بداية ممكن تعطيني نبذة عن حضرتك؟

اسمي فيصل عبد السادة الفؤادي من مواليد 1953 في محافظة ميسان /قلعة صالح في عمر صغير انتقلنا الى بغداد، ودرست في مدارس العاصمة الابتدائية والمتوسطة في مدينة الكاظمية ومدينة الحرية. عملت عامل في دائرة البرق والبريد قسم المشاريع ثم في معمل الدبس للتمور في الكاظمية ثم عملت عامل في معمل 1 حزيران(شهداء الجيش) للغزل والنسيج الصوفي في معسكر الرشيد في بغداد وانتقلت الى معمل الغزل والنسيج (فتاح باشا) سمي في زمن النظام السابق( 17 تموز ) في الكاظمية وكان عملي في الشفت الثاني اي من الساعة الثالثة ظهرا حتى الساعة الحادية عشر ليلا. .اما التنقلات بين المعامل هي لاسباب سياسية .

ودرست في جامعة بغداد في كلية الاداب فرع اللغة الروسية وتركت العراق وانا في المرحلة الاخيرة من دراستي نهاية عام 1978 ، وكان دوامي في الكلية صباحا من الساعة الثامنة حتى الثانية ظهرا.. كان والدي ايضا عامل في معمل الجمهورية –الغزل والنسيج في الكاظمية (يسمى معمل الوصي في زمن النظام الملكي).

-ما دفعك ان تكون عضو في الحزب الشيوعي العراقي؟ ما علاقتك بالحركة العمالية/ النقابية في العراق؟ 

كان حلمي وطموحي ان اكون عضوا في الحزب الشيوعي العراقي .. كانت مرحلة الصبا مهمة حيث اطلعنا على فترة النضال الوطني والاممي (المرحلة الجيفارية نسبة الى المناضل جيفارا) ضد الاستعمار والراسمال والبرجوازية في العالم وفي بلدي ، اضافة الى الدور السيئ للاحزاب القومية العربية ونكسة حرب حزيران امام اسرائيل عام 1967 وعوامل اخرى هي الظروف الاقتصادية ، حيث كما قلت والدي عامل وتاثيرات هذا الوضع على الجوانب الاجتماعية التعليمية والصحية.وكان الحزب مدافعا اميناً عن الطبقة العاملة والفلاحين والكادحين الفقراء من بنات وأبناء شعبنا.

اما علاقتي في الحركة النقابية ،فقد كنت عضو الحركة النقابية في العراق ، ومما زاد في طموحي هو الدفاع عن العمال ضد الاستغلال والجور والحيف الذي يلحق بهم. فقد تعلمت من اقراني النقابين كيفية الدفاع عنهم ووفق القوانين السارية انذالك ومنها قانون 151 لسنة 1971 والذي يعتبر من القوانين الجيدة لو تم تنفيذها،الا ان النظام الدكتاتوري لايريد ان يطبق مواد هذا القانون الا مايتماشى مع افكاره وتكون احيانا انتقائيه.

ان تاريخ الحزب الشيوعي العراقي تاريخ مجيد في الدفاع عن العمال ودوره في تاسيس الحركة النقابية ودعمها في المشوره اضافة الى الكوادر النقابية المجربة وخير دليل على ذلك هو تاسيس الاتحاد العام لنقابات العمال في عام 1959 وبصورة علنية بعد ثورة 14 تموز المجيدة عام 1958.واذ رجعنا الى اسماء النقابيين الذين ناضلوا من اجل العمال وحقوقهم واصدار قوانين العمل هم من الشيوعيين ،والكثير منهم اعتقل واستشهد تحت التعذيب وفي سجون الانظمة الدكتاتورية بما فيها الحكومة الملكية التي اعدمت الكثير من الشيوعيين ووضعت في سجونها من نقرة السلمان الى سجن الكوت وبغداد وغيرها.اما بعدانقلاب 8 شباط الفاشي فقد استشهد المئات منهم واعتقل وسجن في السجون العديدة ولقوا التعذيب اللا انساني من جلاوزة البعث عام 1963 .

