مذكرات الفقيد النصير سلام الحيدر (د. أبو تانيـا) 16

الفصل السادس عشر

إعداد فائز الحيدر

التوجـة الى أربيل

 في أيلول / 1984 كنت ضمن مفرزة رافقت الرفيق عزيز محمد والرفيق أبو يوسف متوجهة الى أربيل حيث أنعقد الأجتماع العسكري للأنصار وكان الرفيق م . قصي آمر المفرزة وقد جاء رفاق من أربيل لهم خبرة في العمل الأنصارى للمرافقة وأدلاء يعرفون منطقة أربيل جيدا" . لم تكن مسيرتنا متعبة بالرغم من حرارة الجو علما" بأن فصل الصيف قارب على نهايته ، كان معنا في المفرزة زميل الدراسة في الأتحاد السوفياتي الرفيق ( كاردو كامو ) وكذلك الرفيقة إستيرا التي أنهت دراسة الصحافة هناك ووصلت الى الأعلام وكنا ندردش طوال الطريق عن الأيام التي قضيناها في روسيا والصعوبات التي واجهناها هناك .

 وصلنا أربيل بعد مسيرة ثلاثة أيام وهناك ألتقيت بعدد من الرفاق الذين كانوا معي في بشت أشان وكذلك مع رفيقي العزيز عبد الخالق حسين ( أبو خلود ) حيث عملنا سوية في محافظة عتق الصحراوية في جمهورية اليمن الديمقراطية وعمل في المخابرة وعادت بنا الذكريات الجميلة الى الماضي كما ألتقيت مع رفيقى د. وليد شلتاغ و الدكتورة المحبوبة ( ساهرة ) المعروفة في معظم قرى أربيل لتواضعها وعملها المتفاني في خدمتهم . في أربيل كان هناك الرفيق ( سامان ) الذي جاء لمعرفة الأخبار عن الشهيد ( آزاد ) الذي أستشهد في معارك أربيل مع ( أ وك ) وكانت الرفيقة ( نوروز )لا تعلم بأستشهاد أخيها في البداية حتى تأكد الرفيق سامان وأخبرها عند عودته من أربيل .

في أربيل ولأول مرة بعد مرور سنتين أرى شوارع مبلطة ، وتذوقت بعض المأكولات التي فقدناها كالتمر والمخللات والحلويات والتي كانت متواجدة في حانوت خاص بالأنصار ومعظم مواده تجلب من القرى العراقية . شاهدت القرى البرزانية المهدمة والتي هُجر أهاليها عنوة من قبل النظام الفاشي وعندما كنا نتجول حولها وفي مناطق أخرى تذكرت الكلمات التي كتبها الرفيق ( زهير الجزائري ) في مذكراته عن الأنصار وفي أربيل بالذات بأنه من الغرابة أن تكون أن تكون معادلة الأنصار معكوسة فالأنصار يشغلون المدينة وشوارعها والجحوش وقوات النظام متواجدن في الجبل.

بقينا في أربيل عدة أيام عدنا بعدها الى لولان حيث تنتظرنا مهماتنا القديمة والجديدة وأولها بناء قاعة جديدة للطباعة وقد أختير المكان على بعد أمتار من القاعة الكبيرة وبجوار قطع حاد مليئ بالأحجار مما سهل علينا عملية وضع الأساس ومباشرة البناء . بعد أيام قليلة أستلمت رسالة من أخي أبو سوزان في قاطع بهدينان يرجوني اللقاء أذا كانت هناك أمكانية حيث يشكوا من وعكة صحية ألمت به في الفترة الأخيرة ، والحقيقة كنت قلقا" عليه وبنفس الوقت محرجا" فالبناء في بدايته والشتاء على الأبواب ويجب الأسراع في العمل وربما يفهم البعض من سفري بأني أتهرب من المشاركة في عملية البناء ولكن الرفيق أبو ليث شجعني على السفر وخاصة أن الرفيق م . قصي أخبرني بأن مفرزة ستتحرك الى قاطع بهدينان بعد يومين وسيكون الدليل الرفيق سامي والذي عشت معه في محافظة عتق في جمهورية اليمن الديمقراطية .

