أن تجربة النصيرات الشيوعيات في صفوف قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي، تجربة نادرة تستحق أكثر من وقفة، ليس لغرض التأمل فيها، وإنما لدراستها ونشر دلالاتها ودروسها ومعانيها ليتعرف أكثرأبناء شعبنا ورموزه الثقافية والفكرية ومناضلاته ومناضلية من مختلف القوى السياسية والأجيال الجديدة الشابة على هذه التجربة الغنية التي تشكل تأريخاً مجيداً ومشرقاً لنضال المرأة العراقية في صفوف قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي للخلاص من الدكتاتورية ومن أجل الحرية والتحرر والديمقراطية وبناء دولة القانون وإقامة النظام الديمقراطي التعددي الفيدرالي .

في هذه المقالة لا أتحدث عن قضايا نظرية أو امور يتم تناولها عن بعد، وإحياناً يكون التناول بهذه الطريقة قاصر أو مشوه يعتمد على السماع والنقل الغير دقيق. وإنما أتحدث عن معايشة لعدة سنوات في صفوف أنصار قوات الحزب الشيوعي العراقي وكشاهد حي على تلك المآثر النادرة، المآثر التي خطتها تلكن المناضلات البطلات اللواتي إنخرطن في الكفاح المسلح الذي تبناه الحزب في أواخر السبعينات من القرن الماضي كأسلوب نضالي فرضته تلك الظروف للخلاص من الدكتاتورية ومن شرورها التي جلبت للشعب والوطن المآسي والدمار والحروب والحصار والأحتلال .

الكفاح المسلح أحد أشكال النضال التي إعتمدها الحزب في عام 1979 ضد الدكتاتورية، فهو لم يكن نزهة عابرة أو رغبة أو عاطفة، وإنما وعي وممارسة عملية يتجلى فيها الثبات الفكري وقوة الأرادة وصدق الأنتماء ونكران الذات وتضحية وفداء، فهو قناعة بالفكر والخط السياسي الذي إنتهجه الحزب وبهذا فقد أكد الشيوعيون العراقيون أن عضوية الحزب تعمد بالدماء وبالنضال الصعب وتحمل الصعاب والمخاطر. لهذا فقد إنخرط في قوات الأنصار رفيقات ورفاق أشداء وكانوا في عمر الزهور وكثير منهم يحمل الشهادات العلمية العالية ومؤهلات مهنية متنوعة، تركوا وظائفهم وصفوف الدراسة وإلتحقوا مع حزبهم لخوض أصعب أشكال النضال وهو الكفاح المسلح .

