قبل عامين من الآن كان اليأس والقنوط وفقدان الأمل هو الشعور السائد لدى الخيرين من العراقيين بسبب أستفحال قوى الفساد وسيطرتها على كل مفاصل البلد الأساسية حيث سخرت كل أمكاناتها وأسلحتها وأموال الشعب المنهوبة لأشاعة المذهبية الطائفية وأستخدامها كستار لمنهجها اللأخلاقي في سلب البلد وأستعباد الشعب ورهن مقدراته ومصيره بيد الجارة الشرقية (كومة حجار ولا هالجار)!.

حتى أن اسم الوطن والمواطن أصبح من الأشياء المنسية أو المحرمة، وتذكرنا هذه الحالة في حملة البعث الصدامي في القضاء على الحياة السياسية في العراق، والشروع في أستعباد الشعب وقتل الروح الوطنية لدى الشباب وربطهم بعجلة الحزب الحاكم والأب القائد، مستغلا من اجل ذلك كل أمكانات الدولة ومواردها لتحقيق مشاريعه الهمجية والشريرة في قمع الوطنيين الأحرار متناسياً أن حيوية وعنفوان الشابات والشباب الوطني في النضال لا يهدأ ولا يلين، فعندما حاصرنا النظام الحاكم وسدّ علينا كل طرق النضال والعمل السياسي، بادر شباب العراق الثائر، رغم كل الجراح التي أصيب بها، الى أعتلاء جبال كردستان، متحملين كل ظروف الحياة الصعبة والقاسية والبعيدة، راسمين خطاً نضالياً جديدا، هو طريق الكفاح المسلح المتمثل في  حركة  الأنصار  الشيوعيين.  

خضنا المعارك ونصبنا الكمائن لقوى الأمن والمخابرات، وأقتحمنا المدن ولم نُصب بالكلل أو الملل على الرغم من تضحياتنا الجسام التي قدمناها من أجل قضية الشعب وعزة الوطن منذ ذلك اليوم وحتى سقوط النظام المقبور. 

فالتاريخ يعيد نفسه من جديد، ولكن بأيدي وأساليب مختلفة، مستبدلا العمامة بدل السفاري البعثي والفكر القومي الشوفيني بالمنهج الطائفي المقيت، ومعززة هذه المرة بأشاعة الفساد المالي والأداري الذي تجسد في نهب موارد الشعب وبروز السلاح المنفلت وتشكيل المليشيات المجرمة التي أستخدمت كأذرع ضاربة لكل صوت وطني حريص على شعبه، حتى أصبح أكثر من 33% من الشعب تحت خط الفقر، بالاضافة الى اشاعة الأمية والجهل بين الناس، واجبروا حتى الأطفال على النزول الى ميدان العمل سعياً لكسب لقمة العيش.

كما تخلفت الرعاية الصحية حتى أصبحت المستشفيات عبارة عن مسالخ بشرية لا جدوى منها، وفُقدت الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء وتعبيد الطرق والمجاري.... وغير ذلك الكثير، وترافق ذلك مع أستخدام أساليب القمع الوحشية التي وصلت الى حد القتل والخطف والسجن والتعذيب لكل من يرفع صوته محتجا على البؤس والحرمان، وتناست أو أغفلت الطغمة الفاسدة بأن هذه الأسباب مجتمعة، ستكون الشرارة التي سترسم ملامح الخلاص منهم، لأن الشعب في نهاية الامر، يسعى لأن يعيش حياته بالشكل الأمثل، أي حياة توفر له العدالة والكرامة الانسانية. 

عندما اصبح الحال في العراق وفي كافة المجالات السياسية والامنية والمعيشية سيئا جدا، ولا يحفظ للعراقي الحد الادنى من حقه كمواطن، تفجر الغضب الجماهيري تحت راية أنتفاضة تشرين الباسلة، وأضحت الأنتفاضة عبارة عن ملحمة نضالية عظيمة جسدتها سلميتها رغم ملايين الحشود التي خرجت في سوح النضال على أمتداد العراق، وكانت لهذه الأنتفاضة كسابقاتها من الأنتفاضات أن تدفع الثمن، لأن للحرية ثمن لابد من دفعه، فكانت التضحيات كبيرة جدا، وتجاوزت المئات من الشهداء والالاف من الجرحى، ناهيك عن المعتقلين والمختطفين والمشردين، وهذا يذكرنا نحن في حركة الانصار الشيوعيين، الذين دفعنا الثمن غاليا، وقدمنا الكثير من الدماء الزكية من اجل حريتنا وحرية شعبنا ووطننا.

ما حققته الأنتفاضة يعد طفرة نوعية، فهي من اسقطت الحكومة واستبدلت المفوضية وفرضت أقامة أنتخابات مبكرة، كما أنها إيقضت الشعور الوطني وبعثت الأمل في أحداث التغيير، ألا أن أساليب القمع القذرة والظروف الصحية بسبب كورونا وعدم تنظيم الثوار أدى الى أخماد سعيرها. ولكن كل هذه الظروف الصعبة لن تطفأ شعلتها أو تقضي عليها لأن أسباب أندلاعها مازالت قائمة، لا بل أضيفت لها أسباب كثيرة جديدة وفي مقدمتها قتل المتظاهرين وكشف المستور من أساليب الفساد وبروز الخلافات الحادة بين أقطاب الحكم، كما أن أنسداد الأفق في تحقيق الخلاص مازال قائماً. لذا أن تجدد الأنتفاضة حتمياً وسيكون أقوى، لأن قاعدتها الشعبية المتضررة أتسعت كثيراً، وقواها المحركة أصبحت أكثر وعياً وتنظيماً، والذي يجب أن يتعزز اكثر، هو أجراء الحوارات مع القوى المدنية والديمقراطية لإيجاد قواسم مشتركة للنضال، وانضاج هذا الحوار الى مستوى التحالف بحيث يصبح الرافعة الثورية الممنهجة لتحقيق أهداف الأنتفاضة الكاملة، والتي عنوانها أجراء التغيير والقضاء على نظام المحاصصة الطائفية ورسم الطرق الصحيحة لبناء عراق حر وديمقراطي.