تأسيس قاعدة هيركي وأول عملية انصارية - 6 / فارس فارس

انسحبنا الى عمق وديان جبال (الحفت طبقة) الكثيفة الاشجار, وصباحا قمنا بتابين الشهيد زبير والقى الرفيق صبري كلمة باسمنا, وطلبنا تقيم العملية ووافقوا على مضض, وطرح الرفيق الفقيد هشام يزيدي جميع ملاحظاتنا منذ انطلاق المفرزة حتى تلك اللحظة, ارتفع التقدير والاحترام لنا من البشمركة ورئيس عشيرتهم مصطفى نيروي بعد العملية! وابلغوا رفاقنا في قيادة الفصيل لاحقا بذلك, كانت الطائرات السمثية تجوب سماء المنطقة, وتم استبعاد حصول تقدم للجحوش وقوات النظام لان هذه المنطقة وعرة وعاصية!, فلم تقوم قوات النظام الا بتقدم واحد سنة 1978م على خط قرى هاركي السفلى والعليا وبياوة وسركاني للبحث عن مجموعة الشهيد الخالد محمود يزيدي ولم يجدوه فاعتقلوا بعض الشباب, ومزقوا كلك قرية سركاني وانذروهم في حال استخدامه مرة اخرى, ستكون العاقبة شديدة!! لهذا السبب كانوا يخفوه عن الانظار بحرص شديد!!.

 في ذلك النهار لأول مرة عرفت من الرفيق الفقيد هشام يزيدي بان الاخوة الايزيدين لا يعتمرون الجمداني الاسود والابيض, وفق عاداتهم, ان ذلك حرام بل يعتمرون الاحمر والابيض!, وكذلك يعاب على البشمركة ترك الجمداني في ارض المعركة!! فادركت حينها, لماذا هز يديه وراسه اثناء الانسحاب وحرصه على جلب الجمداني الذي وقع من راسه, وقال لي ما قاله حينها! وبذلك ايضا سلمت على عرقجيني وجمدانيي الجديدين!.

بتاريخ 24/8/1980م عصرا بدأنا الانسحاب من المنطقة, وتم ارسال مجموعة من البشمركة كاستطلاع لتامين مسيرة المفرزة للمكان الذي نتجه اليه, وعبرت هذه المجموعة نهر الزاب قبلنا ونصبت الكمائن لحين عبور الجميع وتم تغير مسير انسحاب المفرزة عن مسير القدوم بالتفاف طويل حول القرى والمواقع العسكرية حتى وصولنا الى منطقة استراحة جديدة وهي كلي ابو الصوندة, يبعد حوالي ساعة ونصف عن الكلي الذي نزلنا منه اول مرة (كلي لينك), تم تسمية هذا الكلي ابو الصوندة من قبل مفرزة هيركي بسبب وجود صوندة ماء طويلة تمتد من احد القطوع الجبلية التي تنضح ماء الى شكفتة (كهف) حيث حفرت داخل احد احجاره الكبيرة التي تشبه المرمر حفرة فاصبح مثل (حب الماء) فيتجمع فيه الماء للشرب, لأنه لا توجد اي ينابيع للماء في هذا الكلي, وللمفرزة الكثير من القصص والطرائف فيه, اتذكر منها اثنتين فقط, واحدة تخص الرفيق ابو سامر وكامرته السينمائية, والثاني تخص الرفيق الفقيد ابو اثير (محمد الصيدلي) نسردها مستقبلا, ولأجل ان لا ننسى فهناك قصص وطرائف حدثت لمفرزة هيركي في الجانب الاخر من الزاب اتذكر منها:- مغارة القنافذ, قطعان الخنازير البرية, عباس عفاروف ورفسة البغل, وليلة الزمهرير....الخ, واحداث وقصص طريفة اخرى حدثت في تلك الفترة, مثل:-- هدية السما عايدة ومها!, - عايدة وتسمية المولود الجديد!, - هدية الداخل بسام وابو انعام!, - ابو صليحة من ديرش ال رزوكة!, - شبح الشيوعية...يحوم حول العمادية!, - ابو براء والاسهال!, - عايدة ومها والملابس الكردية!, - ابو براء وجمداني عباس عفاروف!, - توفيق والكوبال!, - استشهاد اصابع ابو ولاء!, - الشهداء ابو عوف وابو حياة!, - النظام آيل للسقوط وصبري!, ....الخ.

عبرنا جبل لينك من مكان اخر عصر يوم 25/6/1980م, كان الطريق اطول واكثر وعورة وشديد الانحدار وفي القمة كنا نشاهد انوار مدينة الموصل كالسراب, قبل الدخول الى قرية كاروكة او كارة في الجانب الاخر من سلسلة جبال لينك, اوقف رئيس العشيرة المفرزة وخطب بهم خطبة لرفع المعنويات وان الشهادة من اجل القضية مفخرة وان روح الشهيد زبير باقية لا تموت, وقال في النهاية, اريدكم ان تدخلوا القرية كما يدخلها الحمار لأول مرة مرفوع الراس وهو ينهق!! نظرنا الى الرفيق الفقيد هشام يزيدي باستغراب وهو يترجم لنا هذا الكلام! هل حقا قال ذلك! قال نعم فهنا تضرب الامثلة من واقع الفلاحين!!!.

