أوراق أنصارية من أوراق أنصارية من الزمن الصعب / مذكرات الفقيد النصير سلام الحيدر 3 (د. أبو تانيـا) / إعداد فائز الحيدر

مذكرات الفقيد النصير سلام الحيدر ( د. أبو تانيـا )

فصيل الأعلام المركزي

الفصل الثالث

قاطع بشت آشان و مقتل الكلبة باشا                 

كان الكثير من الرفاق لا يودون الرفيق فاتح رسول ( أبوأسوس ) لإستخدامه عبارات تدل على تعصبه القومي ولتعامله الحاد مع الرفاق الأنصار العرب، مما كان يثيـر الكثيــر من التســاؤلات والشكوى، ويفسـح المجال للكثير من الأنصار للأساءة  للحزب ولحركة الأنصار ككل، وحتى كلبة القاطع والمسماة ( باشـا ) كانت تنبـح عليه كثيـرا" عندما كان يمـر من قرب فصيلنـا في طريقه الى مقر الأقليم حيث كان سكـرتيرا" له في ذلك الوقـت. بحيـث لو كنا داخل القاعـة وسـمعنا نباح الكلبة باشــا في الخارج ندرك أن ( أبوأسوس ) قد مر من قرب الفصيل .

كانت (  باشا ) كلبـة ذكيـة للغاية وقد أحبها الرفاق جميعا" يداعبونها وقت الفراغ ولا يسـتغنون عنهـا في أي وقـت، كانت تلازم الرفـاق في حراسـاتهم الليلة والنهارية وتســتقبلنا فرحة عنـد عودتنا من المهمات خارج الفصيل. كانت باشــا لا تحـب أيضا" القروي الذي يسكـن على التـله المشرفة على المقر، ولا ندرك سر ذلك في البداية وتبين فيما بعــد أنه أحـد الجواسـيس وقام بدور قـذر اثناء الهجوم على مقراتنا وعندها أدركنا سبب عدم محبة باشــا له.

في أحــد الأيام مر من جانب مقـرنا المستشـار السـياسي لفصيل الأقليم الرفيق ( فؤاد ) فشكى لــه ذلك القروي من الكلبـة باشـا وأعتقــد أنه شكى للرفيــق ( أبوأسوس ) في وقت سـابق أيضا" وبينما كنا نتابـع الحديث بين القروي والرفيـق فؤاد أصـابنا الذهـول بقيـام الرفيـــق فؤاد بســحب بندقيتـه ويوجـهها الى الكلبـة باشـا ليرميـها برشقـة سـريعـة مـن الرصاص أدت الى وفاتها في ثوان .

لا أعرف ماذا حصل للرفاق حينها وهم يشاهدون أعدام باشــا بهذا الشكل البشع وبدون سبب، لقد أندفـع الرفاق مسرعين نحـو الرفيق  فؤاد يودون قتله لولا تدخـل الرفاق فـي الأقليم لمنع ذلك وتشـابك الرفاق عربـا" وأكراد وكاد الأمر يصل لحد استعمال السـلاح وأتذكر الرفيق الشهيد ( مؤيد ) الذي ألتحـق بالثورة الفلسطينية في أواسط السبعينات في بيروت وكان شجــاعا" للغايـة ومقاتل بكـل معنى الكلمـة وهـو صديــق للحزب وألتحـق بصفوف الأنصار في نهاية عام 1982 وأستشهــد في معارك بشـت آشان وهو يحـاول أستعمال بندقيته والرفاق الأخرين يحاولون منعه من ذلك. لقد كان المشهد مؤلما" جدا" عندما كنا نشاهد ذلك القروي ( الذي حرض على قتل باشـا ) ينظر ألينا بأســتهزاء.

جاء الرفيـق ( أبو أسوس ) كالعـادة بعــد فترة يعـطي الحكـم والنصائح والتأنيب، وشكلت جنـة للتحقيق في الحـادث من رفاق عـرب وكرد برئاسة الرفيق ( أبو أسيل )، جردت اللجنة بعد الحقيق عدد من الرفاق من السلاح وسجــن رفيقان لمدة خمسة عشر يوما".

كانت ليالي الشتاء الطويلة متعـبـة ومملـة ولا يوجد فيها شئ يسلينا ولم يستطع ضــوء الفانوس الخافـت أن يزيل عتمـة قاعتنا، كان قسما" من الرفاق لا يسـتطيعون النوم من حركة القمل التي غزت أجسامهم فكانوا يتسلون بأصطياد القمل من ملابسهم ورميه في نار المدفئـة بينما كان الرفيق ( أبو نورس ) الذي قدم من استراليا بعد أن حصل على اللجوء فيها  كان يمزح ويقول لقد تعودت على حركتها أنهما أثنتان ( بدرية وخيرية ) وأتذكــر أن الرفيـق ( أبو عامر ) المستشـار السياسي للفصيل قد أستعار شروالي لفترة حتى تجف بدلتــه ولكني لاحضـت بالصدفــة المئات من بيوض القمل في الشروال مما  دفعني الى أحراقه

