الأيام الاخيرة في گلي هسّبّه ( وادي الخيول) ح ٦ / قاسم حسين

گلي خانوكي ٢

 

 بعد مغادرة الرفيقات الوادي مساء ذلك اليوم،بَقْيَّتْ مجاميع الرفاق منتشرة حول الوادي، مُتَخِذةً من اماكنهم، مَواقِعَ للنومِ والحراسةِ. لم يكن بإِمكاننا في هذه المواقع ، إيقاد شُعْلةٍ من النار للتدفئة ومواجهة لسعات البرد سوى الاحتماء بالصخور وبملابس اقل مايقال عنها بائسة . ان تَكونَ جاهزاً جسدياً ونفسياً لمواجهةِ العدو الزاحِفُ نحوك من كل الاتجاهات، أمر في غاية الأهمية في وضعِنا هذا، حيث ان الجموع الغفيرة من الأهالي غادروا الوادي و غادرت معهم الاحزاب  الكوردية ،تاركين أسلحتهم متناثرة في أطراف الوادي.اما  نحن الرفاق المتواجدين الان في هذا المكان والذي تجاوز عددنا ال ٦٠ رفيق  ومعنا عدد من الرفاق المرضى، لاندري ماالسبيل للخلاص من هذا الحصار والامآل معلقة بما تأتينا من اخبار من رفاقنا الذين غادروا مساء البارحةِ. احساس بأن ليلتنا هذه هي أطولُ من بقيةِ الليالي وإن الساعات تَسيرُ ببطءٍ شَديّدْ، وإن لا فَجِرَ ليومنا القادم.

 

عاد الرفاق ( عايد وأبو أنيس وأحمد بامرني والآخرين) من مهمتهم والتي كنّا نُخَمْنْ، انها استطلاعية لمكانٍ آخر .التقيناهم أثناء عودتهم في موقع انتشار مجموعتنا التي تبعد بمسافة قصيرة عن موقع تجمع رفاقنا الرئيسي في گلي خانوكي   بادرونا بالسؤال

 

شِدَتِسَوّنْ هنا، أشو ماعندكم حرس، فإجبنا

....منتشرين، والحرس منتشر... 

 - ها شنو الوضع؟ سألنا...

 

لم نتلقى اجابة من  أحد على السؤال، وواصلت المجموعة طريقها نحو موقع التجمع، الا أن الرفيق عايد الذي كان يسير في مؤخرة المجموعة التفت نحونا وقال هامساً.. مَلْيّوصه...

 

الرفاق الذين سمعوا عايد وهو يهمس ... ب مَلْيّوصه... دخلوا في حوار وتحليل للكلمة، اعتقد البعض بانه ربما يبالغ وأنه لابد من ان يكون هناك حلٌ للموقف الذي نحن فيه، لننتظر ونرى ماسيقرره الرفاق في قيادة المحلية.

 

انشغل الرفاق لبعض الوقت بالتخفيف من حمولات الحقائب الظهرية ( العليجات) والمحاولة بإخفائها تحت الصخور في ارجاء الوادي على أمل انقضاء الوضع الطارئ للعودة اليها واخراجها. اغلب هذه الأحمال كانت ،البومات صور او وثأئق ١ لم يدم وقتاً طويلا على عودة رفاق الاستطلاع ٢ حتى أرسل الرفيق ابو عادل في طلبي للقاء به ، فتوجهت الى الكبرة التي يجلس فيها مع رفاق المحلية فبادرني ابو عادل بالسؤال

 

رفيق ابو وسن شنو إمكانية رفاقكم بالمفرزة بالتوجه الى سوريا من هنا،

نحن نحتاج فقًط ان نصل الى مقراتنا القديمة  في گلي كوماته ومن هناك  سيكون بمقدورنا ان نجد طريقاً للخروج نحو الاراضي التركية، وبمساعدة الرفاق من التنظيمات الكردية سيكون بإمكاننا النفاذ .

تعرف رفيق ان رفاقنا عادوا فجر اليوم من المناطق القريبة من گلي كوماته وأكدوا ان الجيش العراقي  قد وصل  قرب گلي كوماته وربما دخلها.

رفيق هذا يعني باننا تأخرنا بحركتنا من المقر وأكيد ان القوات العراقية دخلت گلي كوماته اليوم. وان القوات التركية ايضاًموجودة هناك.

صحيح رفيق ...