وصلنا مقرنا في 26/8/1980 عصرا, تحدثنا للرفاق المتواجدين ما حصل, كتب الرفيق ابو عوف (الدكتور علي ابراهيم) قصة بعنوان: "زبير يعود الى قريته" نشرت في جدارية "فجر النصير" تصدره اللجنة الثقافية او الاعلامية   لفصيل هيركي كما ذكرني بذلك الرفيق ابو وليد (علي بداي) في احدى تعليقاته على الحلقات السابقة, اتمنى لو الرفيق ابو عوف محتفظ بالقصة لنشرها.

رغم فشل العملية من الناحية العسكرية وخسارة الشهيد الخالد زبير الذي ترك اثرا كبيرا, الا انها كانت من الناحية السياسية والدعائية ذات مردودات ايجابية كثيرة, حيث كانت اعلان عن بدء النشاط المسلح الواسع ضد قوات واعوان النظام الدكتاتوري, الاعلان عن تواجد انصار الحزب الشيوعي العراقي في المنطقة لأول مرة, رفع معنويات الجماهير وتجدد الامل في مواصلة النضال ضد الدكتاتورية, التعرف على المنطقة وقراها واهاليها وايجاد بعض الاصدقاء الذين سيساعدون مفرزتنا في كثير من المهمات عند نشاطها اللاحق, ايصال رسالة الى رفاقنا واصدقائنا في مدينة العمادية عن وجود الحزب في مناطقهم حيث بدأت تباشير التحاق الشباب بنا بعد فترة قصيرة, زيادة الخبرة العسكرية والاستفادة من الاخطاء والنواقص بشان التخطيط والتنفيذ للعملية العسكرية وعدم الوقوع بنفس هذه الاخطاء لمرة ثانية, وطدت العلاقة مع حدك وازدياد ثقتهم واحترامهم لأنصار حزبنا .... الخ.

اعتبر وباعتزاز كبير فصيل هيركي المدرسة الاولى لي في حركة الانصار, تعلمت فيها من كل نصيرة ونصير شيء جديد وجيد, وتعرفت على اروع الرفيقات والرفاق الذين تركوا اثر ايجابي لا زلت افتخر للعمل معهم في تلك الفترة, وحيث عمل فيها الكثير من الرفيقات والرفاق ذوي الخبرة والتجربة الحزبية والنضالية واستشهد الكثير منهم لاحقا, ولا اريد ان اذكر اسماء الشهيدات والشهداء في هذا المنشور خوفا من نسيان احدهم ولكن بالضرورة ادعوا: ان ينسق نصيرات وانصار هيركي المتبقين فيما بينهم لذكر الجميع ونشر مناقبهم وبطولاتهم, كما لا بد من ذكر وارشفة جميع العمليات العسكرية التي قامت بها وهي كثيرة, وفي دفتري التحفة مذكورة اغلب العمليات حتى نهاية آب 1982م تاريخ مغادرتي لمفرزة هيركي التي لم استطع العودة اليها ومواصلة العمل فيها, حيث بعد عودتي من الكلية العسكرية الى كردستان في ايار 1984م, فوجئت بقرار قيادة القاطع نقلي الى الفوج الاول, تمردت للمرة الثانية على قرارات القاطع وطلبت عودتي لسرية هيركي وحاولت كثيرا وبقيت اسبوعين في مقر زيوة رافضا القرار, الا انه اخيرا اجبرت وبدون رغبتي للذهاب الى المكان الجديد وانطوى بحزن عميق والم شديد حلم العودة الى احضان هيركي البطلة.

لقد انجز نصيرات وانصار هيركي الابطال انجازات كبيرة وكثيرة حيث نحتوا في الصخر اسطورة وملحمة نضالية للحزب لا يمكن ان تنسى, في منطقة مجهولة بالنسبة لهم وبين اناس لم يلتقوا بهم سابقا والاغلب لا يعرفوا حتى لغتهم واطباعهم وتقاليدهم, فقدحوا زناد الكفاح البطولي والهبوا حماس الجماهير ومنظمات ورفاق واصدقاء الحزب في منطقة العمادية وزجهم بالحركة المسلحة لمواجهة اعتى نظام دكتاتوري فاشي في المنطقة والعالم وبإمكانيات بسيطة, كما فعل رفيقاتهم ورفاقهم الابطال في جميع ارجاء كردستان العراق وفي قرى ومدن ومحافظات الوسط والجنوب والعاصمة وفي خارج الوطن, كل حسب اسلوبه وامكانياته ليسطروا اروع الصفحات البطولية البيضاء النقية والمخضبة بتضحيات وآلام المناضلات والمناضلين وبدماء الشهداء لرفع راية الشيوعية وحزبنا عاليا.  انتهى