هناك من يقول ان الحزب الشيوعي العراقي ليس له مستقبل في العراق. هل تتفق؟ 

كل الانظمة في العراق ومنذ تاسيس الدولة العراقية وحتى هذا اليوم حاربت الحزب الشيوعي ،وقد استعملت شتى الاساليب ضد اعضاء وقادة الحزب ومنهم اعدام قادته (فهد وصارم وحازم) في 14 شباط عام 1949 وكان للاستعمار البريطاني دورا كبيرا في اعدام هؤلاء القادة ،اضافة الى ملاحقة اعضائه وكوادره واعتقالهم ووضعهم في السجون ومرت السنوات وجاءت ثورة 14 تموز 1958 والحزب الشيوعي اقوى ، والدليل خروج مناضلي واصدقاء ومؤازري الحزب بمليون مواطن للاحتفال في الاول من ايار 1959 برغم موقف الحكومة والقوى المعادية للحزب من القوى القومية وحلفائهم وتاثيرات الدول الاقليمية ومنهم بريطانيا وامريكا ومصر ممثلة برئيسها جمال عبد الناصر.

وجاء عام 1963 وكان انقلاب 8 شباط الاسود حيث اعدم سكرتير الحزب سلام عادل واعضاء المكتب السياسي جمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وجورج تلو واعتقل الالاف من الشيوعيين واصدقائهم واستشهد المئات منهم ودخل السجون اعداد كبيرة من المناضلين من العمال والفلاحين والمفكرين والادباء ،وبقي الحزب الشيوعي يناضل بشكل سري . وحتى مجئ انقلاب البعث 1968 وطلبهم من الحزب الشيوعي قيام جبهة وطنية ، وبرغم الجراح الكبيرة الا ان الحزب نشط من جديد في ظل الجبهة التي كان البعث يريد ان يسيرها بما يريد ، وقد سارت جموع الحزب الشيوعي العراقي في الذكرى الاولى للجبهة كما تقول الصحف العربية ب 100 الف شيوعي في هذه المسيرة. وجاءهجوم السلطة الدكتاتورية بالهجوم على الحزب الشيوعي لانهائه من الوجود كما خطط لذلك في عام 1978 -1979 وتشرد عشرات الالوف من مناطقهم وخرج الالاف منهم الى دول الجوار والدول الاشتراكية ..ثم قام الحزب بالوقوف بوجه هذا النظام الدكتاتوري حيث انتقل الى مناطق شمال العراق في كردستان ومن هناك نظم حركة الانصار الشيوعيين وناضل مع الاحزاب القومية الكردية ضد قوات النظام واجهزته القمعية.

حتى انسحاب النظام من اقليم كردستان وعاود الحزب الشيوعي عمله النضالي وعندما سقط النظام الدكتاتوري رجع الحزب الشيوعي العراقي بقوة ..واليوم يفتح مقراته في كل محافظات العراق وله جمهوره . لايمكن ان يعيش العراق بدون الحزب الشيوعي ،فكثير من اليساريين او المدنيين او الماركيسين يعولون على الحزب الشيوعي في بناء دولة مدنية ديمقراطية وعلمانية ،لان شعبنا يضم الكثير من القوميات والاقليات الدينية المسلم والمسيحي والصابئي والإيزيدي والشبك اضافة الى الكردي والتركماني وغيرهم.ان بلدنا العراق يحتاج الحزب الشيوعي العراقي لدوره الكبير في  رفع مستوى المواطن من خلال التوعية وادراكه لحقوقه وواجباته ومن خلال العمل على رفع المستوى المعاشي للعمال والكادحين وسائر ابناء شعبنا.ان وجود الحزب الشيوعي ضرورة موضوعية في تطور بلادنا. الحزب الذي ينادي ببلد امن يجمع الجميع وفي سلام دائم وتطور على جميع المستويات.

