لماذا رشح عادل عبد المهدي رجل الادارة ... / منير الجلبي

لماذا رشح عادل عبد المهدي رجل الادارة الامريكية المفضل , واحد الاعمدة الاساسية للفساد الاقتصادي والسياسي في العراق, كرئيس لوزارة عهد الاصلاح الجديدة؟
منير الجلبي- محلل في المحاور السياسية والطاقة 2018/10 /8
قدم عادل عبد المهدي وبسرعة غريبة كمرشح لرئاسة الوزراء فور االانتهاء من انتخاب برهم صالح رئيس للجمهورية من قبل الاتلاف "غير المعلن" بين تيار "البناء" الذي يضم تيار الفتح للحشد الشعبي ودولة القانون والقسم الاكبر من تيار النصر والمحور الوطني من جهة, وتيار "الاصلاح والاعمار" الذي يضم تيار سائرون الصدري والحكمة لعمار الحكيم وقسم من النصر للعبادي في الجهة الاخرى, باعتبارهم على ما يظهر يمثلون الكتلة الاكبر في البرلمان ولتجنب الدخول في صراع بينهما حول احقية اي منهم منفردا كممثل للكتلة الاكبر وما قد ينتج عنه من انقسامات كانت ستكون نتائجها خطيرة فيما لو لم يتفق التياران المتنافسان.
فما هو الواقع خلف هذا الاختيار الغريب لشخصية كانت وما زالت منذ خمسة عشر عاما عامودا اساسيا في نظام المحاصصة الطائفية والفساد المالي الذي كان الصفة الاساسية للنظام البرلماني العراقي منذ دستور عام 2005 :
1-ان عادل عبد المهدي هو من حملة الجنسية الفرنسية التي اختارها بنفسه, وهو من اكثر الانتهازيين المتقلبين في حياتهم السياسية فهو من عائلة اقطاعية رجعية دخل في حزب البعث واشترك في جرائم الحرس القومي في انقلاب شباط عام 1963 ضد الحكم الوطني لعبد الكريم قاسم , ثم انتقل وانضم الى التيار الماركسي في بداية العقد السابع من القرن الماضي, غير انه سرعان ما انتقل الى الحركة الاسلامية عند قيام الثورة الايرانية واصبح احد قادة المجلس الاسلامي الاعلى بعد ان قربه في حينه قائدها محمد باقر الحكيم لاعتبارات عائلية وعشائرية وطائفية.
غير ان ارتباطاته الحقيقية كانت مع الادارة الامريكية والتي ترسخت بشكل متكامل مع الاحتلال الامريكي البريطاني للعراق, وانا كنت قد تطرقت بكثيرمن التفصيل في مقالات عديدة عن الماضي السياسي له وعلى الاخص بعد ان دخل كوزير للنفط في وزارة العبادي عام 2014 وتجنبا للاعادة يمكن للقارئ ان يراجع المقالات, كما تطرق كثير من الاخوة الاخرين الى هذا الموضوع.(2,3, 1 )
ان عادل عبد المهدي هو شخصية مقبولة جدا ومثالية للجانب الامريكي, وفي نفس الوقت لا اعتراض عليه من الجانب الايراني بسبب علاقاته السابقة بايران عندما كان عنصرا فعالا في المجلس الاسلامي الاعلى اثناء تواجد قيادته في ايران قبل الاحتلال الامريكي للعراق, على الرغم من معرفة الايرانيين بارتباطاته الوثيقة فيما بعد بادارة الاحتلال الامريكي .
2-ان عادل عبد المهدي هو الشخصية المفضلة بدون منازع عند مقتدى الصدر ليكون رئيس للوزراء على الرغم من ان التيار الصدري كان وما زال تيار وطني "يرفض الاحتلال الامريكي المباشر" للعراق. غير انه كان تيار يمتاز بالفقر الفكري لقياداته وارتباطاته العشائرية المتخلفة في تنظيماته وتطلعاته مما جعله يعتبر ان شخص كعبد المهدي احد اركان الاحتلال الامريكي والفساد المالي والانتهازية السياسية ممكن ان يكون قائدا لوزارة تقود عملية اصلاح جذرية لنظام سياسي ومالي فاسد كان وما زال عبد المهدي احد اركانه الاساسية .
