كما كان متوقعاً من أغلب المهتمين بالشأن السياسي السويدي، فقد صوت البرلمان السويدي ( 349 صوتا ) لصالح مقترح حزب اليسار في السويد، والداعي لحجب الثقة عن الحكومة الحالية وعن رئيس وزرائها الاشتراكي الديمقراطي ستيفان لوفين.

 جلسة البرلمان التي عقدت صباح يوم الإثنين 21 حزيران، وبدعوة من رئيسه، كانت استثنائية وتأريخية، خصوصاً وهي تعقد في ظل أوضاع جائحة كورونا، حيث أجبر الحضور على ارتداء الكمامات، والتقيد بإجراءات السلامة الصحية، وأيضا لكونها المرة الأولى في تأريخ العمل السياسي في السويد، والتي يتم فيها حجب الثقة وسحبها من الحكومة ورئيس الوزراء، وعبر التصويت البرلماني الديمقراطي .

قرار الدعوة لحجب الثقة جاء على إثر مقترح قدمه حزب اليسار في السويد، وبشخص رئيسته الشابة نوشي دادغستار، والتي كانت قد انتخبت مؤخراً في مؤتمر حزب اليسار، وهي سياسية شابة ومن اصول ايرانية، وعرف عنها نشاطها في مجال الدفاع عن حقوق المستأجرين وقضايا السكن..

دعوة حجب الثقة تطورت بعد اصرار الحزب الاشتراكي الديمقراطي والذي يقود السلطة السياسية بالتحالف مع أحزاب الوسط والليبراليين والبيئة، وبدعم من اليسار، على المضي بتقديم مقترح تحرير وحرية ايجارات السكن والعقارات التي ستبنى لاحقاً، والذي يعني عملياً منح البرجوازيين وملاكي العقارات الحق في تحديد ايجارات العقارات، ودون الرجوع أو الخضوع  لجمعيات المؤجرين التي تتبنى في العادة التفاوض والدفاع عن حقوق الطبقة الواسعة من مؤجري السكن في السويد، والذين يتجاوز عددهم ثلاثة ملايين مواطن، وهو يشكل قسماً كبيراً من مواطني السويد العشرة مليون.

وبعد منح الفرصة لممثلي الكتل السياسية في البرلمان للحديث المختصر عن مواقفهم بشأن مقترح حجب الثقة، تم طرح المقترح للتصويت، فحظي بتصويت 181 نائب، مقابل معارضة 109، في الوقت الذي تحفظ على المقترح 51 نائبا، وقد تغيب 8 نواب لأسباب مختلفة.

هذه الأزمة السياسية التي عصفت بالسويد ليست وليدة اليوم، بل هي تمتد عملياً الى انتخابات 2018، والنتائج التي تحققت على إثرها والتي أفرزت تقارباً كبيرا بين المؤيدين للكتلة الاشتراكية التي تتكون عادة من ثلاثة أحزب هي الاشتراكي الديمقراطي وحزب اليسار وحزب البيئة، وبين الكتلة اليمينية التي تضم المحافظين والوسط والليبراليين والحزب المسيحي الديمقراطي، ويتقارب مع توجهاتهم حزب ديمقراطيي السويد ذو النزعة العنصرية والذي تصاعدت شعبيته مؤخراً، حيث بلغت نسبة المصوتين له حوالي 17%.

الاستعصاء السياسي في تشكيل الحكومة إثر الانتخابات الأخيرة 2018، وعدم امكانية أي من الكتلتين من تحقيق الأكثرية في البرلمان من أجل كسب الثقة، أجبر الحزب الاشتراكي على التعاون والتقارب مع حزبي الوسط والليبراليين من أجل نيل دعمهما، وكذلك عبر كسب دعم  حزب البيئة.

