غيرَ مرّةٍ يتأكد لي عملياً ، دون حاجة لأحدٍ أنْ يبذلَ جهداً لإقناعي ، بأنني لستُ بعيداً عن الشأن العام ، عندما أحاولُ أنْ أنأى بنفسي عن الشأن السياسي في بلادي .. لا عزوفاً ولا قنوطاً ، بل ترفُّعاً عما وصلت إليه الأحوال من حضيضٍ وإنحطاط .. ورغبةً في الحفاظ على لغتي ليبقى الحرفُ نافراً وتبقى اللغةُ ولاّدة للمعاني دون أن تخدشَ حياء الحرف ..

بيد أنَّ ما جرى ويجري يومياً في بلادي يُجرجرني من أُرنُبةِ أنفي أنْ أعودَ إليه ، لا راغباً ولا هاوياً ، بل إنساناً عادياً كَفَرَ ، من شدّةِ الوجع ، بكل ما حصل ويحصل! ذلك أن "الوطنَ" لم يعُدْ وطناً ، حُظناً دافئاً للناس فيه .. وأمست " الغربة " فيه مشاعة ، لا تحتاجُ إلى عريضة ورسومٍ أو واسطة !!

فأبشعُ أنواع الغربة ، تلك التي تعيشها الناسَ في وطنها المُفترَض !

...........

في "حمأة" السباق نحو ما يدعونه إنتخابات مبكرة ، وتجييشٍ محموم وإصطفافات متغيرة بين أطراف "البيت" إيّاه ! التي لا تُجاريها الحرباء في تبديل ألوانها ... خذوا المثال الفاقع ، والمتوقع ، لموقف السيد والقائد الفَلتة( ومنه الفَلَتان) !! والتبريرات التي تُساق ، والتي تستهدف حصر الناس بين خيارين إما المالكي أو مُقتدى ، أي خيار التبعية لـ"ولاية الفقيه" عملاً بما يقوله المثل الشعبي

" اللي يشوف الموت ، يقبل بالصخونه !" يُراهنونَ في ذلك على خَلخَلةِ ما تَبدّى من موقفٍ مُوحّدٍ بينَ القوى  المُقاطعة للإنتخابات ، لا أستبعدها ( الخلخلة) شخصياً لأسبابٍ متعددة ، عسايَ أنْ أكونُ مُخطأ..! إنتبهتُ ، مثل غيري ، إلى اللغة التي يستخدمونها في هذا التجييش الإعلامي الرخيص لحمل الناس على المشاركة في المسخرة لحسم "الأمر" لصالح أحد "الطرفين"! وكلاهما ولائي ...

لغتهم لا علاقة لها بالدال والمدلول ، لا بالبنيوية ، ولا بالتفكيكية ، ولا بالسيميائية وغيرها مما لا أعرف ولا أحزر .. ببساطة لأن حُكّامنا ، ومُشغّليهم فيما وراء الحدود الشرقية ، يستبطنونَ غير ما يُظهرون ، مما يترك مساحةً لأصطيادِ " مُصدّقينَ "، حتى بين صفوفِ بعض من " المدنيين " أو مَنْ يحسبون أنهم منهم !

فقد كتَبَ لي أحد هؤلاء أنه [ ليس من اللَطّامين ...بل مُتعلّمٌ ... إلخ] لكن تبينَ لي أنه ساذجٌ ، وإنْ كانَ "متعلماً"! كتب يقول [ يا أخي ماذا تُريدون ؟! هُمْ يدعونَ إلى وحدة وطنية ، طالما طالبتم أنتم بها ..!! فما العيب في ذلك ؟! أليس حريّاً بكم أنْ تستجيبوا لذلك عَلَّ أوضاع البلاد تتحسّنْ بعد الإنتخابات ؟!....]

أقول لهذا المواطن ، وأفترضُ مقدماً  صدقَ نيَّته ، أنَّ اللغةَ ليست "عذريةً!" بل يتحدَّدُ منطوقُها ليس بالمفرادات وما تُظهره ، بل بما توحي وما تستبطنُ ، خاصةً إذا كان مصدر القول ، مشكوكاً في صدقيته أو أنَّ النص "حمّال أوجه" ، كما قيل في بعض النصوص الدينية ! فكيف الحال بنصٍ سياسيٍ يحتمل الريبةَ وحتى الإختلاف  في صدقيته وتفسيره ؟!

فالمعنى في لغة حُكّامنا "مبنيٌّ للمجهول "! ومَنْ يريد أنْ  يُجاهر به ويهتكُ سِتره ، عليه أنْ ينكتم .. وإلاّ ...! فهو في أحسن الأحوال جوكر تُحرّكه السفارات والصهيونية .. وغير ذلك مما يستخرجون من قاموس البذاءات!

إعلام الحاكمينَ ، ومَنْ يُحاصصهم من طائفيينَ وقومانيين ، وبعض من "المدنيين" ، يردّدُ  ذات "القَوانَه المشروخة" [ الوحدة الوطنية ]!

أيةُ وحدة وطنية ؟!!

إنها وحدة يُرادُ لها أنْ تكونَ بين اللصوص ، نهّابي قوت الشعب ومستقبل أجياله ، لا غير !

"وحدةٌ وطنية" لتقاسم الكعكعة بين القَتَلَةِ – الولائيين ومَنْ حازبَهم وحاصَصَهم في كل شيء !!

"وحدة وطنية" لبيع البلاد للأجنبي ، أياً كان !!

...............

يبدو لي أنَّ حاكمينا ، مخلوقات خرافية – عجائبية ... كأن لا أدمغة بشرية في رؤوسهم ، بل عقولَ عصافير .. في غَفلَة من الناس والتأريخ أُجلِسوا فوقَ كراسي الحكم ، فتَلبّسَهم الوهم بأنها ستدوم ويدومون فوقها ، لذلك نراهم  يكافحونَ بأسنانهم وحتى بالأسلحة البيضاء كي تدومَ لهم وفق شعار المعتوه  " ما ننطيها ..!!"... يَلهجونَ بالديمقراطية ... حتى أصابوا ، من كثرة الترديد والتكرار ،

" الآخرين" بعدوى الإعتراف بأنه "نظام ديمقراطي "...!!

أظنُّ أنَّ حُكّامنا من أصلٍ بُركانيٍّ قذفَ بهم "الزلزال" من القيعانِ ، فتحجّروا في "القمّة" ..!!!