

 يكمل حديثه من يتذكر ما عايشه من أحداث التي يعاد تذكرها من قبل المعاصرين أن الشهيد عبد الكريم قاسم  رفع القيود عن ما تبقى من اليهود في العراق . لكن عند مجيء البعث عام 1968 قام بإعدام عدد منهم من ضمنهم الطبيبة العراقية الدكتورة فاطمة الخرسان، فسارع بعض ما تبقى منهم للهجرة. التي شهدت ذروتها نهاية السبعينيات .

وعند تسليم السلطة للاحزاب الإسلامية والقومية من قبل المحتل الامريكي عام 2003 بحجة أن العراق لا يحكم إلا بنظام التحاصص ، مقترحا عليهم تبني نهج المحاصصة الطائفية والأثنية الذي جلب الويلات والثبور للجماهير الشعبية. واصل كلامه الشاب الذي عاصر الاحداث في حفلة التوديع للفلاحين لعائلة خضير يأنه كان قد تسلم عيدية ( ريال الذي لم يكن يعرف قيمته آنذاك) من الدكتور االبيطري الذي كان يستعد للهجرة ويسلم المستشفى البيطري الذي كان في الصوب الصغير مشرفا على شط الحلة لوالده الذي كان وإياه تربطه أواصل صداقة وروابط عائلية بعد تزوج إبن أخته من أخت الدكتور التي فضلت البقاء في العراق ، لتواصل عملها كممرضة في مستشفى الحلة مع  ما يقارب المئة يهودي في العراق .

 

حاليا تقوم الجهات المعنية ببناء وترميم ضريح النبي ناحوم وزوجته سارة المدفونان في جبل بالقرب من مدينة القوش والذي اصبح مزارا لليهود بعد 2003 . يحتفظ قساوسة الكنائس القوشية بعظام كل من ناحوم وسارة في أحد الكنائس خوفا من سرقتها من قبل الاتراك والمتشددين القوميين والإسلاميين لتعاد الى القبر مجدد بعد أن يجهز ويعمر لإستقبال الزوار من العراقيين واليهود.

إستمر من عاصر أحداث التهجير القسري وسبي اليهود . إذ لا زال يتذكر أن الفلاحين قد ذبحوا خروفا وطبخو باجة إستجابة لطلب المحتفل بهجرته القسرية وكيف نادى خضير ابنه قدري  بجملة لا زال يتغني بها ذوه عندما تحضر الباجة بمناسبات خاصة للعائلة والاصدقاء .. بابا قدوري تحب الاذان .  . 

ولا زالت أغنية خضيري ترن في أذأنه ﻷغنية هندية لا زالت معانيها ويرددها حاليا الشيخ العجوز حاليا ،والذي عاصر هجرة المكونات العرقية ( اليهود والمسيحيين والصابئة المندائيين ) ، ودور داعش بعد إحتلالها لثلث أرض العراق في تهجير سكان المناطق التي ولدوزا فيها  ، كثيرا ما يتغنى بتلك الأغنية ذلك الشاب الذي وهو في غربته لأجل العمل وتغنى بها خضيري عند تناولة الباجة،  طلبا  من حضر حفلة توديع ه حفظها وتذكرها  للاجيال القادمة  تقول الأغنية ميرا جوتا هيه جاباني  يبنطلون أنجلزتاني سبرا لال توبي روسي فبره دله هندستاني أما خضيري قيقول مع اعتذارة لواضع كلمات الاغنية عراقستاني  وترجمتها كللآتي .. قميصي يابني وبنطلوني أنجليزي وقبعتي روسية لكن قلبي هندي . ودع خضيري وعائلته قرية المرانه ، وهي تغني هذه الأغنية