في عام 1983 عاد الرفيق أبو هندرين مع زوجته الرفيقة الدكتورة أم هندرين وبصحبتهم ابنتهم ذات العامين (نداء) وفي نيتهما عدم إبقائها  في مقر الأنصار في زيوة شكان، بل ارسالها للعيش مع أهل أم هندرين في مدينة العمادية، لكن الظرووف لم تسمح بذلك وبقيت في مقر زيوة.

بعد أن جرى تشخيص الرفيق أبو هندرين مسؤولاً لإعلام قاطع بهدينان، جرى بناء غرفة للعائلة يمين غرفة الاعلام وبعد فترة تم سحب غرفة الرفيقات منهن لتصبح طبابة.

لمحاذاة غرفة عائلة أبو هندين مع غرفة الأعلام، حرّك دافع الاستطلاع أولاً، ثم العادة بعد ذلك باقتحام غرفتنا بلا استئذان من قبل نداء. وكان اقتحامأً مرحب به ومبعث للبهجة والفرح. وتوطدت علاقتها بالرفيق أبوسعد (أنا) وصارت ملازمة له في كثير من الأحيان. 

في عام 1985 حلّت على مقر زيوه شكان عائلة الرفيق أبوعلي مع زوجته الرفيقة أم علي وصغيراهما مشمش وسمسم. 

بعد فترة قصيرة من تعارف الأطفال توطدت العلاقة بينهم وصاروا يدعون من قبل عدد من الأنصار بـ "الثلاثي المرح".

أدناه مقطع من كتابي:"أوراق من ذلك الزمن" عن الصغار الثلاث:

"وجاء مشمش وسمسم ليتشكل ثلاثي مرح حقيقي. ولكنهم حضوا بفرصة البقاء في فترات غير قصيرة في عالم الطفولة، إلا أنهم في معظم الوقت يعيشون عالم الكبار.

وعلى سبيل المثال:

كنت يوما منشغلاً بعملي في غرفة الإعلام، فدخل نداء ومشمش وسمسم كما عادتهم  في زيارة غرفتنا. وحينما وجدوني منشغلاً في العمل، جلسوا قرب الباب، وبدأ بينهم حوار جاد. إنهم يناقشون مسألة عسكرية شائكة.. إذا تقدمت السلطة على مقراتنا أو نفذت إنزال جوي في زيوه ماذا سيكون رد الفعل. ما هي خطة الانسحاب وكيف ستنفذ وإلى أي جهة سيتوجه الأنصار. كان تبادل الحوار، خاصة بين نداء ومشمش، جاداً وهو يقترب كثيراً من خطة الانسحاب التي ناقشتها قيادة القاطع مع المسؤولين في المقر. لم أقاطعهم رغم أني تركت ما بيدي ورحت أستمع بانتباه لما يدور. في البدء انتابني فرح وأنا أسمع تلك التحليلات التي تنم عن نباهة متقدمة، ولكن الفرح تبدد حين شعرت أننا نقحمهم في أمور ليست من شأنهم، بل نقصيهم عن طفولتهم، إذ ينبغي أن ينشغلوا بألعاب الصغار وليس الكبار. 

هل من الممكن تصور حالة الخوف أو الرعب الذي يجتاح أرواحهم الغضة حين ُيقصف المقر بالمدفعية الثقيلة أو بقصف الطائرات الحربية التي تعصر أرواح الكبار بأزيزها وهي تنقض على الهدف قبل أن تسقط قنابلها، أو معاناتهم التي لا يمكن أن تصفها الكلمات مهما بلغت من صدق وانصاف وهم يتضورون لا جوعاً بل من حروقات وتسمم الغازات السامة التي رشقنا بها جنود صدام (البواسل)." (ص 232- 234)

بعد فترة من الاستقرار النسبي المخادع، قرر الآباء؛ يجب تعليم الأطفال القراءة والكتابة، تعويضا عن حرمانهم من الدراسة في مدرسة. فتطوعت النصيرة آفاق زوجة النصير أبو وسن على تعليم نداء ومشمش. وكان حينها سمسم دون سن الدراسة، لكنه كان يحضر الدروس وتعلم الكثير مما كانوا يدرسون. فمن الصعب تفريقهم في أي نشاط. وبعد فترة تم الطلب لي بتدريسهم اللغة الإنجليزية. وافقت وحددت ساعة الدراسة في العاشرة صباحاً.

