لازلت اكتب واستذكر آشتي

 

ذكرت في حديثي ان عبد الحسين اصطحبني الى محل لبيع المشروبات، و وقع نظري هناك على ( علي الايراني) او العجمي وهي كنية معروفة تطلق على ذوي الاصول الايرانية او ما يسمى بالتبعية وكان هذا الشخص من ابشع المجرمين في مدينة الحريةوهو الذي نزل من سيارة الامن وبيده بندقية ليعتقل عمي المناضل والصحفي عبد المنعم الاعسم عام ١٩٧٨.

ومن الواضح كانت هناك علاقة بين علي و عبد الحسين، استطيع القول علاقة قسرية وفيها الكثير من الاكراه ، فهذا المجرم لايمكن ان يترك  عبد الحسين دون تعهدات ثقيلة وتهديد فعلي له ولعائلته.

ولم احتاج للكثير من الفراسة والتقدير بان عبد الحسين قد ابتلى حاله حال العراقيين كلهم بمثل هذا البلاء.

يا الهي هذا النشاط الثالث الذي اقوم به في بغداد خلال ايام معدودة من حزيران عام ١٩٨٦ ، وأتأكد من الاجواء المخترقة  والملغومة.

خرجنا من محل بيع المشروب محملين بقنينة العرق الزحلاوي وبعض المكسرات وفضل عبد الحسين الذهاب الى المشتل   لنجلس هناك نحتسي  ونغير جو حسب تعبيره، وجدنا بقعة خضراء  وهذه المرة امام مقر حزب البعث الذي اعرفه جيدا وهو قرب ملاعب كرة القدم في المشتل، شعرت انا بجولة اخرى للتشخيص و لمت نفسي كثيرا اني اخبرت عبد الحسين انا من سكان مدينة الحرية ولم اذكر له طبعا بقية التفاصيل  بأننا انتقلنا وكنت بعمر ١٢ سنة وتغير شكلي والخ.

شعرت بالضيق وبدأ عبد الحسين بعمل كأسا له ولي وكان يخلط بماء الساقية القريبة، فطلبت منه ان يعطيني كاسا صافيا ،   كانت ظهيرة يوم قائظ من ايام حزيران في بغداد وأنا جالس امام مقر المنظمة الحزبية وهو مقر للجلاوزة والمجرمين فلم اعرف من اين كانت تأتي الحرارة .

هنا انشغل رأسي بأيجاد طريقة لترك المنطقة و قلت لعبد الحسين ان لدي اربعة رفاق قياديين بالحزب الشيوعي وهم مختفين الان في بغداد وعليّ ان اوصلهم الى كردستان وانت معنا اذا رغبت.

افتعلت هذه الكذبة ولا اقصد فيها عبد الحسين بل بأشغال من كان يتابعه ، وبالتأكيد سيصل الخبر لهم ، والغرض هو تأجيل عملية القاء القبض المحتملة، وقلت له كذلك من الممكن ان ابقيهم عندك لفترة ونغادر بعدها، فرحب بالفكرة !!

طبيعي ليس من السهل ان يوافق  على هكذا خدمة خطرة،  وطلبت منه ان نغادر  وكان عليّ ان احافظ على هدوئي وافتعل دور الساذج البسيط الذي سيعود يوما ما  ومعه اربعة قياديين !

وصلنا المنزل وكانت اخت ابو كفاح بالانتظار واظن كان اسمها ناهدة ايضا مثل اسم ام كفاح، تحدثت لي  عن كفاح وكانت محترسة بكلامها، الامر الذي كان يصب بأتجاه تقديراتي، غادرت ناهدة بعد الاستئذان وامتنعت عن تلبية العروض بالبقاء للعشاء او المبيت في بيت صديقتها اخت عبد الحسين.

لم أقرر  ان لا التقي بعبد الحسين فحسب ، بل لا اورط أحد بزيارة مني.

ودعت عائلة عبد الحسين تلك العائلة الطيبة والتي دفعتها الظروف القاهرة وسياسة القمع المطلق لنظام صدام الى ان تكون بهذا الموقف ، وكنت على يقين ان عبد الحسين لو انتشل من ذاك الواقع سيكون انسان جميل وبمنتهى الشرف.

استقليت سيارة تصل الى الحرية الثانية وهي بأتجاه عكس ما اريد،  ونزلت في شارع الدباش  او مايسمى بالقلم طوزة ، واتخذت سيارة اخرى كانت تذهب الى علاوي الحلة، نزلت وسط الازدحام في العلاوي ومنه الى الباب الشرقي والى بغداد الجديدة ثم المشتل واخيرا بيتنا.

وجدت اهلي استبد بهم القلق والذعر  وقررت ان لاداعي ان اعرض أهلي لمخاطر  اكثر سيما وانا قمت خلال عشرة ايام بثلاث محاولات ، لم تكن واحدة منها خالية من الالغام.

بدأت اعد الامور للعودة الى كردستان  ، ولاحظت الارتياح على وجوه أهلي لمًا في الابتعاد من خير لي ولهم وسلامة مقرونة بالحذر الشديد والقلق على يقين وصولي بسلام.

كنت اطمئن الاهل بأني اعرف المسالك جيدا كي اصل الى رفاقي و اخفيت قطعة سلاح في احدى دهاليز الجبال وسأعود والتقطها وأكمل مسيري

 سآواصل