عودة "داعش" أو تجديده! / كاظم الموسوي                            

إن يصرح مسؤول عسكري امريكي كبير او يحذر من عودة ما سمي اختصارا بتنظيم "داعش" وباسماء اخرى، وسبق أن ظهرت مثل هذه اللافتات، في العراق وسورية خصوصا وخارجها ايضا، ليدل دلالة واضحة وصريحة على أن مخططي صناعة التنظيم يعملون على استمرار ظاهرته حتى ولو بأشكال أخرى رغم كل ادعاءاتهم أو صراخهم أو خداعهم في اعلان تحالفات عسكرية لمحاربة التنظيم أو لتحجيم خطره. ويعري الاجتماعات الكثيرة التي عقدت واللقاءات والبيانات التي صدرت والمراكز التي فتحت وتسمت باسم محاربة الإرهاب والتنظيم وغير ذلك من الإبداعات الصهيو أمريكية في هذه الشؤون، والممول في أغلبها من المال العربي، علنا أو سرا او بتحويل لأطراف بالوكالة. وهذا التصريح/ التحذير ، إشارة اثبات ودليل قاطع. لا يحتاج الى شرح أو تفسير. ولنر ماذا قال الجنرال الأميركي مايك ناغاتا، (وكالات 2018/7/12) من أن ألاف المقاتلين من تنظيم "داعش" هربوا من المناطق التي خسرها التنظيم في سوريا والعراق، وهم الآن متسترون في المناطق التي لجؤوا إليها. وكما ذكرت الوكالات، أن الجنرال الأميركي حذر من أن "هؤلاء المقاتلين يمكن أن يعودوا ويشكّلوا خطراً جديداً يشبه تماماً خطر داعش"، مشيرا الى ان "عدد مقاتلي داعش وصل إلى 40 ألفاً خلال مرحلة سيطرة التنظيم على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، (!) إلا أن الآلاف قتلوا خلال المعارك". واضاف "ما زالت هناك جيوب للتنظيم في سوريا والعراق، ويجب القضاء عليها وإنهاء المهمة"، مبينا ان "ما حدث في العراق في ظل تنظيم القاعدة، عاد ونشأ بطريقة مختلفة على يد تنظيم داعش، ومن الممكن جداً أن يظهر تنظيم جديد كما حدث من قبل". وفعلا انتشرت مسميات عديدة لعصابات إرهاب وقتل في العراق، من بينها ما سمي ب"الرايات البيضاء"!

كما نقلت الوكالات أن الجنرال الأمريكي وجّه هذه التحذيرات من عودة تنظيم "داعش" خلال إجابته على سؤال حول ما يحدث لو انسحبت القوات الأميركية من سوريا الآن، وأجاب على السؤال بطريقة غير مباشرة، وشدد على ضرورة أن "يقوم طرف من الأطراف بتثبيت الأوضاع على الأرض بما يمنع عودة داعش أو أي تنظيم آخر"، لافتا الى ان "الطرف الوحيد المؤهّل للقيام بهذا الدور هو الولايات المتحدة". لم تنقل الوكالات أسئلة اخرى، ولكن لا ادري لماذا لم يسأل عن نقل طائرات أمريكية لعناصر من "داعش" مثبتة بالصورة والصوت ومنشورة على اليوتيوب، مع تصريحات مسؤولة عنها لجهات دولية أو من متابعين عسكريين ايضا، مثل الضباط الروس أو الناطقين باسم الأجهزة العسكرية الروسية، وكذلك تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، في صحوات له محدودة ومنشورة هي الأخرى في ارشيفات المواقع التي بثت تلك الأخبار عنه. دع قصف طائرات أمريكية أو من تحالفاتها لمواقع عسكرية تحارب "داعش" علنا ورسميا ولا يمكن اخفاء ذلك أيضا.