ولم تنجح محاولتي في حصر الدراسة بنداء ومشمش فقط، فاضطررت لقبول الأمر الواقع، وسمحت لسمسم بالحضور كمستمع.

في البدء بدأت بتعليمهم الأرقام صوتياً ثم كتابة ثم انتقلت إلى الأبجدية الإنجليزية بشكل شفهي عن طريق تقطيعها بشكل رباعي: ABCD-EFGH-IJKL ...الخ بطريقة تنغيم مع حركة الرأس والبدن مع الإيقاع. وفي كل يوم نحاول حفظ مقطعين. الغريب، كان سمسم يحفظ الدرس ويطالبني أن أستمع إليه كما أفعل مع نداء ومشمش، رغم الاتفاق أن يكون مستمع فقط. لكن من يستطيع أن يعصي طلباته الرقيقة، التي أجبرت مسؤول قاطع بهدينان الرفيق أبو جميل أن يحرر ورقة لسمسم تسمح له بالأكل مع فصيل الحماية، بحجة أن طعام فصيل الحماية"تيب" (طيب) كما صرح به سمسم!

وبدأت بتعليمهم كتابة الأحرف، كل يوم أربعة حروف ويكون الواجب البيتي كتابة المقطع في صفحتين. واستمرت الحال بشكل سلس.

في أحد الأيام حينما بدأت اختبر واجبهم لليوم السابق حصل أمر غريب، بأنهما نسيا الدرس وكذلك الدروس السابقة. حاولت أكثر من مرة أن أحرك ذاكرتهما وفشلت. لكني حين نظرت إليهما مستغرباً شاهدت ابتسامة خفيفة على شفاه مشمش. ثم عرفت بعد اعتراف نداء بأنه اتفق معها لعمل مقلب بي وإنهما حفظا الدرس. أنّبت مشمش وطلبت منه عدم تكرار ذلك لأني أقتطع من وقت عملي الإعلامي لتعليمهم ولا أريد أن أخسر الوقت. لم أتعامل، مع الأسف، مع الأمر كمزحة أطفال وأشاركهم المرح، بل طلبت منهم الخروج من الغرفة حالاً.بعد بضعة أيام كرروا نفس المقلب وكان الأمر مكشوفا من البداية، فقررت إيقاف تدريسهم.

في أثناء تلك المرحلة جاءتني نداء يوماً تبكي. حاولت تهدئتها ولم أفلح في معرفة سبب بكائها إلاّ بعد أن كفت وحين سألتها من تسبب ببكائها قالت:

- مشمش!

- هل ضربك؟

- لا!

- ماذا فعل؟

- يقول أريد أن أتزوجك!

- متأكدة مما قال؟

- نعم.

أخذتها واتجهت إلى مشمش الذي كان وكأنه ينتظر النتيجة لأنه واقف بظهر مطبخ فصيل الحماية بطريقة وقوف المراهقين عند مدخل الزقاق. وبدأت بسؤاله:

- مشمش! هل صحيح أنت قلت لندناء أريد أن أتزوج منك؟

- أي! الرفيق أبو نسرين اتزوج وأبو وسن اتزوج أنا أيضا أريد أن أتزوج. 

كنت صبورا وأنا أزاول مهنة التحقيق وأخشى أن تفلت مني ضحكة تفشل القضية الشائكة وقلت:

- مشمش! انت مازلت صغير على مثل هذا الحكي! فرد بثقة:

- أعرف! لا نتزوج الآن بل حينما نكبر!

هنا تنفست الصعداء كما يقال في الأدب القديم. وقلت له:

- ممكن تأجل هذا الموضوع لحين تكبرا؟

- نعم.

- ممكن عدم الحديث بهذا الموضع مرة ثانية؟

- نعم!

- ممكن أن لا تخبرا أي شخص بما صار بيننا وكذلك أنت نداء؟

- نعم! رد كلاهما . 

وأُغلِقتْ القضية ليعاد فتحها في المستقبل إن أراد القدر.