لم أكن مبالغاً إذا قلت أن الرفيقات النصيرات الشيوعيات أبدين مقدرة عالية في تحمل الصعاب وما أكثرها من قساوة الطبيعة والمناخ وكثرة الثلوج والسير الطويل في الليل والسهر والجوع والتعب والمواجهات العسكرية وخوض المعارك، فكن يتحلين بالشجاعة النادرة والصبر ونكران الذات والتضحية وإستشهد العديد منهن سواء في مواجهات عسكرية غير متكافئة أو في مهام نضالية حيث إستشهدت الرفيقة أحلام والرفيقة انسام موناليزا كما إستشهدت النصيرات البطلات الرفيقات أم ذكرى وأم لينا حيث كلفهم الحزب بمهام في عمق الوطن . وهناك أسماء من النصيرات تركن أثراً كبيراً في أوساط الجماهير الكوردية وفي المناطق التي عملن فيها ومن هذه الأسماء التي أصبحت مفخرة للشيوعيين العراقيين وأذكر على سبيل المثال الدكتورة أم هندرين التي قدمت من موسكو مع ابنتها نداوي التي لا يتجاوز عمرها آنذاك الخمس سنوات وعاشت مع والدتها ووالدها تلك التجربة القاسية، لقد عرفت جماهير قرى منطقة زيوة والعمادية الدكتورة أم هندرين وقد أنقذت الكثير من حالات مرضية خطرة أو حالات عسر الولادة وكان يزورها الكثير من بنات وأبناء القرى طلباً للدواء. ولن ينسى أنصار قاطع بهدينان كيف إنها أنقذت ومعها رفيقها الدكتور أبو تضامن حياة النصير دولفان عندما أصيب بطلقات مميتة في ساقه عندما كان مشاركاً في العملية العسكرية في ديرالوك وعندما طلبت الرفيقة من الأنصار التبرع بالدم لأنقاذ حياة الرفيق دولفان لقد تزاحم الكثير للتبرع بالدم لأنقاذ حياة رفيقهم وقد تطابق معه دم الرفيق منذر فكانت أسعد لحظات انسانية عاشها الرفيق منذر عندما تبرع بدمه وأنقذ حياة رفيقة ( بلا شك أن سعادة الشيوعيين تتميز بطابعها النضالي والأنساني ) وفي منطقة بارزان في أربيل كانت تتحدث جماهير القرى عن براعة النصيره الرفيقة الدكتورة ساهرة التي أنقذت حياة الكثير وقدمت للجماهير الأدوية والعلاجات في الوقت الذي أغلقت فيه الدكتاتورية المراكز الصحية في المناطق التي يسيطر عليها الأنصار فكانت محط إعتزاز وتقدير جماهير القرى. وهناك نصيرات قضين قرابة العشر سنوات في الكفاح المسلح من يسمع بأسمائهن ينحني لهن إجلالاً وإحتراماً إنهن مفخرة ورموز نضالية يحتذى بها. منهن النصيرة الرفيقة أم نصار وكانت مع زوجها الرفيق أبو نصار والرفيقة منى زوجة الرفيق أبو آذار وهي بنت القائد الشيوعي الأنصاري البطل الرفيق توما توماس ووالدتها والرفيقة أم بدر وزوجها الرفيق أبو بدر وسميرة وزوجها وليلى ره ش ومعها زوجها وسمر وزوجها الرفيق أبو نسرين وشهلة وزوجها الرفيق أبو علي والدكتورة سعاد ومعها شقيقها منار التي عرفت بنشاطها السياسي والتثقيفي للنساء في القرى الكوردستانية المجاورة للقاطع والرفيقة أم علي التي كان معها ولديها وزوجها والنصيرات البطلات الرفيقات أم أسيل ورفيق دربها الرفيق أبو داود وأم رافد وزوجها الرفيق أبو رياض وبهار وزوجها أبو الطيب وأم ثائر في سوران وكان معها ولديها وزوجها والنصيرة فاتن (أم محمود ) في سوران مع زوجها والمئات من المناضلات.

وفي أول سرية عملت بها كانت معنا نصيرة بطلة إسمها تانيا وزوجها الرفيق ملازم رياض لقد كانت مثالاً للشجاعة والأقدام وقد كلفها مكتب السرية بمهام عسكرية كثيرة وكانت محط تقدير وإعتزاز النسوة في القرى وكن يتحدثن عنها في المناطق التي تتواجد فيها السرية وعن جرأتها وكن يتمنين حمل السلاح مثلها وهناك بطلات في الفوج هن في ذاكرة الأنصار وقدمن الكثير للحركة الأنصارية بعضهن أصبحن أسماء لامعة في القرى وفي الحركة الجماهيرية النسائية في منطقة عمل الفوج أمثال النصيرة الرفيقة البطلة أم عصام ومعها زوجها الرفيق أبو نصير الذي إستشهد في عام 1993 والنصيرة الرفيقة أم أمجد ومعها زوجها الرفيق أبو أمجد والنصيرات البطلات الرفيقة بلقيس ومعها زوجها الرفيق سمير والرفيقة زينة ومعها زوجها الرفيق أبو عماد والرفيقة نادية ومعها زوجها الرفيق ملازم آزاد والرفيقة كنار وزوجها الدكتور باسل الذي كان بحق دكتور جوال ويزوره العشرات من أبناء القرى لعيادته طلباً للدواء والعلاج وهناك أسماء في الأنصار أصبحت وجوه جماهيرية أمثال الرفيق الشهيد الدكتور عادل لقد بكت علية جماهير القرى عندما إستشهد هذا الرفيق البطل لقد أنقذ حياة العديد من الأطفال والنساء والرجال. والشهيد أمين الذي عرفته جماهير دشت الموصل بطلاً والشهيد أبو نصير والشهيد أبو ماجد كانوا وجوه لامعة يفتخر بها كل شيوعي وهي محط إعتزاز وتقدير جماهير القرى والدشت .

