لا شك في أنّ انتخابات مجالس المحافظات أو المجالس البلدية كما هي في دول اخرى، تكتسب اهمية خاصة في ايّ نظام ديمقراطي حقيقي، وتأتي هذه الاهمية من الادراك بأنّ الانتخابات اذا ما جرت بسلاسة ونزاهة، فسوف تنتج حكومات محلية قادرة على ادارة شؤون هذه المحافظات او البلديات بطريقة تخدم عملية التنمية والتطور في جميع ميادين الحياة وخاصة التنمية الاقتصادية. بالاضافة الى ذلك، فانها (اي الانتخابات) لايمكن الاستغناء عنها كمبدأ مهم في ترسيخ الممارسة الديمقراطية.

اما في محافظات العراق، وبالرغم من التاريخ الفاسد والسيء لهذه المجالس، والتي سبق وان طالبت انتفاضة تشرين الباسلة بحلها، الاّ انها بشكل عام ضرورية ومهمة بأهمية المشاركة الشعبية بطريقة او بأخرى في العمل الاداري المحلي. ولكن على الرغم من اهميتها فان الاسئلة التي يطرحها المواطن العراقي الطامح الى سيادة مبادئ المواطنة والعدالة الاجتماعية تستحق التوقف عندها: فهل فعلا ماتفرزه الانتخابات يعبر عن ارادة شعبية حقيقية في الاختيار والتصويت؟، وهل لدى العراق مؤسسات نزيهة وكفوءة قادرة على ادارة العملية الانتخابية؟.

الذي يراقب نشاط المؤسسات الحكومية والحزبية منذ ان أُعلن عن موعد الانتخابات في 18 من كانون الاول من العام الجاري، فسيلاحظ ان لا اهتمام جدي من قبل هذه المؤسسات بالعملية الانتخابية كما لو انها محسومة النتائج سلفا لصالح القوى المتنفذة. فلم نلمس اي جهد يسهم في تحفيز وتشجيع المواطنين على المشاركة في التصويت، ولم تعالج قضية البطاقة الانتخابية في بلد يتوفر على جميع الامكانيات لتسهيل عملية الاقتراع، كما لم نرَ برامجا وتوجهات حقيقية تخرج المواطن من حالة اليأس والاحباط التي يعاني منها بسبب نظام المحاصصة الذي دفعه اما للانزواء او الى المقاطعة كوسيلة للاحتجاج على هذا النظام.

لقد اصبح من الواضح ان المشاركة الواسعة في الانتخابات لا تصب في صالح القوى المتسلطة، وهي تعمل من اجل عرقلة ذلك طالما ان لها جمهورها الذي سيصوت لها، وطالما ان نسبة المشاركة بالتصويت لم تشكل اي خطر على فوزها حسب قانون الانتخابات.

على صعيد اخر، فأنّ مؤسسات الدولة العراقية، مؤسسات هشة وينخرها الفساد، ولا تصمد امام اية هزة طارئة، وبالتالي فانها غير قادرة ولا تتمتع بالكفاءة والأهلية لكي ترعى وتدير مثل هكذا عملية، فالمفوضية في موضع اتهام كما سابقاتها، ولم تثبت يوما انها حيادية ونزيهة وتستطيع ان تضمن نتائج انتخابية لا يشوبها التزوير. كما ان المؤسسات الرقابية الفاعلة التي تتكفل بحماية سير العملية الانتخابية غائبة، ناهيكم عن انفلات السلاح الذي يتنافى مع ماتتطلبه الانتخابات من بيئة اجتماعية مستقرة وآمنة.

النصير الشيوعي العدد 17 السنة الثالثة كانون الأول 2023