في رأيك ماهي اهم العوامل التي عرقلت نمو الحركة العمالية/ النقابة بعد ٢٠٠٣؟ 

هناك كثير من العوامل التي اثرت على عدم تطورالحركة النقابية واتحاداتها النقابية في العراق منذ سقوط النظام السابق ،منها-

-تفكك الحركة النقابية بين اكثر من اتحاد ونقابة وعدم ادراكها ان مهمتها هي الدفاع عن الطبقة العاملة

-دور الحكومات المتعاقبة في عدم جمع هذه الاتحادات لحل الاشكالات بينهم،اضافة الى هذه الحكومات تريد فرض الوصاية والهيمنة عليها من خلال تسييس الممارسات النقابية.

-دور القوى والاحزاب المتواجدة على الساحة للاستحواذ على النقابات واعتبارها تابعة لها.

-لاتوجد شخصيات نقابية معروفة تجمع النقابيين وحثهم على وحدة الطبقة العاملة الذي هو اساس العمل النقابي للدفاع عن الطبقة العاملة وان النقابات هي منظمة جماهيرية تعمل وسط العمال وتعمل من اجل توحيد العمال وعلى اختلاف انتماءاتهم وميولهم السياسية .

-قوانين النظام السابق لازالت تفعل مفعولها ومنها قانون 52 لسنة 1987 وكذلك قوانين الضمان الاجتماعي.

ان رفع مستوى الطبقة العاملة هو الاستفادة من تاريخ نضالاتها واخلاص قادتها الى نضالاتها الطبقية والعمل على تطبيق القوانين التي تخدم العمال والغاء القوانين الجائرة للنظام الدكتاتوري. وعلى الاتحادات النقابية الجلوس سوية وحل مشاكلهم من اجل خدمة الطبقة العاملة وان وحدتهم هي الضمانة الحقيقية في تطور حياة الطبقة العاملة وعلى المستوى المعيشي والاقتصادي واستفادة عوائلهم في الجوانب التعليمية والصحية وغير ذلك.

ان نضال الحركة النقابية يحتاج الى التضحية والنضال في اطار وحدة الطبقة العاملة العراقية وحركتها النقابية.

ما هو علاقة الحركة النقابية/ العمالية و الحراك الشعبي بعد ٢٠٠٣ بما فيه تشرين؟ 

بعد التغيير 2003 وبسبب الصراعات وتركة النظام السابق الثقيلة تشظت الحركة النقابية العراقية في اكثر من اتحاد ونقابة ،وقد وضعت بعض الاحزاب حركات نقابية تابعة لها ،بدل ان تكون هذه الحركة او الاتحاد مدافع عن العمال ككل بدون تمييز، ويبدو ان المغانم الكثيرة سال لعاب البعض منها على الحصول عليها . كان الصراع بين جلاوزة النظام السابق الذين بعضهم غير جلده  وانتمى الى الاحزاب الاسلامية وشكل اتحاد بعد ان جمع مجموعة من النقابيين ، وبين النقابيين الذين يريدون تشكيل اتحاد يضم الجميع ويدافع عن الجميع وهذا لم يحدث لان الجوانب السياسية تؤثر على الجوانب المهنية والنقابية.ان هذا التشتت بين النقابيين ، لايؤدي الى رسالتهم التي تدافع عن العمال وحقوقهم ،وهذا التشتت لاتخرج منها قوانين تخدم الطبقة العاملة اضافة الى ان الحكومات المتعاقبة احد اسباب هذا الضعف.

لقد دعمت الحركة النقابية والاتحادات النقابية الحراك الشعبي منذ ان بدا في 2011 الا انها لم تخرج في هذه التجمعات ولكنها ساهمت في انتفاضة 2019 حيث شكلت هذه المشاركة تبلور رؤى مشتركة لهذه المنظمات اتجاه الاوضاع الجارية في البلاد بعيدا عن الانعزالية المهنية.واعلنت هذه النقابات دعمها لدعوة الاعتصام في الاول من تشرين ويوم التظاهرات الكبرى في 25 تشرين من خلال بيانات الادانة لقمع المتظاهرين واعلنت الوقوف مع التظاهرات لانهم يريدون وطن يجمع الجميع.

لقد كتبت مقالا في احد الصفحات الالكترونية ،لو الطبقة العاملة شاركت بقوة مع هذا الحراك في الاول من تشرين 2019 وان بعض المعامل اشتركت في هذه الانتفاضة ، سوف تتغير المعادلة لان الطبقة العاملة لها دور كبير في التاثير على الجوانب السياسية اكثر من بعض الفئات الاخرى من الطلبة او العاطلين عن العمل.

