حيَاة /  شذى توما مرقوس                                                        

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأَربعاء 8 / تموز / 2015 م

ــ قِصَّة قَصِيرَة جِدَّاً  ــ

..... خَاطبَ نَفْسَهُ مُنْتَشِياً وهو يُوَجِّهُ بُنْدَقيَتَهُ نَحْوَ طائرٍ جميلٍ سَعيد يَعْتَلي غُصْن

 شَجَرَةٍ جلِيلَة :

ــ " كإِله .... نَعم كإِله .... في يَديّ خيُوطَ الحيَاةِ والمَوْت ..... في يَديّ القَرَار ، إِنْ شِئْتُ تَرَكْتُ لِهذَا الطائرِ الحيَاة ، وإِنْ شِئْت سَلَبْتُها عَنْهُ  " .

ابْتَسَمَ سَعيداً ثُمَّ أَخْفَضَ بُنْدَقِيَتَهُ ورَاحَ يُراقِبُ الطائرَ الَّذِي طارَ عَنْ غُصْنِهِ ، وبَيْنَ الحِيْنِ والحِيْنِ وفي حرَكاتٍ سَرِيعة يَتَنَقَّلُ مِنْ مكانٍ لآخَر جامِعاً بِمِنْقَارِهِ الصَغِير كُلَّ ما يُمْكِنُ أَنْ يَبْني بِهِ عِشَّه ، وجنَاحاهُ يَخْفِقانِ فَرَحاً ، لَمْ يَشْعُرْ بِالخَطَرِ المُحدِق بِهِ ، وكَمْ كانَ الرَجُلُ مُسْتَمْتِعاً بِمُمارسَةِ هِوايَتِهِ الَّتِي تَرْفَعهُ لِمَصَافي الآلِهة وتَغْدِقُ علَيْهِ السرُور بِلا حُدُودٍ وتُعْطيهِ الرَغْبَة بِعُمُرٍ أَطْوَل كُلَّما اقْتَصَّ مِنْ حيَاةٍ أُخْرَى وغَيَّبَها ، وكأَنَّهُ يُضِيفُها إِلى رَصِيدِ حيَاتِهِ مِنْ الأَيَّام ، هو الَّذِي يُقَرِّرُ أَنْ يَحْيَا هذَا الكائن أَمْ لا ... كإِله ، تَماماً كإِله ، بِيَدِهِ الحيَاةُ والمَوْت ، يَتَمَنَّى لِنَفْسِهِ عُمُراً أَطْوَل أَكْثَرُ انْغِماسَاً في هِوايَتِهِ ، لكِنَّ صَوْتُ ذَلِك الشرِير صَدِيقُهُ طَنَّ في أُدُنِيهِ ثَانِيَةً وأَعادَ علَيْه ذاتَ الكلِمات ، قَرَّر أَنْ يَسْحقَ ذلِك الصْوْت ويَرْمي بِهِ بَعيداً عَنْهُ لاعِناً إِيَّاه فصَوَّبَ بُنْدَقِيَتَهُ نَحْوَ طَرِيدَتَهُ ، وحِيْنَ علا صَوْتُ الإِطْلاقَة شُلَّ الطائر ، ما عادَ بِمَقْدُورِهِ رَفْرَفَةَ جنَاحيهِ ، هوَى أَرْضَاً  ، تَأَوَّهَتِ الشَجَرَةُ وأَنَّت مِنْ هَوْلِ ما حدَث ، مَسَّ قَلْبَها صَوْتُ ارْتِطام الجَسَدِ بِالأَرْضِ ، أَرادَتْ وفي مُحاولَةٍ فَاشِلَةٍ أَنْ تَقْبُضَ علَيْهِ بِأَغْصانِها كي لا يَرْتَطِمُ أَرْضَاً فمَالَتْ بِغُصْنِها خَلْفَه علَّهُ يَتَشَبْث بِهِ هو أَيْضاً  وكأَنَّها تُدْلي بِحِبْلٍ لِغَرِيق ، أَرادَتْ أَنْ تَحْتَضِنَ جسَدَهُ النَازِف وتُغطيهِ بِأَوْراقِها ، أَرادَتْ أَنْ تَحْجُبَهُ عَنْ عُيونِ صيَّادِهِ وتُدَثِّرَهُ بِأَوْراقِها ، لكِنَّ ما اسْتَطَاعَتْ أَمْراً .....

مَدَّ يَدَهُ لِيَمْسكَ بِجسَدِ الطائر المُسَجى على الأَرْضِ يَنْزُفُ ، طَنَّ ذَلِك الصَوْتُ الشرِير في أُذُنِيهِ ثَالِثَةً  مُفْسِداً علَيْه مُتْعتَهُ ونَشْوَتَهُ  :

ــ مَرَّةً أُخَرَى ..... هَلْ تَعْرِفُ ما اقْتَرَفْت ...... لَقَدْ انْهيْتَ حيَاةَ كائن ....

لَمْ يَتَبَقَّ مِمَّا دار غَيْر الشَجَرَة والتُرْبَة الَّتِي تَشَرَّبَتْ بِدُمُوعِها  .....

رُبَّما لِمِئاتِ المَرَّات سيَطُنُّ هذا الصَوْت الشرِير في أُذُنِيهِ ، لكِنَّ ذَلِك لَنْ يَنَالَ أَبَداً مِنْ إِيغالِهِ حُبَّاً لِهوايَتِهِ كإِله .... تَماماً كإِله .... في يَديهِ خيُوطَ الحيَاةِ والمَوْت ....