اما السبب الثاني فهو ان الصدر يريد التخلص من سيطرة حزب الدعوة منذ عام 2005 على موقع رئاسة الوزراء, فهو لن ينسى جولة الفرسان عام 2008 على القوى الصدرية في البصرة والتي تامر فيها المالكي مع القوات الامريكية والبريطانية لضرب الحركة الصدرية في حينه. ان هذا جعله يعتقد ان عبد المهدي اصبح ضعيفا بعد انهيار تنظيم المجلس الاسلامي واستقالة عادل منه وانه يستطيع السيطرة عليه غير واعي لعلاقات عبد المهدي وتبعيته للادارات الامريكية واستعداده لتنفيذ اي من مطالبها على شاكلة اسناده لضرب القوات الامريكية للحركة الصدرية في النجف ومدينة الصدرعام 2004 عندما كان وزيرا للمالية في حكومة اياد علاوي التي عينها بريمر لادارة مصالح الاحتلال نيابة عن الادارة الامريكية في شهر ايار 2004 .
3-ان تكليف عبد المهدي لرئاسة الوزراء ياتي معارضا تماما لمطالب مرجعية السيد السيستاني, حيث ان مرجعية السيستاني كانت قد بينت موقفها حين قالت بان "المجرب لا يجرب" ودعت الى التخلص من الفساد في ادارة الدولة والى المجئ بوجوه جديدة لا يشتبة بفسادها وقوية لها استعداد لتنفيذ الاصلاح كما يضهر في البيان الصادر عن مرجعية السيد السيستاني بتاريخ 9 أيلول 2018 حين ذكرت "انها لا تؤيد رئيس الوزراء القادم اذا اختير من السياسيين الذين كانوا في السلطة في السنوات الماضية بلا فرق بين الحزبيين منهم والمستقلين، لانّ معظم الشعب لم يعد لديه أمل في أي من هؤلاء في تحقيق ما يصبو اليه من تحسين الاوضاع ومكافحة الفساد، فان تمّ اختيار وجه جديد يعرف بالكفاءة والنزاهة والشجاعة والحزم".(4)
غير ان جميع هذه الصفات لا ينطبق اي منها على عبد المهدي فهو كان وما زال احد اعمدة الفساد ويرتبط اسمه بكل ماسي الطبقات المعدومة منذ دخوله بغداد على ضهر الدبابة الامريكية في 9 نيسان 2003 وطيلة الخمسة عشر عام الماضية. فقد عينه بريمر وزير مالية في وزارة اياد علاوي, ووزير النفط في وزارة العبادي, وتم تعينه مرتين نائب لرئيس الجمهورية. وعلى ما يضهر فان الكثير من السياسيين الشيعه (ويحمل الكثير منهم صفات اهل الكوفة التاريخية !! ) يلعبون على السيد السستاني كما فعلوا معه عام 2014 عندما نصحتهم المرجعية بتغير المالكي فاتو بالعبادي كبديل اثبت انه اكثر سؤ من المالكي , وياتون الان بعبد المهدي كبديل لا يقل سؤ عن العبادي ان لم يكن اكثر سوءا؟
4-غير ان موقف تيار البناء بقيادة كتلة "الفتح" الممثلة الاساسية لمختلف تنضيمات الحشد الشعبي (باستثناء سرايا السلام الصدرية) كان الاكثر تعقيدا. فهذه القوى هي الاكثر اخلاصا ووطنية وشفافية في الساحة العراقية والتي اثبتته من خلال تصديها ودحرها للتنضيمات الارهابية كداعش وفدائيي صدام والنقشبندية والرايات البيضاء و و, فلقد كان موقفها من تكليف عبد المهدي اكثر تعقيدا.
