قراءة في رواية ( الرباط ) للروائي قصي الشيخ عسكر.. /جمعة عبدالله

هي بالاحرى رواية قصيرة , او قصة طويلة . تتناول مسألة الهجرة , من زاوية محددة ومعينة  , تختص بشريحة اعوان نظام صدام حسين. حين بدأت الحرائق النظام تأخذ صفة  العمومية والشمولية تطال الجميع  , في سبيل  تبعيث المجتمع تحت وصاية القائد الضرورة الاوحد , ومنها تهجير مئات الآلآف من العراقيين بحجة التبعية الايرانية   , وتصاعدت هذه  الحرائق حدتها  في  الحرب المجنونة , التي شنها النظام  ضد ايران , هذه الحرب التي غيرت كل شيء , وعكرت كل شيء , وبدأت نيرانها تصل الى اعوان النظام . في انسداد الافق في وقف حطب الحرب المجنونة , لذلك بدأ التنصل والابتعاد عن النظام والحزب , اسلم طرق النجاة ,  في خوض طرق شتات الرحيل والهجرة . وهذه القصة الطويلة تتحدث عن شابين ارسلهما النظام الى الرباط / المغرب للدراسة ,  والترويج الحزبي للنظام والحزب . الاول الشاب البصراوي ( حسن ) وهو الشخصية المحورية في القصة  , خريج المدرسة المتوسطة . ذهب بموافقة النظام والحزب الى الرباط / المغرب . في دورة تدريبية في قسم الفندقة والسياحة , ويرتبط بعمل في السفارة وملحقتها الثقافية , لرفع التقارير , والترويج للدعاية للحزب والنظام . في تجنيد العرب في صفوف الحزب , واعطاءهم زمالات دراسية , ومنح مالية للدراسة في العراق , بهدف سياسي حزبي ضيق ( كاد كل شيء يسير على ما يرام / السفارة تعمل كخلية نحل / نحن الذين نكسب الناس من دون أن يعلموا أنهم يذهبون الى العراق , طلاباً وعمالاً وموظفين ومزارعين , ثم يعودون من غير ان يشعروا انهم اصبحوا عقائديين ) ص41 . يرتبط ( حسن ) في علاقة حب وثيقة مع الشابة المغربية ( مليكة ) التي تدرس في المدرسة الاسبانية لنيل شهادة البكالوريا , وتمارس مهنة الحلاقة النسائية , ينفتح قلبها وعواطفها, وهي واثقة كل الثقة , بأن حبها يقودها الى الزواج حتماً من ( حسن ) ولا يهم اينما  يكون العش الزوجي , في البصرة / العراق , او في المغرب / الرباط  , او اي مكان يروم اليه حبيبها ( حسن ) فقد ترافقه برباط الزواج , وفي اي بلاد كان الترحال , طالما يجمعهما الانسجام والوفاء , وتقول له  ( مهما يكن المرأة تتبع زوجها ) ص31 . , وهي تطمئنه بأن اهلها يوافقون على الزواج ومرافقته في اي مكان يرغب فيه  , فهم يرحبون بالموافقة بالزواج والرحيل معه الى اي مكان ( كنت اظن أن والدي يوافق ولا مشكلة عندنا في الزواج من غير المغاربة , حتى النصراني اذا أعلن اسلامه يتزوج من اية عائلة ) ص3 . ولكن سلوكه وتربيته لا تختلف عن سلوك النظام والحزب . حتى يبرر جريمة النظام في تهجير مئات الالاف بحجة التبعية الايرانية , فيقول عن التهجير ( لا ابداً المهجرون ليس عرباً , أصولهم فارسية ) ص6 . اما صديقه الحزبي ( جمال )  الساكن معه , فهو يبرز بدور ( دون جوان ) في اصطياد الفتيات , اذ كل يوم يجلب الى غرفته عشيقة , وهو يخشى الاكل من صديقاته , خوفاً من السحر , في اجباره على الزواج تحت تأثير السحر ( قال لي انه لا يأكل من يدي اية صديقة له , خشية من عمل السحر في الطعام

- أتعتقد ذلك ؟

- المسألة ليس قضية خرافة أو وهم , السحر موجود في القرآن ) ص33 . ويعترف بما يضمر في داخله من مشكلة حساسة , تحت تأثير الحشيشة . بأنه حينما كان يتدرب في الجيش الشعبي , سقط على نتوء صخري , وتطلب السفر للعلاج في رومانيا , وهناك اخبره الطبيب , بفقدان فحولته او رجولته الجنسية , اي انه عاجز جنسياً , اما عشيقاته فأنهن من البغايا يلتقطهن من الشوارع مقابل اجور مالية , حتى يبعد تهمة العجز الجنسي عنه . يستشف من التعابير المضمونية الدالة . بأن عقلية النظام وثقافته , تنتج ابطال سلبيين , ينهزمون من اول مواجهة حياتية تصادفهم . فحينما جاءت الحرب العراقية الايرانية , صدمتهم في عقليتهم الناتجة من تربية الحزب  , وتيقنوا ان سبل ايقاف الحرب مسدودة ومعدومة  , لانهاية لها , فتعكر وتبدل كل شيء . بأنهم سيساقون لحطب الحرب الى جبهات القتال , ثم يرجعون جثث محترقة ومتفحمة , اذا اختاروا الرجوع الى العراق , يواجهون هذا المصير المحتوم , لذا فأمامهم طريق الهروب والتنصل من النظام والحزب , في اختيار طريق الهجرة , وترك كل شيء وراءهم . لذلك اختار ( حسن ) طريق الهروب , دون ان يخبر او يبوح في نواياه الى حبيبته ( مليكة ) التي عرضت عليه مجالات العمل في الرباط ودعمه مالياً في المشاريع المقترحة , لكنه اختار الرحيل ,  ولم يخبرها بنيته الرحيل والهجرة . اخفى سر الهجرة عنها تماماً  , كأنها اصبحت عبء ثقيل عليه , او من مخلفات الماضي . هذا التنصل من رباط الحب . بشكل غير شريف وغير اخلاقي , وليس غريباً عن تربيته الحزبية , في عملية هروب مدبرة في السر الى ( أسلو ) النروج صباح احد الايام غفلة من الجميع  , ليخرج من المغرب والنظام والحزب , ويمزق حبه بصلافة ووقاحة . رغم ان حبيبته ستوافق حتما على الرحيل  والهجرة سوية , حتى يظل رباط الحب حياً . هذه الروح الانهزامية تعري الثقافة الحزبية السلبية  . بينما في الجانب الاخر ملايين العراقيين اختاروا طريق الهجرة والشتات , سواء كانوا معارضين للنظام , او غير معارضين , وكانت الاسباب الاولى للشتات العراقي ( طشاري ) بسبب الاضطهاد والاهاب والمطاردة  والتسقيط السياسي .وظلت الملاحقة الامنية تتابعهم من سفارات النظام وملحقاتها الثقافية والامنية في الخارج  , وحتى الاهل في داخل العراق , لم يسلموا من الملاحقة الامنية والعسف وعواقب السجن والجرجرة الى مديريات المخابرات والامن , وغيرها من المشاكل المعقدة