الطائفية وألإرهاب في العراق/ د.ماجد احمد الزاملي                 

المجتمع العراقي مجتمع متجانس ،ولكن بعض الذين لايريدون الخير للعراق وشعبه، والذين يعزفون على وتر الطائفية ، يحاولون بكل الطرق تمزيق وحدة الشعب.  إننا دخلنا مرحلة جديدة من الصراع، فعملية التطييف التي حفزتها فكرة “دولة المكونات” والتي صحبها صراع إقليمي حاد حول تشكيل هوية العراق، والعنف المنفلت للجماعات الطائفية، قد قطعت شوطاً طويلا نحو إحداث انفصال سياسي واجتماعي ووجداني بين المكونات العراقية ، لكنها بدأت تقترب من نتيجتها الحتمية وهي وضع وجود العراق ككيان موحد في موضع التساؤل.                                             

والواقع السياسي الذي يعيشه الشعب العراقي منذ سقوط النظام وحتى اليوم وهو يعاني معاناة حقيقية من الإرهاب والبطالة وارتفاع الأسعار والأزمات الدورية للحاجات الأساسية، كأزمة الوقود وانقطاع الماء والكهرباء.

يواجـه العـراق تهديـدا خطيـرا يتمثـل بتدخـل دول الجـوار إلاقليمـي بشـؤونه الداخليـة، متذرعـة بمـا تمليـه عليهـا مصالحهـا السياسـية ، إن دول الجـوار تغـض الطـرف عـن تسـلل العنـاصر الارهابيـة إلى العـراق تحـت حجـج مختلفـة منهـا طــول الحــدود ، أو أن عــلى العــراق أن يحمــي حــدوده.                                   

اسـتمرار تلــك النشــاطات يخــل بالامــن الوطنــي العراقــي ويعــرض ســلامة أبنــاء العــراق للخطــر، لــذا ينبغي تعزيـز قـدرات قـوات الحـدود لتقـوم بواجبـات ضبـط ومراقبـة الحـدود ومنــع التســلل إلى داخــل ألاراضي العراقية خاصة بعد سقوط مدينة تدمر السورية والمتصلة بصحراء الرمادي وكما نعلم ان الجيش السوري منهك ،كذلك الدولة السورية انهارت اقتصاديا هذا يعني بقاء داعش على حدود العراق حتى اذا حررنا اراضينا من داعش، و الحكومــة العراقيــة ينبغي أن تقــوم بمضاعفــة جهودهــا الدبلوماســية عــلى المســتوى الاقليمـي والـدولي للحـد مـن تلـك التهديـدات.                                  

