بقت عندي فلوس ابو فلاح ( الرفيق محمد اللبان) كي اوصلها لعائلته وهي جزء من رواتبه وما مخصص لهم،  وليس لدي طريق للاتصال بعائلة ابو فلاح إلا عن طريق أم إباء ، وحاولت ترتيب لقاء ولكن بدون موعد ، فذهبت الى المخرج احمد السلماسي مرة اخرى في بيته بالكاظمية قرب الصحة المدرسية، و قال لي اذا رأيك هكذا وتفضل لقاء دون موعد فلنذهب اليوم مساءا ولكن دعني اتصل بها ان كانت موجودة في شقتها بالبياع ، وفعلا تم ذلك و استغرق اللقاء اقل من نصف ساعة سلمت المبلغ وابلغتني بوفاة أم الرفيق محمد  اللبان بعد معاناة كبيرة واسباب هذه المعاناة فراق ابنائها و  ابلاغها بأعدام ابنها كمال دون تسليم الجثة مع تحذير بعدم اقامة مراسيم الحزن ، وهناك مقال عن الشهيد كمال نشر في طريق الشعب ٢٠٠٣ يتحدث عن الشهيد بشهادة احد رفاقه في المعتقل وكيف كان الشهيد متماسك وشجاع في احلك الظروف،  و الشهيد الشيوعي كمال جاسم محمد هو الاخ الاوسط للرفيقين محمد اللبان وعدنان اللبان ، وكان مهندس يعمل بأمانة بغداد ولاعب كرة قدم موهوب ، ويبدو ان عائلة الشهيد كمال سلمت الى ام اباء الوثائق التي تخص الشهيد كمال عسى ان تصل لاخوانه ، اخذت منها وثائق واوراق الشهيد كمال جاسم محمد وهي عبارة عن جواز سفر عراقي كان منتهي الصلاحية  ورافقني هذا الجواز فيما بعد برحلتي عبر تركيا وايران ثم موسكو وصوفيا، سآتي على ذكر القصة لاحقا، 
 
استغرب إباء (الطفل انذاك)  من قصر اللقاء والذي كنت حريص على ان يكون لقاء قصير ، واباء الان هو اب لولدين هم أثير وهدير وزوج الناشطة الديمقراطية لينا النهر ابنة الشهيدة أم لينا ( رسمية جبر الوزني) وتعيش هذه العائلة الرائعة في السويد.
سلمت المال واخذت الوثائق وغادرت محمل بأخبار حزينة، وعلمت فيما بعد ان المال الذي سلمته ليصل الى عائلة الرفيق ابو فلاح ، لم يصل!! 
وصلت الى بيتنا ليلا وكالعادة لاحظت القلق على وجوه الاهل، كانت بغداد تغلي بأخبار الحرب وفي تلك السنة بالذات  تغير اسلوب الجيش العراقي من دفاع الى تعرض ( اي هجوم) ، واكد هذا التغير في اسلوب الجيش نزار الخزرجي في مذكراته، وهذا التعرض نجح بعدة مواقع وجبهات وكان له تأثير كارثي على مزاج الناس لما تضيف هذه ( الانتصارات) من قوة معنوية لاجهزة النظام. 
كانت ايام  نهاية عام ١٩٨٧ ثقيلة وايقاعها  مأساوي ، وكان مصدر الاخبار الوحيد الذي بقى لي هو اذاعة ايران الموجهة الى العراق وكان صعب التقاطها لما تواجه من ملاحقة و  تشويش وكانت عمتي الكبرى عاشقة لهذه الاذاعة وتبحث عنها حتى لو كانت  في الصين!!
وتنقل لي الاخبار  وتتندر ببعض الاهازيج على شاكلة ( صدام اشرد جوك السادة،،،) والخ من الاخبار ، حاولت انا عدة مرات ان التقط هذه الاذاعة مستخدما جهازي  او  حتى جهاز العمة ولكن دون جدوى، بينما كانت عمتي بلمسة سحرية تجعل مذياعها يصرخ : تحب تسلم على اهلك، معنا الاسير الفلاني ،،، والخ
من اكثر الاخبار التي كانت تهمني ، خبر تهجير قرى سهل الموصل  و لم أعلم بالضبط ما شمله التهجير، والى اي مدى وصلت مخالب الضبع البعثي. وبدأت اعداد أموري الى العودة وأخبرت الاهل بذلك. 
كان رأي اهلي جميعا ان أتأكد من سلامة طريق العودة وتقصي الاخبار دون الوقوع بخطأ مكلف، ولم يستاؤا من وجودي على الرغم من المخاطر الجدية  فلو وقع اي خطأ او قدر سيكون الثمن ان تسحق العائلة برمتها.
وفضلت العودة مع مجيء الربيع وتحسن الجو كي استطيع المسير الطويل ليلا والمبيت بالعراء اذا تطلب الامر.
ومع بداية شهر آذار من عام ١٩٨٨ اوصلتني زوجة اخي المرحوم فارس الى النهضة وكانوا حديثي الزواج واودعتني وكانت مرتبكة بعض الشيء وقلقة عليّ ، ودعتني متمنية لي السلامة. 
استقليت السيارة الذاهبة الى الموصل ، والجو العام في بغداد ينذر بقوة  بأن صدام ونظامه باق مدى الدهر.  وكانت النكتة المتداولة انذاك بان احد العراقيين نام مثلما ينام اهل الكهف واستيقظ بعد مئة عام فسمع المذياع يعلو بأغنية ( حياك يا ابن حلا،،،،) وليس ابو حلا فالسلطة ورثها ابن حلا، كان هذا الشعور بوطأة النظام و شبح سطوته هو السائد وتجده في البيوت والاسواق و يجثم على صدور الناس حيثما تجدهم.
وثائقي بقت نفسها وبأسم كريم عبد الله جاسم، ووضعت وثائقي الحقيقية وهي دفتر الخدمة العسكرية عندما كنت طالب بالاعدادية بعد رفع الصورة ومسح المعلومات و وضعتها بكيس منفصل مع جواز السفر للشهيد كمال وفي الكيس بعض الفواكه والماء ، تركته بالقرب من حقيبتي مما يسهل التنصل من الكيس وبنفس الوقت التقاطه عند المغادرة، وصلت الموصل عصرا  والغروب بدأ‏ واضحا وكانت رحلتي في اهم مفصل حيث الذهاب الى فايدة والوصول ليلا.