 التوجه إلى قاطع بهدينان

 توجهت مفرزتنا الصغيرة المكونة من أربع رفاق أضافة للرفيقة ( عائدة ) الى قاطع بهدينان ، كانت عائدة ترجوا اللقاء بشقيقتها تانيـا . كانت رحلتنا سهلة وخالية من أية صعوبة تذكر سوى الدقائق الأخيرة حيث الجسر الخشبي الخرافي المقام على نهر الزاب والمؤدي إلى القاطع والذي أثار الخوف فينا وأبت الرفيقة عائدة عبوره بالرغم من رجاء الرفاق وفضلت خوض النهر سباحة .

   ألتقيت في بهدينان بأخي النصير ( أبو سـوزان ) وزوجته النصيرة ( أم سـوزان ) والذين فارقتهم في سورية صيف عام 1982 قادمين من جمهورية اليمن الديمقراطية وكانت صحته قد تحسنت بعض الشئ، كذلك ألتقيت الرفاق ( أبو رائـد وأبو نورس ) رفاقي من اليمن ، وكالعادة كانت ذكرياتنا المشتركة هي مدار الحديث.  تجولنا بالقرى المحيطة بمقر القاطع وبساتينها المهملة وتذوقنا العنب والرمان الحامض المتوفر بكثرة والذي فقدناه من سنوات، كان التجول على نهر الزاب عصرا" وسط الطبيعة الجميلة ينسينا همومنا اليومية، و الدجاج التركي المعلب يفتح شهيتنا ليلا"، أما الليل فيصبح حديث سمر للعديد من الرفاق وهم يحيطون بالفانوس في الهواء الطلق يتخللها أحيانا" قتل عقرب أو أثنين التي تتجه نحونا على ضوء الفانوس.

كما إلتقيت في القاطع بالرفيق ( مهدي عبد الكريم ) أبوعباس وشاهدته وهو يجمع الأغصان الصغيرة الجافة وأخبرني مازحا" بأنه أسرع نصير في بهدينان في أيقاد المدفئة ورافقني الى غرفة مكتب القاطع والتي يشغلها مع الرفيق ( توما توماس ) أبو جوزيف ولم يكن موجود في ذلك الحين لمشاركته في الأجتماع العسكري في أربيل. كان أبو عباس يجمع الأغصان الجافة ويرتبها على رف صغير بعناية وبأحجام مختلفة تساعــده على أشعال النيران بسهولـة الأمر الذي يغيض أبو جوزيف فيخــاطبه الفضل للعودان مو ألك .

في تلك الأيام أقام رفاق القاطع حفل تأبيني للرفاق شهداء مفرزة الطريق وألقى الرفيق أبوعباس كلمة مؤثرة أبكت الجميع وتلاه الرفيق ( أبو أفكار ) الذي نجى بأعجوبة من الكمين القاتل في كلمة يروي الحدث المؤثر وقال أن حزبا" فيه رفاق أبطال كرفاق مفرزة الطريق ستنتصر قضيته حتما" .

 العـودة الى لـولان

 عاد من أربيل الرفاق في القيادة، عزيز محمد / أبو سعود، أبو عامل، توما توماس / أبو جوزيف، عمر الشيخ / أبو فاروق، وجرت الأستعدادات للعودة بهم الى لولان بمفرزة كبيرة ودليلها ( أبو رائد ) ورفاق عديدون، كان الرفيق ( أبو عامل ) أكثر الرفاق نشاطا" أثناء السير و يفتخر ويتباهى أمام الرفاق عندما يقطع مسافة طويلة بوقت قصير وكان دائما" يستبدل قميصه المبلل بالعرق في أول أستراحة على الطريق. وفي أحد الأيام قال للرفيق ( ثابت حبيب العاني ) أبو ماهر وهو يفتخر عندما ألتقاه في فصيل (دراو) حيث كنا في زيارة للفصيل، أنه جاء توا" من لولان وقد قطع المسافة بساعتين ونصف وهي المسافة التي يقطعها بقية الرفاق بأربع ساعات وكانت ملابسه مبتلة تماما" فأجابه الرفيق أبو ماهر وبطبيعته الطيبة المعتادة ( روح غير ملابسك رفيق ، الجو بارد لا تتمرض ).