غادرت كبرة رفاق المحلية وتوجهت الى مكان انتشارنا حيث رفاقنا في مفرزة الطريق ( ابو خولة، ابو هدى ، ابو فهد وبقية رفاق المفرزة) لأنقل لهم مادار من حديث مع الرفيق ابو عادل ورفاق محلية دهوك والمعلومات عن نتأئج استطلاع گلي كوماته وأنهم لم يتمكنوا للوصول الى هناك ، لان القوات العراقية والجحوش كانوا قد توغلوا الى تلك المنطقة.

 

كان اجماع الآراء هو اننا تأخرنا في حركتنا وأنه كان عليناالتوجه منذ البداية الى گلي كوماته و ليس الى هذا الوادي الذي يفتقر لمقومات ان يكون مقراً، هذا الوادي الذي سيكون فيه مقتلنا جميعاً وهو مكانٌ لانحسد عليه.

 

الشعورالسائد بين الرفاق بأن قيادة محلية دهوك ومسؤولها ابو عادل أخطاءوا في حساباتهم ، و ليست لديهم أيةِ خطةٍ  بديلة للطوأرئ( كما كانوا يزعموا) وان بوصلة حركتهم توقفت. شعوراً بان لاسبيل لنا في الخروجِ من هذا المأزق الذي وضعْنا فيه. ان انسياقنا في الانسحاب خلف جموع المنسحبين من أهالي المنطقة  وتأخرنا في اتخاذ قرار الانسحاب من المقر (گلي هسْپَه ) في الوقت المناسب ادى الى وصولنا الى وادٍ يفتقد لادنى مقومات الدفاع والمقاومة ، وُضِعْنا بين كفتي  كماشة القوات التركية المتربصة بنا من الإمام، والقوات العراقية والجحوش  من الخلف حيث انها تمشط المنطقة وتتقدم مدعومة بكل الترسانة التسليحية للنظام وان وصولها الى وادينا هذا الا مسألة وقت (ساعات قليلة).

 

تجاوز الوقت منتصف النهار ، الوضع العام على العموم، هادئ ، لا حركة للطيرانِ في أجوائنا ولاصوتَ لقصف مدفعي يُسْمعْ ، انه الهدوء الذي يسبق العاصفة، و رفاقنا في محلية دهوك لم يحسموا امرهم بشأن تحركنا القادم. المجموعات المنتشرة في أطراف الوادي من الرفاق بدأت بالتوافد الى المكان الرئيسي لتجمعنا و السؤال الوحيد الذي يدور بذهن  الجميع ، ماذا سنفعل؟ بعد ان أصبحت المعلومات عن الوضع العسكري  معروفة لدى الجميع.

 

كان لتطورات الوضع العسكري ، و حالة الاستياء والتذمر من السلوك القيادي لرفاق المحلية ومسؤولها ،  قد عَجَلَ في ان تتخذ محلية دهوك قرارها التأريخي بان  يتحمل كل رفيق مسؤوليته الشخصية ( دبر رأسك !!!)  في حسم وجهته، وأن اللجنة المحلية( الحزب) ستساعد كل رفيق بمبلغ (٥٠ دينار عراقي) ليتدبر كل رفيق به رأسه كيفما يشاء، وان على الرفاق إتلاف كل شئ يدل على هويته الشخصية. وهذا يعني ان الحزب ليس له رأي فيما يأخذه رأسك من قرار، سواء ان تلجأ الى السلطات التركية أو تنتظر قدوم القوات العراقية ،  فهم بالنتيجةِ أبرياء من مايقوم به رأسك من اَي  إجراء. بلغ القرار بشكلِه التنظيمي للرفاق وعُمِلَ على تنفيذه، حيث بدأ رفاق المحلية بإتلاف الأوراق والوثائق الحزبية  الخاصة بهم من خلال حرقها.

 

حينها توجهت الى الرفيق ابو عادل لأسأله عن مصير البريد الحزبي ( بريد المكتب السياسي الذي نحمله) ، فأوعز بإتلافه. فاجتمعت مفرزتنا لتبلغ بقرار اتلاف البريد الذي حملناها طيلة ايّام انسحابنا والذي شكونا من جدوى حملِه في تلك الظروف،فكان ردود افعال عدداً من الرفاق حادة و منفعلة. جُمِعَ البريد المعنون بأسم المكتب السياسي و تضمن مجموعة من الرزم بعضها ثقيلا، لانعرف محتوياتها  والبعض الاخر كان حمولات ورقية متوسطة الثقل. فتح الرفاق الرزم وبدأنا حرق حرقهاو كانت عبارة عن  تقارير ووثائق حزبية وبعض الأوراق الشخصية .واشرطة فيديو. وتفاجئنا حين صرخ الرفيق ابو فهد بانفعال شديد ...رفيق ابو وسن.. هذا هو بريد المكتب السياسي الي انكسر ظهري بيه هاي الايام ،اتفضل رفيق..ورمى امامي رزمة من  مَسْبَحات الكزوان (حَبَةْ خَضّرْه)٣ مكتوب على الغلاف الداخلي للرزمة الى العزيزة أم رنا...