اراقـة دمـاء ابناء الشعب العراقي لا يمكـن تبريرهـا والسـكوت عليهـا لـما تتمخـض عنـه مـن اثـار مدمـرة وان العنـف المتصاعـد الـذي يحصـد ارواح اعـداد كبـيرة مـن المواطنـين العراقيـين يزيـد مـن حجـم التحديـات التـي يواجههـا العـراق ممـا قـد يعــرض نســيجه الاجتماعــي للخطــر ممــا يــؤدي الى تفاقــم الخلافــات السياســية والتــي تخلــق حواضــن للجماعــات الارهابيــة لــذا فالمســؤولية تقــع عــى عاتــق جميــع العراقيــين حكومــة وقــادة سياســيين ورجــال ديــن ومنظمات المجتمــع المدني ومواطنـيـن عاديـين لكــي يتوحــدوا ويعملــوا لحــل المشــاكل التــي تواجــه البلد. فالوحــدة والحــوار همـا السـبيل الوحيـد لمجابهـة اؤلئـك الذيـن يتغـذون عـلى الفتنـة ويرتكبـون اعمـال الارهـاب ويحرضـون عليهـا. يمثـل إلارهـاب التهديـد ألاكبـر للأمـن الوطنـي العراقـي ، خاصـة وان العـراق يمـر بفـترة عصيبـة مـن تاريخـه، إذ خـرج مـن أعتـى حكـم دكتاتـوري دمـوي شـمولي عرفـه تاريـخ العـراق والبشريـة، وهـو يحـاول إن يجـد البديـل السـياسي الملائـم عـن ذلــك النظــام، والــذي تجســد باختيــار الشــعب العراقــي للنظــام الديمقراطــي ، إذ كتب  دســتوره وأفتــى عليــه باســتفتاء حــر وديمقراطـي جـرى في 15 تشريـن ألاول 2005 ، تحـدى بـه أبنـاء الشـعب تهديـدات إلارهـاب والقـوى المضـادة للعمليـة السياسـية الجاريـة بعـد سـقوط النظـام الصدامـي في 9 نيسـان 2003 لكن للاسف اعتمد هذا الدستور المكونات وبذلك نتج عنه نظام المحاصصة، لم يكن اعتماد المكونات قراراً أمريكياً فحسب، بل إنه انسجم مع طبيعة فكر وأهداف قوى المعارضة العراقية آنذاك التي كانت تطغى عليها الأحزاب الإسلامية ، والأحزاب القومية. إن خطـورة إلإرهـاب تتمثـل ليس في اسـتهدافه للعمليـة السياسـية وحسـب بـل في اسـتهدافه للمدنيين والبنـى التحتية والمؤسسـات الرسـمية و شـبه الرسـمية والخاصـة والرمـوز العلميـة والثقافيـة والدينيـة، لتقويـض ركائـز الدولـة وإثـارة العنـف الطائفـي وعـدم الاسـتقرار، ويتمثـل هـؤلاء بالتكفرييـن الذيـن لا يعترفـون بالاخـر ويبيحـون القتـل وسـفك دمـاء معارضيهـم، ويشـكلون اخطـر أنـواع التهديـدات، إضافـة إلى الصدامييـن وهـم أزلام النظـام السـابق الذيـن تـضررت مصالحهـم ويأملـون بإعـادة عجلـة الزمــن إلى الــوراء، ليعــودوا لمواقعهــم وامتيازاتهــم، ويشــكلون تهديــدا للأمــن الوطنــي العراقــي إذ تــزداد خطورتهــم بتنســيق نشـاطاتهم إلاجراميـة مـع كل مـن التكفرييـن وعصابـات الجريمـة المنظمـة. و يشــكل انتشــار الجريمــة المنظمــة تهديــدا للأمــن الوطنــي في العــراق ، وتــزداد خطورتهــا بتنســيق نشــاطاتها مــع كل مــن التكفرييـن والصداميـن ضـد أبنـاء شـعبنا العراقـي ، وانتحالهـم صفـة منتسـبي ألاجهـزة ألامنيـة والرسـمية للدولـة يزيـد ألامـر خطـورة.              

لقـد كشـفت ألاحـداث أن أغلـب العصابـات ألإرهابية انتهـزت فرصـة انتشـار عصابات الجريمة المنظمة ً ليسـتخدموهم في ً أعمالهـم إلاجراميـة ، وبهـذا التعـاون تمكـن إلارهابيـون مـن الامتـداد والتوغـل في عمـق المجتمـع العراقـي.                             

ان الارهابيـين لـم يحققـوا أي اتصـال إيجابـي حقيقـي مـع المجتمـع العراقـي، وكمـا هـو معـروف إن الاتصـال بيـن الخـطاب المسـلح وعمـوم المجتمـع هـو شرط أسـاسي مـن شروط نجـاح الحـركات التـي تـروم التغيـير السـياسي والاجتماعـي. إن الكفـاح المسـلح في الثـورات الشـعبية يعـد جـزءا من المجتمـع و ألامـة.                                           

