انّ عزوف الاغلبية الساحقة من الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات عن الذهاب الى مراكز الاقتراع والادلاء باصواتهم أمر لم يكن مستغربا، فالمواطن العراقي وبسبب فساد القوى المتنفذة وطغيانها، فقد الامل في الاصلاح والتغيير، ولم يجد وسيلة لرفضه واحتجاجه عليها الاّ بمقاطعة الانتخابات ليؤكد عدم اعترافه بشرعيتها.
لكنّ احزاب السلطة لا تخجل من نسبة التأييد المتدنية التي حصل عليها مرشحوها الى مجالس المحافظات، ولا يهمها ان شارك العراقيون في التصويت ام لم يشاركوا، ولم تسعى وتعمل على تحفيز المواطنين على المشاركة في الانتخابات، بل هي سعيدة بهذه النتائج الضئيلة التي سوف تساهم في ترسيخ هيمنتها وتفتح لها المزيد من ابواب السرقة والمصادرة والاستحواذ.
ان نظام المحاصصة والتوافق المتبع منذ عام 2003، انتج عملية سياسية بائسة وغير نزيهة ومطعون في شرعيتها، فهذا النظام السياسي الذي يستند على قاعدة الانتماء الطائفي والعرقي والمذهبي لا يسمح بأيّ تغيير لصالح الوطن والمواطن، ولا يتيح اية فرصة للقوى النزيهة بالمنافسة والمشاركة في ادارة البلاد، وهو على العكس من ذلك، يدعم القوى المتحاصصة والمتوافقة ويساعدها على البقاء والنفوذ والاستمرار.
وبالرغم من كل ما قيل ويقال عن نظام المحاصصة وعمليته السياسية العرجاء، وعن الانتخابات وشروطها القانونية غير العادلة وبيئتها الاجتماعية والامنية الملوثة، فأنّ النتائج المخيبة التي حصل عليها مرشحو حزبنا الشيوعي العراقي الذي خاض انتخابات مجالس المحافظات ضمن تحالف (قيم المدني)، تعد هزيمة مؤلمة وتراجعا خطيرا.
ان هذا التراجع ليحتاج الى توقف وموقف، ويجب أن لا يُترك كما لو انه قضاء وقدر خارج عن وعينا وارادتنا، فلابد من دراسة دقيقة وحقيقية وعمل جاد وصادق وفعّال لتبيان اسبابه من جميع الوجوه واولها التنظيم الحزبي ومهماته وانضباطه وقدرته على التحرك ومدى فاعليته وتاثيره في اوساط الجماهير، وثانيها الاعلام الحزبي سواء كان الاعلام المركزي او اعلام المحافظات الذي يبدو انه لم يؤدي دوره المطلوب واظهر عجزه وعدم قدرته على التحريض الجماهيري، بل لم يتمكن حتى من تعبئة الشيوعيين واصدقائهم بالطريقة التي تتناسب والمهمة التي يتصدى لها الحزب وهي الانتخابات. ان المراجعة النقدية السريعة تقودنا الى فهم اعمق لكل ما حصل ويحصل، ونستطيع من خلالها ان نتقدم ليس خطوة واحدة بل عدة خطوات الى الامام.