فكان الأنصار والنصيرات يحضون بأحترام وتقدير القرى التي يتواجدون فيها فأصبحت العلاقة قوية وطيدة حيث قاتل الأنصار لأيام عدة دفاعاً عن بعض القرى التي تعرضت لهجمات عسكرية وقدموا الشهداء من أجل الحفاظ على أرواح وممتلكات أهل القرى التي تعرضت للهجمات إضافة للدور الأنساني في المجال الصحي الذي قامت به الطبيبات والأطباء الأنصار . فكانت جماهير القرى في تفاعل مع سرايا الحزب الشيوعي العراقي وتشعر بالأمان عندما تتواجد المفارز في مناطقها فتهيأت أرضية مناسبة للنشاط السياسي بين بنات وأبناء القرى وتكونت الركائز بما فيها الركائز المسلحة في أوساط الجماهير، وقد حققت حركة الأنصار نجاحات كبيرة في إعادة تنظيمات الحزب وبدأت تهيئ مستلزمات تعريق الكفاح المسلح ولمس النظام الدكتاتوري تعاظم نشاط قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي حيث أصبح الدخول إلى بعض المدن والأقضية والقصبات في كوردستان أمراً سهلاً، ووصلت إشارات من العديد من العسكرين في بعض المواقع وقادة الجحوش بالتعاون مقابل عدم توجيه هجمات عسكرية عليهم. أن حركة الأنصار الشيوعية قد أعادت الحياة للحزب بعد الهجمة الشرسة التي تعرض لها في عام 1978 ومكنت الحزب من إستعادة نشاطه ودوره السياسي وحضوره الفاعل في الأحداث والتطورات وكان في مقدمة ذلك الحضور إضافة لقيادة الحزب آنذاك ومعها الجمهره الواسعة من النصيرات البطلات التي خصتهن هذه المقالة والتي تم ذكر بعض الأسماء وهناك أسماء اخرى كثيرة ومعهن أولئك الرفاق الشباب الأنصار الشجعان الذين تصل أعدادهم إلى عدة آلاف ومعهم أبطال العمل السري والرفاق الناشطين السياسين في الخارج .

فأنصب حقد النظام الدكتاتوري عليهم ولخوفه من تعاظم نشاط قوات الأنصار فوجه ضربتين كيمياويتين الأولى في حزيران عام 1987 والثانية في آب/ 1988 ولكن لن يتمكن من النيل من إرادة الأنصار ودورهم وتأريخهم وستبقى حركة الأنصار تجربة حية تشكل صفحة مشرقة لنضال الشيوعين العراقيين .

ولا توجد قوى أو شخوص على الأرض تستطيع النيل من هذا التأريخ المشرق الذي سيخلده الشعب وستكون هذه التجربة في ذاكرة الأجيال القادمة التي خاض غمارها مناضلات ومناضلين أشداء من أعضاء حزب فهد وسلام عادل. أما الذين يحاولون النيل من الأنصار ويشوهوا نضالهم سواء عن قصد أو عن غباء فأنهم ناقصي فكر وسياسة ووعي وتجربة وقد يكون لهم تأريخ مشوه وبلا شك إنهم أقزام مهما طال بهم العمر الزمني لأنهم يتجاهلون دور المرأة في النضال السياسي والأجتماعي وفي بناء الوطن ودورها في قيادة الدولة من خلال المشاركة في مؤسساتها وإنهم يسيئون لنفسهم ولن يتمكنوا من النيل من الأخت والأم والزوجة والأنسانة المناضلة .

النصير الراحل فالح عبد الحسن/ ابو الندى