اذ ان قوى الحشد الشعبي وقياداته الوطنية كابو مهدي المهندس والشيخ قيس الخزعلي والكثير من القياديين الاخرين يعلمون جيدا بارتباطات عبد المهدي بمخططات الادارة الامريكية واستعداده الكامل للعمل على ضرب قوى الحشد وزيادة التواجد العسكري الامريكي البريطاني المباشر في العراق. وبالتالي فان خطر عبد المهدي على مستقبل الحشد الشعبي و مستقبل العراق هو لايقل عن خطر العبادي ان لم يكن اكبر منه, فلماذا وافق تيار"فتح" على هذا التكليف بعد ان كان معارضا له؟
لكي نتفهم اسباب هذا الموقف علينا ان نفهم ان قيادات تيار الفتح تنطلق في نضرتها الى مستقبل الوضع السياسي العراقي من "ضرورة ايجاد ارضية مشتركة للعمل مع التيار الصدري" ذو الجماهيرية الواسعة لاسباب تاريخية. وهي بالتالي مستعدة للقيام بتنازلات صعبة جدا وتفهمها جيدا لمنع اي اصطدام بالتيار الصدري الذي يسيطر على كتلة سائرون. ولذا فهي حذرة جدا عند رسم مخططاتها السياسية لكي تتجنب اي اصطدام بالتيار الصدري, هذا الاصطدام الذي ان حدث سيساعد بشكل كبير المخططات الامريكية لاحداث مثل هذا الشرخ والذي سيمثل اكبر انتصار للمخطط الامريكي وسيساعده في تنفيذ ماربه للتخلص من تنضيمات الحشد الشعبي.
اما السبب الثاني فهو حذر قيادات تيار فتح بان لا تؤدي مخططاتها ومواقفها الى المساعدة على حدوث اصطدام عسكري مباشر في مثل هذه الضروف مع القوات الامريكية او التركية المتواجدة على الاراضي العراقية. ان مثل هذا الاصطدام العسكري المباشر في هذا الوقت لن يكون في مصلحة قوى المقاومة المتمثلة بايران وسوريا وحزب اللة في لبنان وقوى المقاومه الفلسطينية في صراعها مع المخططات الاسرائيلية والامريكية لتوجيه ضربة الى تيار المقاومة في المنطقة, فالضروف الحالية هي غير مثالية لحدوث مثل هذا الاصطدام سواء في سوريا او العراق او ايران, وهي بالتالي لا تريد ايجاد المبررات لمثل هذا الاصطدام الا اذا جرت اليه من قبل قوى الاحتلال الامريكي! حيث ان هذا الموقف هو مشابه لموقف حزب اللة في لبنان وحماس (الجديدة) والجهاد الاسلامي في فلسطين من اسرائيل.
5-ان حصول تيار "الفتح" على 48 مقعدا في مجلس النواب مع تمكن كتلة "البناء" والتي نواتها الفتح من الحصول على 169 مقعدا ثبت واقعيته كالكتلة الاكبر فعليا في المجلس, كما ضهر ذلك واضحا بانتخاب رئيسي مجلس النواب ورئيس الجمهورية. وهذا ما سيسمح بشكل كبير على عرقلت المخططات الانكلو امريكية التي سيحاول عبد المهدي تمريرها وخاصة فان كتلة سائرون هي كتلة غير متماسكة ,اما تيار "الاصلاح والاعمار" الذي حصل على 89 مقعدا فهو بالتاكيد في طريق التفتت وخاصة بعد التفكك الحتمي لتيار النصر نتيجة سقوط العبادي. وكذلك فان انهاء سيطرة الدعوة على موقع رئاسة الوزراء سيساعد حتما تيار البناء على اكانيات فرض نفوذ قوي على السلطة التنفيذية حتى لو تمكن عبد المهدي من تشكيل حكومة ضعيفة ستكون تحت رحمة تيار البناء في البرلمان.
غير انه في نفس الوقت الذي يجب ان لا نبالغ في خطورة تشكيل حكومة هزيلة ان نجح الصدر في اسناد عبد المهدي على تشكيلها, يجب ان نبقى على درجة كبيرة من الحذر من ان يستغل المعسكر الامريكي رئاسة عبد المهدي لتمرير الكثير من مخططاته الاقتصادية والسياسية .
مصادر:
1-هل مررالبرلمان حقا القانون المشبوه الجديد "لتكوين شركة النفط الوطنية العراقية"؟منير الجلبي
http://www.almothaqaf.com/a/b1d/926189
2-حكومة العبادي الاتحادية تنفذ جميع المطالب النفطية لحكومة اقليم كوردستان
http://www.almothaqaf.com/qadayaama/qadayama-14/887388
3-صائب خليل- عادل عبد المهدي الاخطر
https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/1999650366758689
4-البيان الصادر عن مرجعية السيد السيستاني والمنشور على صفحتها الرسمية بتاريخ 9 أيلول 2018
https://www.sistani.org/arabic/statement/26114/