الحلقة الثالثة
مهداة الى روح صديقي آشتي
وصلت مساءا الى منطقة المشتل المحاذية الى حي المعلمين وكان للسهولة ان اتخذ طريق الشارع الرئيسي في المشتل والذي يسمى ( المطبگ)وهو يؤدي مباشرة الى بيت اهلي، ولكني فضلت الازقة الفرعية ، فوجدت نفسي قد ابتعدت كثيرا وضاعت علي معالم المنطقة التي اعرفها جيدا وحتى اشكال البيوت اختلفت، ولاحظت بقربي سيارة بيك آب لحمل البضائع وعليها حمال كان شاب صغير ويبدو من ارياف بغداد ، فسألته وين صارت المعلمين؟ فأشر بيده وقال :هذه كلها يسمونها المعلمين
تأكدت من الطريق وتأكدت عن طريقة جوابه انه ليس من المنطقة ، وواصلت ووجدت بيتنا بعد عناء ، فقد اختلف شكل شارعنا بعد فراق دام سبع سنوات ، واختلف لعدة اسباب اولها ضم قطعة ارض وكنا نسميها ( الفضلة) وهي قطعة ارض اضيفت الى واجهة البيت واعطت شكل مختلف تماما ولكني اعتمدت ان احسب عدد البيوت من بداية الشارع المؤدي الى منزلنا وكان بيتنا رقم ٤ فوجدت الباب مشرعة ومن خلال الشارع لاح لي وجه والدتي والى جنبها اختي الوحيدة وكانت الوالدة منهمكة بهوايتها المفضلة والتي لاتزال تمارسها دون ملل ( الحياكة)،
ولاحظت في الطابق العلوي مجموعة شباب يعلو رؤوسهم مصباح ومشغولون بلعبة خمنت ان تكون النرد او الدومينو ، وقررت الدخول فورا للبيت مستغلا الباب المفتوح وانشغال الشباب باللعب وهم في منطقة مضيئة لايستطيعون رؤية المنطقة المظلمة في ممر البيت الرئيسي.
لم تستطيع الوالدة تشخيصي لأني دخلت مسرعا ومباشرة الى الغرفة المجاورة للمطبخ حيث كانت جالسة مع اختي ولكنها صاحت معترضة علي الدخول : وين وانت منو؟
وضعت السبابة على فمي طالبا الهدوء واذا بالوالدة : يايمة وليدي
واحتضنتي و اختي الصغرى ايضا واصبح لقائي فيه الكثير من الشجن
جلست منتظرا اخواني وابي وتبدد التعب واصبحت عندي رغبة بالسهر والكلام
انهى اخي ابو كرم لعب النرد مع اصدقائه واودعهم ونزل الى الطابق الارضي ليجدني وقال: ادري منين اجيت؟ امتزج الشوق بالخوف والرغبة بمعرفة ظروفي
وصل اخي الاخر ووصل والدي الذي لم يستطيع تشخيصي على الرغم من الوالدة قالت له عدنه ضيف تعال سلم عليه، فقال لي مرحبا شلونك؟
- اجبته الحمد الله
واكمل السلام
- الاهل شلونهم ؟
فاجبته
- بخير هذولة گدامك الاهل
فضحك مذهولا
- ولك ما عرفتك، شنو بوية جاي اجازة؟
اجبته نعم اجازة وارجع
- وين ترجع؟
- ارجع الى كردستان!
فقال على الفور : شلونها حياتكم هناك بوية؟
طمئنته بأننا بخير على اية حال
بعد قضاء يومين مع الاهل والاخوة جميعا ، قررت الذهاب الى السوق العربي لتحذير رفاقي من المندس ( ن)، وحسب الوصف استطعت الوصول للمحل بعد التوجس والمراقبة من بعيد اقتربت واذا ب (ن) يخرج مسرعا من نفس المحل، فتظاهرت بربط قيطان حذائي وانتظرته يمر ولم ينتبه لوجودي
اسرعت بترك المنطقة عسى وان تأتي فرصة اخرى ورجعت بعد ساعة صعدت الى الطابق الاول للسوق العربي موجها انظاري الى ذلك المحل بانتظار خروج او دخول احد الرفاق دون جدوى.
تركت تلك المهمة الى يوم آخر
كانت اجواء بغداد ملبدة والخوف من السلطة بأوجه، والحيطان لها آذان صاغية ولا يأتمن الاخ بأخيه، وكان خروجي ودخولي الى البيت يرعب اهلي وهم تحت رحمة تعهداتهم ان عرفوا شيء عني عليهم الابلاغ وإلا !! ومن مكر الاجهزة الامنية كان ان كشفت عملا معارضا لاتلقي القبض على النشطاء مباشرة، بل تتركهم وتراقبهم وتزرع الاف العيون لرصدهم، و كنا نتناول هذه الحقائق ونكتب عنها بادبياتنا المعنية بالعمل السري، فكيف لي ان اتعامل مع هذا ال ( ن) وهو يعرفني واعرفه جيدا كشخص دبق ومتلون.
ساواصل
الصورة لقائي مع والدي المرحوم الاستاذ عبد الرزاق الاعسم