 ويلفت الإنتباه في هذا الصدد، ما نقلته وكالة انباء كردية عراقية ( 2018/6/30 (  عن بيان لمحافظ نينوى السابق اثيل النجيفي، الذي احتلت "داعش" مدينته في عهده، يقول فيه عن انتشار700  مسلح من "داعش" للقتال داخل الأراضي العراقية في محافظتي نينوى وصلاح الدين فقط، كما نقلت الوكالة. وقال النجيفي في بيان اطلعت عليه شبكة رووداو الإعلامية إنه "تشير المعلومات الاستخبارية إلى وجود ما يقارب 700  مقاتل(!) من داعش مستنفرين للقتال داخل الأراضي العراقية في محافظتي نينوى وصلاح الدين فقط". وأضاف أنه "يعيشون بصورة مستقرة في  مضافات موزعة داخل حدود هاتين المحافظتين ويقومون بأنشطة إرهابية بالتواصل مع قواتهم من داخل سوريا ، وهذا بالاضافة إلى عدد من الخلايا النائمة داخل المدن ".وأشار إلى أنه "كما هو معلوم فإن داعش تعيش على الأزمات وتنتعش بظلالها وهي بانتظار تنامي أي نوع من الصراع داخل العراق، صراع إداري، صراع مذهبي، صراع قومي، صراع سياسي، صراع دولي". وأوضح محافظ نينوى السابق  أنه "لايهم نوع الصراع ولا أهدافه بل المهم أن تجد لنفسها بيئة تمكنها من العمل". وكذا مثل هذه التصريحات نشر محافظ كركوك نجم الدين كريم، الهارب منها، تأكيدا أو توازيا مع اقوال زميله.

ولابد أن تدخل الصحف الأمريكية وتكتب عن الموضوع، فتحت عنوان؛ هل يشهد تنظيم "داعش" عودة جديدة قريبا؟، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" (2018/2/6) تقريرا للصحافي إيريك شميت، يقول فيه إن الآلاف من مقاتلي تنظيم داعش الأجانب وعائلاتهم فروا من الحملة العسكرية التي تقودها أمريكا في شرق سوريا، بحسب تقديرات استخباراتية أمريكية وغربية سرية جديدة.  ويورد الكاتب نقلا عن نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال بول جي سيلفا، قوله للمراسلين الصحفيين، إن عناصر في قيادة تنظيم داعش المتبقين، حتى وهم فارون، فإنه لا تزال لديهم اتصالات "قوية إلى حد كبير" مع الشبكة السرية من المقاتلين الفارين.

 وتفيد الصحيفة بأنه في الوقت الذي أبرز فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحرير معظم مناطق تنظيم داعش في العراق وسوريا خلال خطاب حالة الاتحاد، فإن المسؤولين العسكريين ومسؤولي الاستخبارات الأمريكية يقولون بأن التنظيم لا يزال قادرا على إلهام أتباعه وتمكينهم من القيام بهجمات، حيث أشار ترامب إلى ذلك عندما قال إن "هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به".

 ويورد التقرير نقلا عن محللين، قولهم بأن هناك مؤشرات إلى أن مقاتلي تنظيم داعش بدأوا بتبني أساليب حرب العصابات لإرهاب المدنيين، مشيرا إلى قول كبير المحللين لدى مركز "جينز" للإرهاب والتمرد، أوستو إيهو، في شركته للاستشارات "أي اتش أس ماركيت" في لندن: "يتحول التنظيم إلى تنظيم تحت الأرض، يضع وزنا أكبر للتكتيك غير المتوازن، مثل التفجيرات الانتحارية ضد أهداف سهلة في مناطق تحت حماية الحكومة، مثل بغداد".

 وتجد الصحيفة أنه من الصعب تقدير عدد المقاتلين الذين فروا إلى الصحراء في سوريا والعراق وأبعد من ذلك، مستدركة بأن المخابرات الأمريكية والغربية والمحللين في مجال مكافحة الإرهاب، الذين لديهم اطلاع على التقديرات السرية، يقدرون الأعداد بالآلاف، وبأن الكثير منهم سافروا مع زوجاتهم وأطفالهم, الذين من الممكن أن يكونوا قد تأثروا بالفكر المتطرف خلال الثلاث سنوات التي قضوها تحت حكم تنظيم الدولة، وقد يشكلون خطرا أمنيا أيضا.

في الخلاصة أن ما سبق دلائل كافية للموضوع واننا امام حروب جديدة وخسائر بشرية ومادية مستمرة، لا تتوقف مادام البنتاغون واسياده ومتخادميه لم يعاقبوا ولم يساءلوا إنسانيا واخلاقيا وقانونيا وسياسيا، عن كل الجرائم التي ارتكبت تحت اسم "داعش" أو بدائله الجاهزة.