 

فقلت له مهدئاً..

 

-رفيق وديّ الرزمة وراوِيّها لابو عادل.

 

فأخذ الرزمة وتوجه صوب ابو عادل الذي لم يكن ببعيد عن مكان تَجَمُعِنّا وعيونه تتطاير منهاالشرر. وقال..

 

رفيق ابو عادل ، هذا بريد المكتب السياسي المُهِمْ، مسبحات حبة خضرة. لم يكن لأبو عادل أية رد فعل على ذلك ولم يقل شئ وعاد ابو فهد الينا غاضباً بعد ان رمى الرزمة أمام ابو عادل و رفاقه في قيادة محلية دهوك، الذين اتيحت لهم فرصة الاستحواذ على مِسْبَحة من مسبحات ابو رنا.                                                                                            كما اشرت ان القرار أشاع السخط والغضب عند الغالبية من الرفاق، حيث تُرِكْنا أمام خيارين لا ثالث لهما، أما البقاء في الأراضي العراقية ومواصلةِ حمل السلاح في هذا الوضع العسكري الخطير، أو رمي السلاح والدخول الى الأراضي التركية مع آلاف من النازحين، جاهلين مايخبئه القدر هناك. على هذا انقسم الرفاق الى مجاميع صغيرة انتشرت لتناقش كيف السبيل للخروج من هذا الوضع، البعض استسلم للقرار وبدوأ باستلام مبلغ ال(٥٠ دينار- مكافئة نهاية الخدمة!!!) وتهيئة امورهم للنزول صوب الاراضي التركية وانتظار حول الظلام قرب الشارع الحدودي التركي. اما البعض الآخر فكان يعتقد ان قيادة المحلية ربما أتخذت هذا القرار لدفع اكبر عدد ممكن للذهاب الى الاراضي التركية وهم(قياده المحلية) ومعهم مفرزة الطريق، ربما سيسلكون طريقاً للخروج الى سوريا.لذا قام عدد من هؤلاء الرفاق بمتابعة حركتنا( أنا،وابوخولة وابوهدى)في اَي مكانٍ نتحرك فيه. ولم تنتهي ملاحقتهم لنا الى ان حُسِمَ الأمر بنزول ابو عادل و ومعه ابوشهاب بامرني وأخيه روژ متوجهين صوب بداية الوادي وكان ذلك في حدود الساعة السادسة مساءا.

كان الرفاق في قيادة اللجنة المحلية قد حزموا امرهم واتفقوا على ان يلتحق ابوشهاب بعائلته التي دخلت الاراضي التركية قبل يومين ويأخذ معه الرفيق ابو عثمان وعدد آخر من الرفاق من الكوادر الحزبية لينظمواالى عوائل رفاقنا المسيحيين ويؤمنوا لهم طريقة للتنكر والاختباء . اما أبوعادل فيّؤمن انسحابه من خلال تهريبه(على اعتبار ان قيادة الحزب يجب ان تؤمن بأي شكل من الأشكال) مع أحمد بامرني وروژ عبر دخولهم الى الاراضي التركية(دون يسلموا أنفسهم الى السلطات التركية) والتحرك عبر المهربين ولقاء مبالغ مالية الى ان يصلوا الى الحدود الإيرانية ومن هناك يتم تهريبهم الى مناطق راژان حيث مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني ومقر للممثل الحزب الشيوعي العراقي(ابو حكمت). الا ان هذه الخطة لم تكتمل  كما ينبغي حيث اعتقل الثلاثة في احدى المدن التركية( قضاء چلي) القريبة من الحدود العراقية وتم ترحيلهم الى الحدود الايرانية( اتضح لنا فيما بعد حقيبة السمسونايت التي كانت بحوزة الرفيق ابو عادل حين غادر گلي خانوكي كانت تحوي اكثر من ٢٠ الف دولار،  ساعد هذا المبلغ في إطلاق سراحهم وترحيلهم الى الحدود الإيرانية)٤، أنقذ الرفيق ابو عادل نفسه والرفيقين الذيّن  معه بالمبلغ الذي بحوزته ،في الوقت الذي ترك الرفاق الآخرين لمصيرهم بخمسين ديناراً لاتكفي ان تسد ابسط الحاجات في ذلك الوقت العصيب . اما م. هشام فقد  حسم أمره بالبقاء مع الرفاق بعد ان رفض مغادرة الوادي بصحبة ابو عادل.