باختصار ما هي اهم معالم في تاريخ الحركة النقابية المعاصرة في العراق (بعد ٢٠٠٣)؟ 

كما ذكرت سابقا ،لم تستفد هذه القوى والمنظمات من تاريخ الطبقة العاملة وحركتها النقابية واتحاداتها ،بل دخلت في صراعات غير مجدية.خاصة وان الانتقال من مرحلة الاستبداد الى مرحلة اخرى هي الديمقراطية ،وكونها في البداية ولازالت فقد عمتها الفوضى وحب السيطرة.

اما المعالم الاساسية هو في اصدار قانون 37 لسنة 2015 وهذا القانون جيد لو طبق من قبل الجهات المعنية.حيث شارك ممثلي الطبقة العاملة في صياغته .

ان هذه المعالم ترتبط بالسلبيات الكثيرة وهي جزء من خطط الحكومات العراقية ، حيث تتواجد الطبقة العاملة وحركتها النقابية في المعامل والمصانع ،ولكن هذه الحكومات لاتريد ان يتطور البلد في الجانب الصناعي فقد خرب حوالي 90 مصنع من المعامل الكبيرة والمتوسطة اضافة الى المعامل الصغيرة من القطاع الخاص اغلقت ،ولهذا زادت البطالة بشكل كبير.

ان العشوائية في التخطيط اثرت على مجمل حياة البلاد والطبقة العاملة وحركتها النقابية وقد ذكرت في كتابي (مسارات الطبقة العاملة وحركتها النقابية بين القانون والسياسة) الى مجموعة من هذه المعالم منها غلق المعامل والمؤسسات في القطاع العام والخاص، وترك العمال عملهم نتيجة الاحتراب الطائفي وانتقالهم الى مناطق اكثر امنا ،وكذلك نقص في المواد الاولية والادوات الاحتياطية ،والتوجه الى اقتصاد السوق وفوضى التخطيط وشروط القروض من صندوق النقد والبنك الدولي ..الخ.

وللاسف لازالت بعض قوانين النظام سارية ومنها قانون 52 لسنة 1987 التي تمنع التنظيم النقابي في القطاع العام.

ما علاقة الطائفية و العشائرية و الحركة العمالية/ النقابية؟ هل حلت الطائفة او العشيرة محل النقابة؟ 

من الطبيعي جدا ان نقول اغلب العمال هم ينتمون الى قبائل وعشائر ،وبعضهم ينقل ذلك من خلال عمله وتكون في بعض الاحيان مساعدة في قضية الواسطات في التوظيف. ولكن الحكومات المتعاقبة بعد السقوط والنظام الدكتاتوري السابق ،ايضا له دور في تاثير العشائرية والطابع الطائفي – النقابي في العمل ،وهذا يؤدي بين ابعاد الدور الاساسي لها في الدفاع عن العمال مهما كانت طائفته ودينه وقوميته ، وللاسف هذه الظاهرة انتشرت في العراق بشكل كبير بعد السقوط. لو رجعنا الى فترة السبعينيات من القرن الماضي لاتوجد هذه النعرات بهذا الشكل حيث دور القوى الوطنية العراقية ومنها الحزب الشيوعي العراقي في تلك الفترة التي دعمت العمل النقابي وفي مساعدة الطبقة العاملة وحولت النضال الى امور مطلبية وحقوقية ساعدهم على رفع مستواهم المعيشي.

بتقديري لم تحل الطائفة محل النقابية اطلاقا ، ولكن ضعف الدولة العراقية كحكومات مدنية وضعف العمل النقابي والتشتت بين الاتحادات العمالية تجعل امور اخرى تتصدر هذه الواجهة. العمل النقابي عمل مهني يدعو الى مساعدة العمال في التطور المعرفي والعلمي في جميع المجالات.

مع خالص الشكر و الود ،لانك اخترتني في مشروعك القيم

فيصل الفؤادي/السويد

15-11-2023