بعد الهجوم الكيمياوي مباشرة والذي قام به نظام صدام الفاشي على مقرات حزبنا الشيوعي وبالذات على مقر المكتب السياسي في (كلي زيوة/ بهدينا) يوم 5 / 6 / 1987 الساعة السابعة مساء، مستغلآ بداية الغسق، بأربع طائرات كانت تشكيلآ جويآ مختارآ سواء في نوعية الطائرات الحديثة، آو على صعيد الطيارين أنفسهم.
تكونت في مكان الآنفجار الرئيسي غيمة رمادية سرعان ما تحولت الى اللون الأصفر، ثم الى اللون الآسود، حيث كانت تهبط على المقر بصورة بطيئة نسبيآ، وكان تصورنا عن السلاح الكيمياوي، ومدى معرفتنا به، تكاد تكون معدومة، عدا بعض المعلومات الغامضة وينقصها اليقين، من قبيل الصعود الى مكان آعلى في الجبل، ولهذا بدآنا وكنا أربعة رفاق بصعود الجبل، حتى وصلنا الى منتصفه، فتوقفنا لغرض الأستراحة، ودار بيننا نقاش بيزنطي، تعددت فيه الأسئلة ووجهات النظر، هل انها ضربة كيمياوية أم قصف اعتيادي، كما هو الحال في كل مرة، وأحيان عدة مرات في اليوم الواحد؟ وأخيرآ تبلور رأي خاطيء من الأساس، لآنه إلتحف العقلية الريفية، وسيادة العادات والتقاليد المتخلفة.
تركز النقاش على موضوعة (ماذا سيكون موقفنا، وموقف الرفاق منا، إذا لم يكن القصف كيمياويآ، بل قصفآ عاديآ ؟)، وتوصلنا الى الآستنتاج التقليدي بآن الآفضل لنا هو آن ننزل من الجبل، ونعود الى مواقعنا، ومقرنا الذي يتوسط الوادي، تفاديآ لنعتنا بالجبن آو التطير!، فعدنا من حيث تسلقنا، والعود هذه المرة لم يكن أحمد، وأخذنا نمارس أعمالنا المعتادة، ونستمع في نفس الوقت، إلى النظريات التي أبدع الرفاق تأليفها، فمن قائل أن القصف ليس كيمياويآ بدليل أن « البق » الذي كان يملأ جنبات المقر لم يمت وظل يتطاير بكل حرية، ونظرية أخرى مفادها أن الرائحة الكريهة التي نشمها، هي نتيجة لسقوط عدد من الصواريخ والقنابل في عيون ماء كبريتية قريبة من المقر، وثلاتة كانت تقول حتى لو كان كيمياويآ، فستدفعه الرياح بعيدآ عن المقر!، علمآ بأن مفرزة من الآتحاد الوطني الكردستاني « آوك » وبضمنها طبيبان وكانت ضيفآ على رفاقنا، آكدا بأن القصف كيمياوي، وقد استخدم ضد أحد مقراتهم قبل شهرين وسبب لهم خسائر كبيرة، لكن المسؤولين وخاصة المسؤول العسكري رفضوا النصيحة، وهذا التشخيص الدقيق، وأجابوا المفرزة بأننا نعرف (شغلنا) وهذا ليس كيمياوي!.
آصيب في هذا القصف ( 150 ) رفيقآ، بينهم ( 8 )، من قيادة الحزب واستشهاد الرفيق « آبوفؤاد » ثم تبعه الرفيق « آبورزكار ». كما آصيب الرفيق « خابور » بجرح بليغ فقد على أثره دماء غزيرة، وكذلك الرفيق « عباس ره ش » بشظية كيمياوية كبيرة.
كنا نسمع بـ « fm » الطيارين الذين كنا نشاهدهم بالعين المجردة، وهم يهنئون بعضهم، بأن أرض المعركة قد امتلآت بجثث (العصاة) وقضينا عليهم قضاء مبرمآ!.
المهم أن الجميع ناموا تحت ثقل الغيمة السوداء، فتشبعت آجسامنا بغاز الخردل الذي يشل الجسم تمامآ، يرافقه نزيف داخلي شديد، ويسبب آلامآ فوق طاقة البشر، وخاصة في العيون التي أصيبت بالعمى لآسبوع والبعض لآسبوعين، وكذلك كل المناطق الرطبة في الجسم، وبقيت بعض آثارها الى يومنا هذا. في الثانية أو الثالثة صباحآ جرى إيقاظنا من النوم بعد آن ثبت على الوجه الشرعي، أنه كيمياوي فعلآ، ولكن بعد خراب البصرة كما يقال، فبدأنا بصعود الجبل مرة آخرى، والكثير من المصابين لم يستطيعوا السير على الأقدام ، فاعتلوا ظهور البغال، وفي القمة الضيقة حشر هذا العدد الكبير من الرفاق.
كان من الممكن أن ننجوا من الأصابة نحن وغيرنا من الرفاق، لو بقينا في مكاننا الذي وصلنا إليه، وواصلنا الصعود الى قمة الجبل حيث مقر مفرزة الدوشكا الموجودة هناك.