لم نسترح كثيرا" أثناء السير وبان التعب والأرهاق على الجميع وخاصة الرفاق أبو سعود وأبو فاروق وطلب أبو سعود الأستراحة قليلا" فقال له أبو عامل بعد قليل نستريح، فرد أبو فاروق ( كل يوم نستريح مو البارحة أرتاحينا).

 كان الرفيق أبو فاروق بجديته المفرطة وندرة أبتسامته وقلة كلامه معروف لدى الرفاق يتمشى دائما" وحيدا" على سطح القاعات في كل المقرات التي سكنها شابكا" يديه وراء ظهره يفكر في أمور كثيرة وبالرغم من جديته في كثير من الأمور فأنه يطلق طرائف ونكات طالما تضحك الرفاق لسرعة بديهيته، سأله مرة الرفيق أبو حسين وهو مهندس مدني و معروف بتعليقاته ( رفيق أبو فاروق سبق وتخرجت من كلية الهندسة في الخمسينات فهل لازلت تحتفظ بمعلومات عن الهندسة الآن ..؟ ) فأجابه أبو فاروق على الفور ( رفيق آني من تخرجت ما كان عندي معلومات تريدني الأن أعرف شئ ) . كما وأتذكر تلك الحادثة الطريفة التي حدثت في الأعلام ، كان الرفيق أبو فاروق يتمشى كالعادة على سطح بناية الأعلام في لولان وكانت الرفيقة ( أستيرا ) في نوبة الحراسة ظهرا" وسمعنا فجأة أطلاقات نارية مستمرة أثارت أنتباهه فسألها رفيقة شنو هذه الطلقات ؟  فأجابته أستيرا يمكن القرويين يصيدون قبج، فرد بسرعة لا مو قبج رفيقة كاعد يصيدون عكاريك ! فألتفتت أستيرا ألينا وكنت جالسا" مع الرفيق أبو أنصار آمر الفصيل حينذاك نضحك بشدة وكدنا نسقط أرضا" من الضحك وعلقت أستيرا بلكنتها الحلوة ( هذا الرفيق شبيه، ليش هيجي يحجي ؟ ) ورد عليها ( أبو أنصار ) بأن القرويين يصطادون القبج ليلا" وليس ظهرا" مثل هذا الوقت وعندما يخلد القبج للنوم ويمكن مسكه بمجرد فتح الضوء عليه وعادة ما يخبرنا القرويون بذهابهم للصيد ليلا" ويحذرونا من أن الأطلاقات والضوء سيكون صادر عنهم ولذلك من الغرابة أن تقولي أنهم يصيدون القبج نهار" .

  وصلت المفرزة منطقة ( عادل بيك ) وهي أحدى المناطق الخطرة في الطريق وعادة ما تقوم الجندرمة التركية بوضع كمائن هناك. كان بأنتظارنا مفرزة من رفاقنا من لولان وأرموش جاءت لمرافقة مفرزتنا. حينها وفي منطقة اللقاء عند النهر أسترحنا لفترة طويلة ألقى الرفيق م . قصي عدة قنابل يدوية طعما" في وجبة سمك ولكنها كانت قليلة النتائج فلم نحصل سوى أسماك صغيرة   زوريات شويتها مع الرفيق (هه زار ) وتغدينا مع الرفيق أبو سعود، حينها قال أبو سعود أنه كان ضيفا" في أحد الأيام عند أحد أصدقاءه من الصابئة المندائيين وقدموا له سمك مشوي لذيذ جدا" ولكنه ملئ بالعظام وأضاف لا أعرف من أين لهم الخبرة في تنظيف السمكة من عظامها فانا كنت في أول لقمة وهم قد أنهوا أكثر من نصف السمكة .  

 وصلنا عصرا" الى قاعة المكتب العسكري أسفل منطقة ( أرموش ) حيث الرفيق أبو عامل ومكتب الأنصارالمكون من الرفاق (علي مالية ) و( أبو أحلام )  و( أبو أزدهار ) جعلوها مقرا" لهم ولم يخطر ببالي أنه بعد شهر سأنتقل من الأعلام الى هذا الموقع في مهات أخرى . وفي صباح اليوم الثاني تحركنا نحو لولان حيث وصلناها متعبين عند المساء  .

 يتبع في الفصل القادم