كان كل من يتابع طريق الشعب الجريدة المركزية لحزبنا الشيوعي العراقي ينتابه العجب والتساؤل عن كيف تكون الصفحة الأولى موضوعا عليه إسم الجريدة وشعارها باللون الأحمر، وكذلك عنوان المقال الإفتتاحي وجزء من الصفحة الأخيرة، بهذا اللون، وباقي الصفحات باللون الأسود، هذا اولا، وكيف تسنىى للورقة الواحدة بحجم A4، أن تطبع من الوجهين؟. كان الجواب ممتعا عند الرفيق عباس، الذي يسحب آلة الرونيو، حيث قال: انا أشغل 1% من عقلي فأحصل على هذه النتائج.

  إضافة لذلك، فقد كانت هناك مجموعة من العوامل التي وقفت وراء هذا الإنجاز الفني المدهش في حينها، رغم إن المكان الذي يتم فيه العمل يقع على مسافات شاسعة من المدن وتعاملها مع تقنيات الطباعة وفرز الألوان، فالعمل ينجز بين الجبال ووديانها، الا إن همة الرفاق العالية، وتفكيرهم المستمر بكيفية تطوير عملهم، وإنجازه بالشكل الناجح، كان وراء تلك النتائج الجيدة.

 فقد كان الرفيق الفقيد ابو عليوي يقوم بطباعة مواد الجريدة على آلة الطباعة الكاتبة وهي صغيرة الحجم، ولكن إبداعات الرفيق الفقيد تحولها الى آلة جبارة، لا تعصى عليها التكنولوجيا، ثم يتلقف الرفيق الفنان المتعدد المواهب ابو الصوف، المواد المطبوعة، ويصمم على أساسها العدد، ويقوم بخط العناوين، وتحديد لون كل عنوان وكل مادة، ثم يأتي دور كل من الرفيق آراس، والرفيق عباس في فرز الألوان وفي السحب.

  وتدخل التكنولوجيا على خط الإنتاج بواسطة (الفوتوستينسل)، وهو نوع من الستينسل، يسمح بفرز الألوان، وينقل اليه التصميم بواسطة جهاز خاص الكتروني، يقوم هذا الجهاز الألكتروني، بنقل التصميم الى الفوتو ستينسل، بعمل يشبه ما تقوم به الآلة الكاتبة، في الطبع على ورقة الستينسل العادية، مع الإختلاف بالدقة ونضافة المطبوع، فالفوتو ستينسل هذا هو ليس ورقا، فهو من مادة شبيهة بمادة السيليلوز، ويتم نقل التصميم عن طريق الشرارة الكهربائية، التي تتمم العمل على أكمل وجه، هذا التكنيك سهل عملية التصميم والإنجاز. ثم يركب الفوتوستينسل على رونيو عادي ويقوم الرفيق عباس بسحبها على وجهي الورقة حسب المطلوب. ثم يأتي دور بقية الرفاق في ترتيب الصفحات وكبسها، ويتم توزيعها.

وفي نشاط آخر، كلفت طريق الشعب السرية النحات العراقي الرفيق مكي حسين/ أبو بسيم بطبع تقويم سنوي لعام 1982م، وبدوره طلب النصير أبو بسيم من الرفاق العاملين في الاعلام المركزي وهم: ((ابو الصوف، عباس، آراس، ومن بعيد يطل الفقيد ابو عليوي، ابو جواد، ابو نصير، والفقيد فالح عبد الجبار وغيرهم)). بمساعدته على انجاز هذه المهمة.

ومن اجل تسهيل العمل، عملوا مكتب للرفيق أبو بسيم (ميز)، تم العثور على مادته الأولية من بقايا (كرتان)، والكرتان هي كلمة كردية لتعبر عن الخرج الذي يوضع على ظهر البغل، أو الحمار لنقل البضائع والأحمال لنقلها. وقد تمت صناعة المكتب بجهود مضاعفة من الرفيق صارم آمر فصيل الإعلام وبقية الرفاق مهندسي الإذاعة، فاصبح لدى الرفيق الفنان ابو بسيم مكتبا معتبرا رغم بساطته.

 يعتكف ر. ابوبسيم لتصميم التقويم (الكالندر)، ويخصص لكل شهر ميلادي صفحته الخاصة، ويتم البحث عن الأرقام التي تمثل تاريخ كل يوم من كل شهر، وتأتي الأرقام تباعا يحملها البريد الحزبي، ويضم التقويم الأحداث التاريخية العراقية والأممية، ويوضع الحدث في تسلسله التاريخي، بيومه وشهره، وتثبيت السنة التي حدث فيها، كان سفر ممتع ورائع، فقد كان التصميم الفني واللوحات تتناسب مع تلك الأحداث، ورسمت لوحة فنية جميلة كغلاف للتقويم، تزينها قصيدة جميلة للرفيق النصير الشاعر عواد ناصر التي مطلعها:

        هزي اليك بجذع النخل

        يا...أمرأتي التي يغفو العراق

        على ظفيرتها………..

وكان الممتع في الموضوع هو التقرير اليومي عن مراحل الإعداد، الذي يتطوع بتقديمه كل واحد منا مع تعليقات الرفيقان الظريفان ابو الصوف وعباس والضحكات الرائقة من الرفيق ابو بسيم.