بعد مكوثي القصير في بغداد وخروجي باستنتاج مفاده ان من النادر ان تجد غير اهلك ان تثق بهم .
فضلت العودة من حيث اتيت عن طريق موصل دهوك ، ملئت حقيبتي التي تحمل على الكتف بكل ما احتاج من اكل وماء وبرتقال و علبتين من ورق اللعب ( للكنستر)، لعلمي ان هذه ستكون اجمل هدية للفصيل وخصوصا ابو عليوي،  كانت الحقيبة خفيفة رغم الحاح الوالد ( رحمه الله) بأن آخذ المزيد من الطعام بعد ان حكيت  له فكرتي عن العودة وكيف ساقطع مسافة طويلة مشيا  قد تصل الى ثلاث او اربع ليالي.
اوصلني اخي الكبير  الى النهضة صباحا و وصلت الموصل بعد الظهر و عند نزولي مباشرة من الحافلة وجدت السيارة التي تذهب الى دهوك وسائقها يبحث عن راكب اخير لينطلق ويصبح عدد الركاب اربعة  ، ومن البداية اخبرته انني ذاهب الى فايدة وهي ناحية تقع على الطريق ومنها يتفرع طريق ترابي يصل الى شاريا وثم الى قرى سينا وشيخدرة، كانت القصة التي هيأتها هي زيارة صديق وزميل لي في الجامعة اسمه جمال خدر من قرية سينا، 
وصلت السيارة الى ناحية فايدة وبالذات الى ذلك الطريق الذي كنت اعيده بذاكرتي عدة مرات فطلبت من السائق التوقف وبلمح البصر اوقفني ولم الاحظ احد مكترث بوجودي واطلقت ساقي للمشي السريع في ذلك الشارع المؤدي الى قرية سينا ويبعد حوالي الساعتين مشياً و الذي كنت اشعر كلما خطوت خطوةفيه ترتفع معنوياتي واشعر بالثقة و بعد عشرين دقيقة بدأت تضاريس سهل القائدية تخفي ناحية فايدة تارة وتارة اخرى تظهر عندما يمر الطريق الملتوي بهضبة  مرتفعة في ذلك السهل الجميل الممتد بين جبل دهوك شمالا وجبل القوش جنوبا اما من جهة الشرق يتصل بسهل اخر اعتقد يسمى سهل سميل و بعده نهر دجلة، اما مسيرتي كانت غربا بأتجاه قرى  اعرفها جيدا وهي اوستيان وپيرموس وبرواري مزوري .
في منتصف الطريق سمعت صوت محرك سيارة قادمة تنحيت جانبا لارى السيارة ، كانت تويوتا قديمة يقودها رجل بدين و لوحده وبدون ركاب، اوقفته وتحدث معي بالكردي : الى اين ذاهب 
اجبته الى سينا
قال انا من سينا اصعد
صعدت واول سؤال متوقع و طبيعي قال لي:
ماذا لديك بسينا؟
قلت له بالكردية وبلهجة سورانية حيث لم اتعلم اللهجة البهدنانية بالرغم من عملي لمدة سنتين بسهل الموصل:
باني سألتقي بصديق لي من الجامعة
قال ومن هو هذا الصديق؟
كنت مطمئن له بصراحة ولكني شعرت انا بمعركة مع الوقت، وعلي كسب الوقت للوصول الى القرية دون اشكالات
قلت صديقي
قال اعرف صديقك ولكن من؟
قلت له وهل  تعرف انت كل اهل القرية
قال لي و بدأت علامات السأم من طريقتي بعدم الافصاح عن اسم صديقي المزعوم
يا أخي انا ولدت بهذه القرية واعرفهم فردا فردا
اعتذرت ببلاهة وقلت له اسمه جمال خدر
قال فورا : لايوجد هكذا شخص
وتجدر الاشارة الى ان هذا الحديث جعله يقود السيارة بسرعة نحو القرية رغم رداءة الطريق الترابي او هكذا شعرت
واستدرك بعدها وقال جمال؟؟
قلت له نعم
ولاحت لي القرية قريبة هادئة من بعيد فقلت له اخي الكريم اذا تدلني على بيت المختار فانه يعرف جمال
فقال : هذه سهلة سأوصلك الى بيت المختار
دلني على بيت المختار وقال من بعيد مخاطبا المختار:  عندك ضيف.
تذكرت معركة سينا عام ١٩٨٢ وكيف قام الجيش والمرتزقة بالمجيء الى بيت المختار اولا بعد ان فرضوا على مفرزتنا حصار محكم امتد من الجبل الى السهل، فقدنا شهيدين بتلك المعركة الغير متكافئة، وهما الشهيد حكمت ( رافد اسحق حنونة)  والشهيد عايد ( هيثم ناصر الصگر).
كان في بيت المختار اربعة رجال يتحدثون ويبدو انهم كانو مشغولين بقضية ما جدية. 
استفسروا مني
قلت لهم يجب علي الذهاب الى قرى المزورين باسرع وقت قبل الظلام، فقالو قد حل الظلام سلفا، فلماذا لاتبات وغدا صباحا نوصلك  الى ما ترجو، قدم لي هذا العرض اصغرهم سنا كان غامق البشرة وله شارب كث ونظراته( مو لله بالله)، واعتقده لم يكن من سكان سينا الاصليين بل من النازحين لها من عشائر الهويرية اليزيدية وهم بالاصل يسكنوا مناطق الشريط الحدودي العراقي - التركي بعد زاخو ، و سألني مرة اخرى من اين اتيت ؟
قلت له  من السليمانية ( هكذا عجبني ان اجيبه) ونهضت اهم بالخروج و ودعت الجالسين، فقام وقال على الفور اعطيني رقم تلفون بيتكم كي اطمئن والدتك بأنك وصلت بأمان.
عندما قدم لي هذا العرض رحبت اشد الترحيب وقلت له سجل عندك: ( اسف لم اتذكر ذاك الرقم التحفة الذي اعطيت له)، واخذت الطريق الخارج من القرية وهو يلاحقني و يسأل ما اسمك؟ 
وماذا اقول لوالدتك؟
لم اجيبه وكنت اود أوجه صفعة على وجه
كان الغروب طويل و وصلت الى قرية صوصيا وقضيت ليلتي هناك  وواصلت الى مراني  مرورا بتلك الوديان الجميلة والقرى العامرة الامينة، تأخرت قليلا للاستطلاع فوق قرية دزي ذلك المرتفع المطل على طريق يربط اتروش بزاويته ومنه علي النزول الى قرية بينارنك ، وكانت ليلتي الثانية  في بيت لفلاح يقع بالوادي المؤدي الى  قرية دهي وهو  الوادي الذي يصل الى مراني .
بعد بقاء شهور متنقل من مراني الى الفصيل المستقل و زيوة مقر القاطع 
نزلت الى بغداد مرة أخرى
* الصورة للشهيد حكمت وهو الواقف يحمل الاربي جي وخلفه جالسا جمال خليل وهو اخ الشهد ابو ماجد ( علي خليل)، والاخير الواقف هو وميض ولديه الصورة الاصلية، والموقع هو مكان اختفاء المفرزة قرب قرية بينارنك عام ١٩٨١.
* الصورة الاخرى هي خريطة توضح موقع ناحية فايدة والقرى المجاورة ولكن كتب اسم شاريا فقط وهي شاريا القديمة المجاورة الى قرية سينا