انتهى الرفاق من بناء قاعة السرية الاولى في قاعدة بهدينان في نهاية شهر كانون الثاني 1980 وبمساعدة من السجين (كلش) المسجون لدى الحزب الديمقراطي الكوردستاني (حدك) والذي كان اسطة في البناء، وكنا نجلب له الحجر ونوفر الطين والخشب وغير ذلك من مستلزمات البناء.

كانت القاعة كبيرة وتستوعب قرابة 30 رفيقا بعد ان كنا مكدسين في القاعة المجاورة التي اصبحت لاحقا مقرا للطبابة. وهي قاعة صغيرة اهداها لنا الحزب الديمقراطي الكردستاني في بداية تواجدنا في قاطع بهدينان. اما القاعة الجديدة فعلى الرغم من سعتها واستيعابها للرفاق الذين بدأوا بالتوافد الى القاعدة، لازالت رطبة وندية وخاصة نحن في فصل الشتاء القارس.

تم وضع صوبة (مدفأة) خشبية واحدة في وسط هذه القاعة الكبيرة، وهي لم تكن بالتاكيد كافية لتدفأتها، كما فرشنا ارضية الغرفة الرطبة والباردة جدا بالنايلون غير السميك. اما الابواب والشبابيك فكانت من صنع وعمل الرفيق الشهيد ابو علي النجار الذي كان يستخدم لذلك اغصان الاشجار والنايلون.

تم تسليم ثلاث بطانيات خفيفة لكل رفيقين، واحدة تفرش تحتهما اضافة الى بطانية لكل منهما كغطاء. لم  نستطع النوم ليلا بسبب شدة البرد، حيث كانت درجة الحرارة في الخارج تحت الصفر والثلوج كانت تنهمر بغزارة ودون انقطاع، وكنا نتمنى بزوغ الفجر حتى ننتهي من هذا العذاب.

كعادة الشيوعيين وولعهم بالنظام والانضباط تم تخصيص ساعة حراسة لكل نصير، وذلك بعد حلول الظلام، رغم اننا لا نملك اية بندقية للدفاع عن انفسنا، وكذلك تم تخصيص ساعة قراءة اجبارية يتخللها صمت اجباري تبدأ في الساعة الثامنة وتنتهي في الساعة التاسعة مساء.

الشهيد ابو سلام نفط زود القاعدة بثلاثة فوانيس نفطية موزعة في يمين ووسط ويسار القاعة. كنا نتجمع خمسة او ستة رفاق تحت كل فانوس لتبادل الاحاديث او تناول العشاء او القراءة في الاوقات المحددة.

كانت اعداد الكتب قليلة في البداية، وكنا نسجل اسماءنا في الدور للحصول على كتاب او مؤلف ما. كانت اغلب الكتب رغم شحتها ماركسية _ لينينية مثل ((ما العمل- لينين، الدولة والثورة – لينين، الامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية – لينين، مرض الطفولية اليساري – لينين، البيان الشيوعي – كارل ماركس وفريدريك انجلس،  الحرب الاهلية الفرنسية – كارل ماركس، حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية – فهد، ديوان مظفر النواب – للريل وحمد وكتب اخرى لا اتذكر جميعها الان)).

الشهيد ابو كريم عكف على قراءة كتاب ماركس المشهور عن الحرب الاهلية الفرنسة الذي سلط فيها ماركس الضوء على كومونة باريس ( 18 اذار 1871 – 28 ايار 1871 ) والذي حلل فيه نشأة كومونة باريس والاسباب التي ادت الى انهيارها. هذه الكومونة التي كانت اول سلطة عمالية شيوعية عالمية دامت قرابة الشهرين.

في مقدمة الكتاب كتب فريدريك انجلس احد معلمينا وزميل ماركس هذه العبارة " في ال 28 من ايار سقط اخر مكافحي الكومونة على سفوح تلال بيليفي في النضال ضد قوى عدوة متفوقة " .

هذه العبارة يبدو انها اسرت عقل الشهيد ابو كريم ورنت في رأسه طوال الوقت. فبعد ان انتهى ابو كريم من قرأة الكتاب ( الحرب الاهلية الفرنسية لكارل ماركس ) بدء يردد هذه العبارة ... في ال 28 من ايار ... الى اخر العبارة، وكان يرددها بمناسبة او بدونها، وحتى انه كان يسأل الرفاق وبطريقته المرحة وخاصة المسؤولين منهم عن تاريخ كومونة باريس ومتى سقطت ولماذا!؟، ومن لم يستطع منهم الاجابة كان يقول له " لعد بس تعرف تكشخ براسي وتصير مسؤول وانت الكومونة متعرفها.

عبارات ابو كريم عن الكومونة جعلتني اتشوق كثيرا لقرائتها وان افضلها على غيرها من المؤلفات. منذ تلك اللحظة في احد ايام شهر شباط 1980 ولحد اليوم لم ولن انسى عبارة انجلس التي كان يرددها الشهيد ابو كريم (في ال 28 من ايار سقط اخر حاجز للكومونة واخر المدافعين عن  كومونة باريس على سفوح تلال بيليفي في النضال ضد قوى عدوة متفوقة) .

المجد للشهيد ابو كريم _ حاتم نمش

المجد للشهيد ابو سلام نفط - مرتضى عبد الامير

كلش - جاسوس للسلطة تم اعدامه من قبل حدك في اذار 1980