إن مـن شروط توافـق الخـط المسـلح مـع الشـعب هـو أن تتوافـق المصالـح بـين الخطـين ، وهـذا مـا لا نـراه ، حيـث أن مصالـح الشـعب العراقـي هـي ابعـد مـا تكـون عـن أهـداف الارهابيـين، الذيـن لـم يقدمـوا لـه إلاّ الجرائـم الوحشـية، وليـس مسـتغربا مـن البعثييـن الصدامييـن ومـن التكفرييـن أن يلجئـا إلى المجرمـين ليتحالفـوا معهـم ويدفعونهـم إلى تأسـيس خلايـا إرهابيـة مسـلحة. والحكومــة البعثية قامــت في حينهــا بتدريــب قــوى الارهــاب في مراكــز تدريــب الشــباب والجيــش الشــعبي وفدائيــي صــدام، لذلــك ً نعتقـد بـأن الارهابيـين لديهـم قـوة مدربـة جيـداعـلى اسـتخدام ألاسـلحة المتنوعـة ،والان الولايات المتحدة الامريكية جاءت بوحش اسمه داعش ووفرت له السلاح والمال والتدريب والخبرات بعد ان انقلبت القاعدة عليها ،بالاضافة الى ذلك فان العــراق خــاض حروبــا طويلة وهناك من الذين درسوا العلوم العسكرية والاركان الذين اصبحوا بعد السقوط بلا عمل والان يعملون مع الارهاب.                                          

إن أكثـر مـا يواجـه المجتمعـات خطـورة هـو التطـرف الدينـي والتعصـب القومـي حتـى في المجتمعـات غيـر المتنوعـة قوميـا ً، وبمــا أن العــراق هــو دولــة متعــددة القوميــات وألاديــان والمذاهــب لــذا يــبرز التطــرف والتعصــب الدينــي والقومــي كعنـصـر يهــدد وحــدة المجتمــع إذا مــا اســتغل لهــذا الغــرض.

وهـذا يسـتلزم اتخـاذ التدابيـر اللازمـة لمواجهـة ألافـكار المتطرفـة والمنحرفـة التـي تمـلأ عقـول أتبـاع الارهـاب، وتعريـة الدوافـع ألايديولوجيـة التـي يعتقـد المتطرفـون بأنهـا تـبرر اللجـوء لاعمـال العنـف وكشـف زيفهـا وبطلانهـا. وعـلى الجامعـات والمراكـز الفكريـة والثقافيـة ومنظمــات المجتمــع المدنــي أن تأخــذ دورهــا في مجــال التوعيــة بمخاطــر التعصــب الدينــي والقومــي وترســيخ روح المواطنــة عنـد أفـراد المجتمع.

وتقف خلف كل سلوك جملة دوافع وعوامل تفسّر أسباباً كامنة تعلل انتهاج السلوك المعين. وظاهرة التطرف والعنف لها أسبابها ودوافعها وعلينا تحديدها بشكل واضح للوصول إلى جوهر الحلول وجذورها، ولا شك أننا سنكون في حالة إرباك إذا لم نعرف حقاً الأسباب التي تدفعنا وتسيرنا. إن العنف ظاهرة مركبة متعددة التغييرات، ولا يمكن تفسيرها بمتغير أو عامل واحد فقط. فالمؤكد أن هناك مجموعة من العوامل تتفاعل بل تتداخل وتترابط وتؤثر بعضها على بعض سلباً أو إيجاباً فيما بينها لتفجّر أعمال العنف. وفي بعض الحالات، يمكن القول بوجود عامل أو عوامل جوهرية أو مركزية تؤدي إلى أعمال العنف بينما يأتي تأثير العوامل الأخرى في مرتبة تالية.

