إلتحقت بالحركة الانصارية لحزبنا الشيوعي العراقي في وقت مبكر (منتصف نوفمبر من عام 1979)، كنت والكثير من الرفاق، نعتقد وبشكل لا يقبل النقاش، بأنّ مرحلة وجودنا هنا بين جبال ووديان كردستان، هي مرحلة مؤقتة ولن تستغرق الا فترة قصيرة، وسوف تُحل المشاكل السياسية داخل الجبهة الوطنية مع حزب البعث، ونعود الى أهلنا واحبتنا، الى مواقع عملنا، الى مدننا الحبيبة وحياتنا الاعتيادية التي كنا نعيشها  .

كانت الاعداد الملتحقة بالحركة من خارج العراق وداخله تزداد بأضطراد، والغالبية العظمى من الانصار هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الستة عشر والثلاثين، جاءوا من بلدان مختلفة، ومن محافظات العراق كلها، ومن جميع القوميات والطوائف والاديان، ملبين بذلك نداء حزبهم بحمل السلاح ومواجهة النظام الصدامي المقبور.

في بداية عام 1980 وصلنا خبر أسعدنا كثيرا وأثلج صدورنا وجعلنا نطير من الفرح ونشعر بأنّ الحياة الانصارية ستكون أكثر انسانية واقل وحشة، هذا الخبر هو قرب إلتحاق الرفيقات بالحركة الانصارية، فحلقنا لحانى وتطيبنا بالعطور ورتبنا أنفسنا لأستقبالهن.

في اللحظات الاولى من وصول الرفيقات صدمنا كثيرا، حيث لم نرَ ما كنا ننتظره أو نحلم به، الفتاة، المرأة، بملابسها الزاهية والفاتنة، بل ما شاهدناه هو نساء بملابس البيشمركة، تلك الملابس التي تخفي ملامح المرأة الانثى كما هي في الحياة الاجتماعية الاعتيادية، كما تم زجهن فورا بالواجبات اليومية المختلفة، من مناوبة على الحراسة وخدمة رفاقية (أعداد وجبات الطعام، صباحا وظهرا ومساء) وتحضير الخبز وجلب الحطب، علما بأن جميعهن جئن من المدن ومن خلف مقاعد الدراسة أو من الوظائف الرسمية أو من خارج العراق ولا يعرفن شيئاً عن هذه الحياة الجديدة والقاسية والمختلفة تماما. وبالأضافة الى تلك المهمات اليومية التي انخرطن بها، شاركن أيضا بالمفارز الجوالة التي تقدم الخدمات في مجالات مختلفة كالندوات السياسية والتوعوية وتقديم الخدمات الطبية لاهالي القرى الذين يفتقرون الى كل شيء، كما شاركن في المفارز القتالية وكان لهن دورا مشهودا بذلك.

وكنّ حقا اهلا لكل هذه المهمات الصعبة. وكنّ محط دهشة واستغراب بيشمركة الاحزاب الكردية بالأضافة الى دهشة أهالي القرى الكردية، فاصبحت النصيرة الشيوعية محط أعتزاز وتقدير القاصي قبل الداني . لقد كان لوجود النصيرة الشيوعية صدى ايجابي كبير عند الاهالي من بنات وابناء القرى التي تمر بها مفارز أنصار الحزب .

لم يدر بخلدنا ابدا ولم تتم توعيتنا، من خلال الرفاق او الرفيقات الأكبر سناً منا، بأن للرفيقات النصيرات (للمرأة عمومآ)، ظروف (صحية خاصة..............)، ينبغي علينا مراعاتها وتفهم معاناتها وحساسيتها، واعفائهن على سبيل المثال من الواجبات اليومية والاهتمام بهن من خلال توفير التغذية الصحية الجيدة والأدوية اللازمة والملابس الخاصة. ولكن وللأسف الشديد وبسبب من خلفيتنا الاجتماعية التي ترعرعنا وتربينا عليها، لم نكن من خلالها نعرف عن المرأة شيئاً سوى دور الأم أو الأخت، التي تعد الطعام وتنظف البيت وتعتني بالعائلة، أما ما تعانيه صحياً (بايلوجيا) فلا نعرف عنه أي شيء، بالاضافة الى أن الغالبية العظمى هم شباب غير متزوجين والكثير منهم لم تكن لديه تجربة عاطفية أو غير ذلك.

لذا كان النصير يتعامل مع رفيقته النصيرة من منطلق المساواة بالعمل اليومي، وينظر البعض منهم الى معاناتها اليومية وكأنها من باب الدلع أو التهرب من العمل، حيث كان النصير يقوم بأيقاظ رفيقته النصيرة في ساعات مختلفة من الليل للمناوبة على الحراسة ولم يكن لديه أي معرفة أو دراية عن معاناتها. كما لم يتجرأنّ الرفيقات النصيرات على شرح قضيتهن والتعريف بمعاناتهن، وتقبلن كل ما جرى لهن وذلك من اجل الحفاظ على دورهن المشهود في الحركة الانصارية .

بالاضافة الى كل ماتقدم، كانت الرفيقة النصيرة تعاني أيضا من أمر لم نشعر به ولم نهتم لأمره يومها، الا وهو، كيف يمكنهن غسل وتنشيف الملابس........!، حيث كن يخفينها وبغاية الصعوبة بين الصخور وعلى الاعشاب بعيدا عن أعين  الاخرين.

كما كان الانصار المتزوجون يعانون الكثير الكثير، فلا يوجد لديهم مكان ينامون به كزوج وزوجته في أغلب الأوقات، وإذا توفرت غرفة يقومون بتقطيعها بين مجموعة من العوائل المتواجدة عبر تعليق البطانيات، كما لا يمكنهم انجاب الاطفال (عدا بعض الاستثناءات) بسبب الظروف التي تمر بها الحركة الانصارية في جبال كردستان والى غير ذلك من المبررات والصعوبات.

يمكنني القول وبكل فخر وبكل ثقة بان النصيرة ليست كباقي النساء، انها من معدن خاص، من الفولاذ وآقوى بسبب مما عانته وما تحملته اثناء تلك المرحلة النضالية الطويلة والتي وبصدق لم نلمس منها اي ضعف أو تذمر، بل على العكس من ذلك، كن يتسابقن على المهمات الصعبة ويتألمن كثيرا في حال عدم اشراكهن في هذه المهمة او تلك .

لننحني بكل اجلال واكبار وبكل اعتزاز وتقدير امام الرفيقات النصيرات الشيوعيات العراقيات، وامام تجربتهن الرائدة والمميزة والمعقدة في الحركة الكفاحية المسلحة في جبال كردستان وتضاريسها القاسية، لا بل الاستثنائية والتي لم تعشها أو تمر بها أية امرأة في هذا الكون. سيسجل التأريخ أسماء النصيرات بحروف ناصعة ومطرزة بالذهب.

المجد كل المجد لكنّ أيتها الرفيقات النصيرات العزيزات الشجاعات. المجد والخلود للشهيدات اللاتي ضحين بارواحهن من اجل القضية العادلة. المجد للراحلات وتاريخهن النضالي. وللجميع باقات من الورود.

النصير الشيوعي العدد 17 السنة الثالثة كانون الأول 2023