كانت ... قصة شهرين من حياتي  (11)..!/ هاني ابوزياد                 

14 اب – 14 تشرين اول  1988...11

. تركنا القوة وانطلقنا  , نحن مجموعة من 7 رفاق  باتجاه مراني .. كان هناك الكثير من العوائل يختبئون  بين الصخور والاشجار معظمهم من اهالي سواري قرية الرفيق عابد  . مررنا ببعضهم واكلنا عندهم , كما انهم زودونا ببعض الخبز والجاجي (بالكردية تكتب بحروف اخرى )  واصلنا السير ثم افترقنا عند زوم  للرعاة  ( مكان يقيم به مجموعة  عوائل اشورية رعاة من دشت نهلة بالصيف . هو مصيف )  بالقرب من عين الماء  . كان المكان خالي من ساكنيه . التقينا مجموعة من الهاربين فروا من بري كارة عند تقدم الجيش  ( مصطلح يطلق على الهاربين من الجيش ويعيشون بالقرى بعضهم مسلح بسلاح الاحزاب ) ,, وجدنا في احدى كبرات  الزوم علبة مليئة بالجاجي و ناموسية كبيرة , اخذت الناموسية , طويتها وربطتها  بالعليجة ووضعتها على ظهري . بدئنا  نصعد الى قمة الجبل للاستطلاع الليلي من القمة المشرفة على  وادي بري كارة لنرى اين يخيم الجحوش والجيش , فقد علمنا ان الجيش احتل  المنطقة بالكامل . ومن عادات الجحوش وكذلك  " البيشمركة ,, اضرام  النار والتجمع حولها  .. اذن النار ستكون العلام الذي نستدل من خلاله  ونعرف  اين تعسكر القوات  ؟ . بري كارة .... عبارة عن وادي طويل يمتد من  سرسنك جنوبا  حتى  الزاب شمالا . طوله  ما يعادل ثلاث ايام مشي تقريبا  وعرضه بحدود 4 – 5 ساعات  وحسب المكان . . يقع  هذا  الوادي بين كارة الجبل من الشرق  يقابله من الغرب قطوع صخرية عالية  تشكل  زوايا قائمة مع  قاعه  و تمتد بشكل متوازي مع كارة  .  تتخللها  4  مداخل  , هي عبارة عن شقوق بجوانب قائمة وعالية ايضا , بعضها  ضيقة واخرى  تصل  الى 10 امتار عرض .  لا يمكن الدخول الى بري كارة  الا من خلال هذه  المداخل  ,, انا اعرف المنطفة بشكل  جيد  , و اعرف اين تقع هذه المداخل , واي القرى اقرب اليها  وكيف يتم اجتيازها .  فقد عشت فيها  وتنقلت بين قراها  وهي كثيرة جدا ..  التقينا على مقربة من القمة  بشباب  تدل هيئتهم على انهم من المدينة  بعضهم مسلح  . سالنا من انتم  ؟ قالوا نحن من الهاربين كنا نعيش  في قرى  بري كارة , لم نتمكن من الانسحاب الى الحدود  وجئنا الى هنا  . ماذا هناك وراء الجبل ؟  قالوا الجيش والجحوش يحتلون  المنطقة برمتها  ويعسكرون  عند المداخل  وليس هناك من طريق اطلاقا  . واصلنا الصعود وبلغنا  القمة عند الظلام  . كان هناك الكثير من الاماكن التي اشتعلت بها النيران  .. اذن صدق الشباب  فالوادي محتل بالكامل . كانت هذه  اول مرة بتاريخ  بري كارة ,كما يقول اهلها ,  يدخل الجيش اليها  ويستقر ويبني معسكرات  . فهو وادي , عصى على الجيوش ان تدخله على مر الزمان .. حددنا اماكن تواجد القوات العسكرية والجحوش , وعرفنا  اسمائها . كما انه  عسكر بباب المدخل واغلقه . كان المنظر جميل لكنه محزن .. نحن الان في حصار حقيقي .. ليس لدينا غير هذا الجبل نتجول به  براحتنا  . لا تجرا القوات الحكومية على  اقتحامه  فهو  واسع وكبير ويمكننا البقاء في اي مكان نشاء ونحن في مامن اذا احسنا الاختفاء . ولكن الى متى  ؟ وكيف  ؟ يمكن ان نستمر بالحياة دون طعام وربما  ماء ايضا .. بعد ان اتممنا الاستطلاع قررنا النزول والمبيت في  مكان مناسب  نختاره , والطقس اخذ يبرد , وسنعود بالغد  للاستطلاع  النهاري  ... كان للناموسية فائدة كبيرة  لولاها  لما استطعنا النوم في برد كارة القارص . فرشنا نصفها تحتنا والتحفنا النصف الاخر ونمنا جنبا الى جنب . حتى الحرس يجلس في مكانه تحت الغطاء ويحرس , حتى صباح يوم 1 ايلول 1988 ... كان اليوم مشمس كباقي االايام  فطرنا من الجاجي الشهي مع بعض الخبز . صعدنا بعدها الى القمة  للاستطلاع النهاري .. اخذنا مواقع  لنا جيدة محصنة ,الرؤيا فيها واضحة , ومكثنا هناك وقت كان كافي لنكون صورة عن المكان . كنا نرى فيه الجحوش  والجنود بالعين المجردة  . كان  المدخل  الوحيد  في هذه المنطقة مغلق  بمعسكر . وهو المدخل القريب من قرية ده رش . بعد نقاش  توصلنا  الى ان لا فائدة من البقاء , فالطريق مقطوع ولا نعرف ماذا هناك بالجهة الاخرى بعد  بري كارة . قررنا العودة واعطاء صورة عن الوضع للقيادة , نزلنا ..... هناك عند الزوم  شاهدنا  دجاجة  تسرح ومعها 8 كتاكيت  كبيرة غطى  اجسامها الريش  ( ريش  الحلال !) وهي جاهزة للاكل  . قلت لابد ان نمسك بهذه قبل ان تكون من نصيب الثعالب  او الجحوش .. وكان  للناموسية  دور في ذلك .. وبعد جهد جهيد امسكنا  ب 7  كتاكيت  والام  . كانت الام ضعيفة جدا لهذا  قررنا تركها  . اقترح الرفيق مخلص ان نترك الكتكوت الاخير مع امه , فكان من حصته , اي لكل واحد منا 2 كتكوت الا مخلص  فله واحد فقط , وافق مخلص على هذا . ذبحنا وشوينا واكلنا الكتاكيت  , بوقت كان الجاجي فيه يضاهي الخروف المحشي لمحبي اللحوم  .. بعدها واصلنا الطريق الى  الرفاق .. كانوا  يعسكرون في مكان ليس بعيد عن الزوم , اخبرناهم بما لدينا من معلومات  عن بري كارة  و اخبرونا  بان مجموعة من الرفاق اشتبكت مع جيش او جحوش عند العين التي تركناهم بها ولم يصاب احد لكنهم فقدوا البغل .. مكثنا هناك عدد من الايام  . المكان جيد و قريب من عين الماء  وقد جلب الرفاق ارزاق تكفي لفترة . اخترت  مكان بجانب صخرة كبيرة  بالقرب من المكان الذي  يجلس فيه  الرفيق ابو سالار .. كان لوحده  بعد ان انتشر الرفاق  على رقعة واسعة  بين الصخور والاشجار .. في هذا المكان  تعرفت عليه اكثر وتحدثنا  ( ابو سالار ) كما اننا ذهبنا الى العين اكثر من مرة  . كان يقول هذه اول مرة بحياتي  تصبح لحيتي بهذا الطول . فقد تعود الرفيق ان يحلق كل يوم  , كما ان لون بشرته  بيضاء  وناعمة  ,,هذا شكله الطبيعي ,,كان يهتم بشكله ومظهره , لهذا كان ينتقده  البعض ويغار منه وأعتبر هذا عيب فيه . كان الرفيق ابو سالار بالرغم من كل ملاحظات الاخرين عنه  متماسك ولم يضعف لكن خبرته بهذا المجال كانت قليلة ولم تساعده  المحلية التي كان يقودها بشيء. تركوه لوحده وخاصة المسؤولين في السرايا من العسكرين ,, يبدو كان لديهم موقف شخصي منه ترك هذا بصماته الواضحة على الاداء الفعلي بالواقع  ,,. لم ارى اي نشاط  لهم  ونحن  بالجبل ,عدا  الرفيق  توفيق فقد  كان  يؤدي مهمته بشكل ملحوظ ’( بالرغم من الوضع الخاص الذي كان يعيشه ) كان يتابع ويكلف بالمهام , فقد كلفني بمهام استطلاعية  تكررت  حتى ظننت انه لا يعرف سواي .... يتبع