فعلى سبيل المثال، كانت تعتبر أزمة التكامل وتسييسها عاملاً محورياً للعنف السياسي في السودان والعراق بينما الأزمة الاقتصادية كانت عاملاً جوهرياً للعنف السياسي في لبنان وتونس في الثمانينيات. وبشــكل عــام يمكــن القــول ان عوامــل مثــل البطالــة وانتشــار الفقــر ، والعيــش عـلـى هامــش الحيــاة في ظــل وجــود فـوارق طبقيـة كبـيرة، مـن شـأنها صناعـة بـؤر للتوتـر ، وزراعـة ألاحقـاد بـين فئـات المجتمـع… وعلـى وفـق هـذا التصـور ثمـة علاقـة تبادليـة بـين ظـروف الحيـاة القاسـية والبائسـة ونزعـة الانخـراط في جماعـات تتبنـى العنـف ضــد المجتمــع وتمارســه ، ثمــة علاقــة تبادليــة بيــن البطالــة وبـيـن توظيــف تلــك الكــوادر للانخــراط في مشروعــات ارهابيــة ، كذلك العلاقـة بـين القهـر وانعـدام فـرص التعبيـر والتغييـر السـلمي وبيـن اللجـوء إلى الخنـادق التـي تخـرج منها أفـكار ً يسـتثمرها الارهاب ، للتدميـر والقتـل وتفجيـر المجتمعـات ، ومـن الواضـح ان كل تلـك العلائـق تخلـق بيئـة مناسـبة جـدا بمـا هـو أهـم ولمـن يوظفهـا لاهـداف غيـر مشروعـة ، لكـن الفقـر ليس هو الوحيد الذي ينتـج العنـف وإلارهـاب لوحـده ، مـا لـم يكـن مؤطـرا ، بعوامـل القهـر الاجتماعـي وفقـدان المساواة في الفرص وبالتالي عدم الشعور بالامان.                          

ان معطيـات الواقـع تفـرض علينـا ضرورة الانتبـاه إلى خطـر البطالـة و الفقـر ، لانهـا بمثابـة قنابـل اجتماعيـة موقوتـة تنتظــر محفــزات لانفجارهــا ، وقــد يتــم اســتغلال مثــل هــذه الظواهــر لصناعــة الارهــاب بمختلــف صــوره وأشــكاله ، ولــما كانـت سياسـات المسـكنات الاقتصاديـة التـي تتبعهـا بعـض الـدول ترجـئ هـذه الانفجـارات ، فإنهـا لـن تمنعهـا مـا لـم يتـم التعامـل مـع هـذه التحديـات بطريقـة جذريـة ، ومـن الواضـح ان الامـر بحاجـة الى اسـراتيجية فعالـة لمحاربـة البطالـة و الفقــر تســتند بالاســاس الى منظــور مجتمعــي شــامل ومتكامــل ،جهــد متعــدد الاهتمامــات ، مــع ضرورة اعتمــاد التخطيــط الوقائـي لمكافحـة مثـل هـذه الظواهـر بمـا في ذلـك تخميـن المتطلبـات الحـاضرة والمسـتقبلية في هـذا المجـال.                   

عــلى لجنــة مكافحــة الارهــاب في الامــم المتحــدة تفعيــل عملهــا مــن تقديــم لدعــم تقنــي وفنــي وتدريــب وبنــاء قــدرات المؤسسـات المعنيـة بمكافحـة الارهـاب في المنطقـة العربيـة عامة وفي العـراق خاصة الـذي يواجـه منـذ سـنوات عـدة تحديـات أمنيـة واسـعة النطـاق ، كمـا ان عليهـا تحمـل مسـؤوليتها تجـاه الانسـان في المنطقـة العربيـة والعـراق، وتجـاوز دورهـا المجامل اتجـاه السياسـات الدوليـة الداعمـة للارهـاب ومصـادر تمويلـه وتدريبـه وايـواء خلاياه ، وتطويـر مواقفهـا مـن الاقتصـار عـلى الشــجب والاســتنكار والرفــض في البيانــات الرنانــة الى آليــات عمــل فعّالــة وسريعــة وعميقــة تتضــح مخرجاتهــا واثارهــا عــلى الانسـان اكثـر ممـا يتداولـه العـالم الخيـر ، ذلـك ان الارهـاب فعـل اجرامـي بـكل المقاييـس والاطـر واصبح يتحـول بوضـوح الى حـرب ابـادة جماعيـة وزعزعـة ايمـان الانسـان بآليـة السـلم ، وبـدون التعـاون والتشـارك الحقيقـي المخلـص مـن قبـل الامـم المتحــدة ســيتحول المجتمــع الانســاني الى فوضى تعتنــق مبــدأ مواجهــة الارهــاب بالارهــاب وليس بالقانون او بمبدأ مكافحة الفكرة الفاسدة بالعدالة.