  في شهـر شباط، نقـلت الى فصيل ســرية الدفاع الجوي وكان الرفاق يسمونه ( فصيل الرفيقات ) لوجود ثمان رفيقات فيه، مشكلة كبيرة كانت تواجه النصير الكردي (س) الذي كان يصوم ويصلي ولا يستطيع أيقاظ الرفيقة التي تأتي بعده في مناوبـة الحراسة. وللمهزلة دورها فقد تبين أن هـذا النصير كان عنصرا" مندسـا" بين صفوف الأنصار وكان ينقل الأخبار وظروف الموقع وتواجــد مواقع الدوشكــا والتشكيــلات الى الأحزاب الأخرى، وعند وقوع رفاقنا في الأسر كان ينظر اليهم ويضحك باستهزاء.                                       

كان الألتزام الضعيف والخــدر وعدم وجــود خبرة في العمل الأنصاري صفة ملازمة لمعــظم رفاق الفصائل، وردا" على ذلك أقترح رفاق الســرية تكــوين حظيرة دوشكا متقدمــة على تلــة مرتفعـة وبجهــود عاليــة أكمل مقــر لهـا وأستكمل قوامــها وأخذت  الحضيرة تقــوم بواجباتها اليوميــة، وفي أحــدى الليـالي قام الرفاق في القيـادة بجولة أستطـلاعية مفاجئة لمعرفة مدى الأســتعداد القتالي عند الرفاق وزاروا أيضا" حضيرة الدوشـكا فوجدوا جميع الرفاق نائمون والمستشار السياسي الرفيق ( أبو عامر ) يتدفـــأ حول المدفئة، كذلك هرب ثلاثة من الجحوش من سجن فصيل الأعلام بعد أن أستعملوا ملعقـة أكل في حفـر فتحـة بين الصخـور مكنتـهم من الفرار ولم ينتبـه الرفاق لهــروب الجحوش الا بعد فتــرة من الوقت كانت كافيــة لعبور فصائلنا المتقدمة، وعلى أثر ذلك جرد الرفيق الحرس الفقيد ( أبو سناء ) من السلاح لمدة أسبوعين .

أضافــة الى هذه السـلبيات في العمل الأنصاري كانت  تسـري بين بعض الرفاق رغبة تواقة الى التغيير وأشاعـة الديمقراطية والمتـذمرة من التنسيب المباشر لرفاق غير قادرين على تحمل مسؤلياتهم كالمستشارين السياسين وآمري الفصائل وأثبت العمل فشلهم وكان قسما" من هؤلاء الرفاق قد خاضوا عملا" أنصاريا" قبل ثلاث سنوات ويعتبرون أنفسهم أكثر أمكانية لشغل هذه المراكز وكان صدفة أن يتجمع هؤلاء في فصيل واحـد، وقبل معارك ( بشـت آشان) أجرت القيادة تغيرات لتضييق الخناق على ( اللبراليون أو الثرثاريون ) وأصبح الرفيق الشهيد (  حمـه سور ) آمرا" للفصيــل والرفيق ( أبو حازم ) مستشار سياسي له، كان هؤلاء الرفاق يستمتعون بأغاني الرفيق البصــراوي ( فرقـد ) ذو الصوت الجميل جدا" وهو يغني أغنيـة عـزيزعلي ( دكتور ...العلة منا ) لأنها تضرب على الوتر الحسـاس، بعد فترة نقل معظم هـؤلاء الى مناطق أربيل والسليمانية ولكن لازمت هذه النزعة رفاق آخرين بعـد أحـداث بشت آشان طالبت بالتغيير حتى في قيادة الحزب .                                                      

في أيام الشتـاء قدّم عدد من الرفاق محاضرات عدة  فالرفيق ( أبو عامل ) قدم محاضرة حول الوضـع العسكري وذكرياته عـن الحزب أما الرفيق ( أبو سليم ) فقدم محاضرة حول لقاءه بالرفيق ( فـهـد ) وقدم الرفيق زهيـر الجزائري محاضرة حول الفاشية وقدم الرفيق ( أبو ليث ) مسرحية ( قرب الموقد ) بمشاركة عدد من الرفاق .

في شـباط / 1983 قام الحزب بأستضافة ممثلين من الحزب الديمقراطي الكردستاني والأتحــاد الوطني الكردستاني لحـل الخلافات التي نشبت بين الحزبين، كان الجو شــديد الـبرودة والرفاق يعـدون بهمة عاليـة الطعام لعشرات من أنصار وحرس ممثلي الحزبين ولكن كان هناك جانب مخفي لهذه العلاقات لايعلم عنها الحزب .

كان الرفاق ( أبو عادل ) و (  أبو أحلام )  يشرفون منذ شبـاط على الهيئات الحزبية للتثقيف بوجهـة حزبنـا حول العلاقات الجبهوية والتعرف على أراء الرفاق حول الموضوع  ولكن المنطقة كانت تغلي والرفاق غافلين عن ذلك !!!!!!!

*ـ الصورة الأولى للنصير سلام خلال الخدمة الرفاقية.

يتبع في الفصل الرابع