وقد تمكن من ذلك، ولكن بشروط قاسية تضمنت 73 بنداً تخص مواضيع مختلفة تخص توجهات الحكومة وإجراءاتها وسياستها وقد سميت هذه الاتفاقية باتفاقية  كانون الثاني، وكان حزب اليسار قد عارض أغلب بنودها، ومنها بالتأكيد البند الذي يدعو لتقديم مقترح تحرير مبالغ ايجارات السكن، ولكنه وبعد مفاوضات مارثونية مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي اضطر للموافقة على التصويت لصالح الحكومة خوفا ومنعاً لإمكانية تشكيل حكومة يمينية في السويد مدعومة من حزب ديمقراطيي السويد ذي النزعة المعادية للأجانب.

بعد حجب الثقة عن الحكومة، سيكون أمام رئيس الوزراء مدة أسبوع واحد وحتى 29 من حزيران الجاري، من أجل تقديم مقترح لرئيس البرلمان يخوله التفاوض والمحاولة لأربع مرات، مع جميع الأحزاب ومن أجل المحاولة في تشكيل حكومة جديدة، أو أن يمضي رئيس الوزراء إلى انتخابات مبكرة خلال ثلاثة أشهر .

 من جانبه يريد حزب اليسار استمرار تأييد الحكومة الحالية ورئيس وزرائها بشرط التخلي عن البند المتعلق بتحرير ايجارات السكن، في الوقت، في الوقت الذي تسعى فيه الأحزاب اليمينية لتشكيل حكومة يمينية جديدة، والذي يعني عملياً العودة لعقدة الاستعصاء السياسي وصعوبة حصول مثل هكذا حكومة على التأييد البرلماني المطلوب، وهو ما ينطبق على الجانب الأخر الاشتراكي الذي سيعاني لكسب الأكثرية في ظل الوضع الحالي.

 المرجح ضمن الأوضاع الحالية وقصر الفترة المتبقية على الانتخابات السويدية القادمة التي ستجري في العام القادم، أن يتم الاتفاق على حل وسط يرضي حزب اليسار السويدي، وعبر التخلي عن بند تحرير ايجارات العقارات في اتفاقية كانون الثاني، ومن اخلال اقناع حزبي الوسط والليبراليين من ان الانتخابات القادمة ستحدد الوضوح في المواقف، وكذلك كونهم لازالوا يمتلكون التأثير والنفوذ من خلال باقي بنود الاتفاقية معهم، وهي كثيرة مقارنة بفكرة التنازل عن بند واحد فقط..

 الأزمة السياسية السويدية تبقى ذات طابع فكري وإيديولوجي وسياسي، وهو يخص الموقف الطبقي من موضوع سياسة الاشتراكيين الديمقراطيين التي انحازت لفترات غير قليلة لصالح الفئات الشعبية، وعبر مكتسبات الضمان الصحي والعمل والرعاية الاجتماعية وتوفير السكن والحريات وحقوق اللاجئين، وعموم الخدمات في مختلف المجالات، وكذلك المواقف الانسانية والتضامنية مع دول العالم الفقيرة والمستحقة المساعدة والعون.

الأحزاب البرجوازية واليمين وأصحاب الشركات والمصانع ومالكو العقارات، كلهم يضغطون من أجل أن يتنازل الاشتراكيون عن هذه المكتسبات ذات الموديل السويدي، مقابل استبسال اليسار السويدي ومعهم قسم كبير من أوساط حزب البيئة وأوسط واسعة من داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي..

في كل الأحوال فأن الذي جرى في السويد يشكل تحولا واضحا لصالح الغير راضين بالأحوال التي وصلت اليها البلاد، وسط ازدياد في حالات العنف والجريمة وازدياد البطالة، وتأثيرات جائحة كورونا التي تسببت في خسائر كثيرة في حياة الناس، ورغم نجاح الحكومة في عدد من توجهاتها وحلولها وتدابيرها...

المهم في كل الأحوال أن لا تنعكس مثل هذه الأزمات على حياة المواطن وطرق عيشه وتطلعه لتحسين الأحوال.