 

يتبع

 

١ لازالت اذكر بانني أخفيت مجموعة للصورالعائدة لنا أفاق وانا( منها صور لحفلة زواجنا في المقر،والتي هي لازالت موضوعاً للدهره بيننا بعد كل هذه السنين ، كلما أتى ذكر الموضوع) وكذلك مجموعة صور للأعزاء  سمر وأبو نسرين(فصيل) ، تحت احدى الصخور في گلي خانوكي. وفي كل السفرات التي قمت بها الى كوردستان، حاولت الوصول الى گلي خانوكي، فلم افلح لانها لإزالت منطقة مُحَرّمَةُ الحركةُ فيها من قبل القوات التركية.

 ٢ عرفنا فيما بعد عن ماحدث مع مجموعة الاستطلاع هذه( ابو أنيس وأحمد بامرني والآخرين )،  هو انهم خرجوا مساء ذلك اليوم متوجهين صوب گلي كوماته، سالكيّن طرق القمم الجبلية المشرفة على المنطقة الحدودية  العراقية التركية مبتعدين في مسيرهم عن الطرق المعروفة، آخذين بعين الاعتبار بان القوات العراقية والجحوش يعرفون مسالك هذه الطرق، لذا فان هذه الطرق ستكون غير آمنه. بعد مسير ساعات طويلة امتدت من مساء ذلك اليوم وحتى منتصف الليل، ليصلوا الى احدى القمم لسلسلة الجبلية المشرفة على بدايات دخول نهر الخابور للأراضي العراقية، هناك تفاجأ جميع أفراد المجموعة وهم على القمة الجبلية، بان اضوية(لأيتأت) تتحرك في السفوح المطلة على نهر الخابور وفي أماكن متعددة ، بعضهاتتحرك صعوداً، وأخرى تسير بنسقٍ أفقي ، بعد التمعن والتدقيق توصلت المجموعة الى قناعة بان هذه الاضوية (المصابيح اليدوية) يستخدمها أفراد الجيش والجحوش للسير في الطرق الى المواقع المطلوب احتلالها وان انهم يتحركون في هذا الوقت حيث لازال الظلام ينشر خيوطه في ارجاء المكان، لكي يحكموا طوق الحصار على قوات الانصار والبيشمركة ومفاجئتهم. وأكد لي الرفيق ابو أنيس ان للفقيد الرفيق عايد دوراً كبيراً  ومشهوداً له في اعادة مجموعة الاستطلاع لإبلاغ الرفاق في گلي خانوكي عن ذلك، وان اصراره بالعودة حتى ولو بمفرده  جعل بقية رفاق مجموعة الاستطلاع العدول عن رأيهم بالبقاء حتى الصباح وهذا الابلاغ ساعد كثيرا في حسم الموقف في عملية انسحابنا.

٣ مِسْبَحات الكازّوّان ( كازّوّان - كلمة كوردية تعني ثمرة حبة الخضرة أو البناك ) مِسْبَحة مؤلفةٌ من مجموعة من  ثمار حبات البناك اليابسة المثْقوبة مزينه بنقوش طبيعية وتربط الى بعضها بخيط، تستعمل كاداة تسلية وللتخفيف من حدة الضغط النفسي.

٤ واصل ابو عادل طريقه الى معسكرات لجوء الرفاق في مخيمات زيوة التي التجأ اليها عدد كبير من رفاقنا من قاطع بهدينان. والغريب في أمر الرفيق ابو عادل انه سعى مجدداّ و لكي يُعيّد لنفسه الثقة والشجاعة( التي تركهما في گلي خانوكي)، بان يُشكل مفرزة مهمتها العودة الى مناطق العمل في بهدينان، لكن جهوده فشلت في توفير قناعة لدى الكثير من الرفاق  خصوصاًعندما طُلِبَ منه ان يكون هو على رأس هذه المفرزة ولكنه رفض تلك الفكرة وجهوده أثمرت عن إرسال مجموعة صغيرة(٣- ٤) رفاق من أهالي العمادية الى المنطقة واعتبر ذلك عملاً انجازياً كبيراً، اما هو فقد واصل طريقه في النضالي في سوريا، تاركاً بقية رفاقه في مواجهة مآسي معسكرات اللجوء في إيران وتركيا.