يستعدّ الحزب الشيوعي العراقي  لعقد مؤتمره الحادي عشر في مرحلة صعبة ومعقدّة جداً ، وهو منخرط إلى جانب قطاعات شعبية واسعة وجميع المتطلعين للتغييرالحقيقي، في مواجهة أفة الفساد والمحاصصة المقيتة والنضال من اجل بناء دولة المؤسسات والقانون، دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.

ومن المعروف ان الحزب الشيوعي العراقي اعلن موقفه المقاطع  لانتخابات  تشرين الأول القادم استناداً إلى رأي عام حزبي تجلى في إستفتاء داخلي ساهمت فيه غالبية ساحقة من أعضاء الحزب، وهو يعكس أيضا قناعة قطاعات شعبية واسعة ومتضررة من منظومة المحاصصة المقيتة والفساد والسلاح المنفلت.

ولتجنب الإطلالة  أطرح هذه المساهمة المتواضعة  للنقاش العلني وادعوا كل من يهمه الامر ان يساهم في اغناء هذا البحث المقتضب من اجل مصلحة الحزب العليا وسلامته وتعزيز المراقبة الذاتية للحزب في وقت الذي يستعدّ الحزب لعقد مؤتمره الحادي عشر.

مقدمة لابد منها :

إن الهدف الأساسي لأي حزب سياسي هو الوصول إلى السلطة , ولتحقيق ذلك تعتمد الأحزاب السياسية على مجموعة من الآليات المشروعة لتفعيل نشاطها الحزبية والاعلامية والجماهيرية والثقافية ..والخ ، إلا أن هذا النشاط الذي تقوم به هذه الأحزاب يحتاج إلى تمويل (Finance) والذي يأتي من مصادر متعددة منها : ( أشتراكات , وتبرعات أعضاء الحزب ومؤازريه , ومن مردود صحافة الحزب ومطبوعاته, ومن نشاطاته وفعالياته المختلفة المكرسة لزيادة مصادر ماليته , إضافة إلى التمويل الحكومي ( المعلن وغير المعلن والذي يتمثل  بالدعم المالي والخدمي والشخصي والوظيفي )والخ ,مما يفسح المجال لممارسات فاسدة في عملية تمويل الاحزاب وتورط قيادات وكوادر تلك الاحزاب بالفساد المالي والسياسي والاداري ) .

وعليه ان التمويل والمساعدات المالية الحكومية للاحزاب قد تشكل خطورة كبيرة على مستقبل وسلامة الاحزاب إذا لم تمارس عليها الرقابة من قبل لجنة الرقابة الحزبية. وان التجارب الماضية وخاصة في العراق وإقليم كوردستان اثبتت ان (تمويل الاحزاب السياسية المجازة في الإقليم من قبل السلطة الكوردية)* وخاصة اليسارية منها كان من اجل إضعافها وترهلها وبقائها كاحزاب تابعة لها من جهة , و لإضفاء الشرعية المزيفة على إستمرار حكمها  من جهة اخرى .
فعلى سبيل المثال لا الحصر لقد مارست قيادة الحزبين المتنفذين في إقليم كوردستان (الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني) ضغوطات كبيرة على قيادة الحزب الشيوعي العراقي ومنظمة إقليم كوردستان لتحويل منظمة الإقليم إلى حزب شيوعي كوردستاني بحجة : (ان حكومة الإقليم لا تستطيع ان توفر (لمنظمة إقليم كوردستان ـ باعتبارها منظمة تابعة وليست حزب مستقل) ميزانية سنوية اسوة بميزانية وحقوق الاحزاب السياسية الكوردية المجازة في الإقليم من جهة , ومن اجل تقوية وتثبيت تجربة كوردستان، وكل الانجازات الكبيرة التي حققها شعب كوردستان، بقيادة الجبهة الكوردستانية ، باعتبار ان شيوعيو كوردستان كانوا جزءاً مهماً وأساسيا من هذه الجبهة من جهة ثانية ( حسب ادعائهم ) , وعليه اقترحت القيادة الكوردية  على قيادة الحزب الشيوعي العراقي بضرورة تحويل المنظمة إلى حزب كوردستاني مستقل عن الشيوعي العراقي ) (هذا ما سمعتهُ من الرفيق الراحل عزيز محمد شخصياً في إحد لقاءاتي معه). كما تطرق الرفيق القيادي كريم احمد في مذكراته (المسيرة ) ص 274ـ 276 , تطرق بشكل واضح إلى ضغوطات الاحزاب الكوردستانية على الحزب الشيوعي العراقي من اجل تحويل منظمتة (منظمة  إقليم كورستان  للحزب الشيوعي العراقي )إلى الحزب الشيوعي الكوردستاني ـ العراق . والنتيجة كما نراها اليوم للأسف (جسد بلا حركة أو بالاحرى رأس بلا جسد ) !

 الشيوعية والفساد قطبان لايلتقيان : 

منذ تاسيسه في 31 اذار 1934 ، عمل الحزب الشيوعي العراقي على إرساء اللبنة الأساسية وزرع المبادئ الحزبية الصارمة لمقاومة ومحاربة الفساد بجميع اشكاله . فعلى الصعيد الحزبي تولت لجنة الرقابة المركزية (حسب النظام الداخلي )، وهي لجنة تتابع وتدقق التقيد ببرنامج الحزب ونظامه الداخلي , وتتابع تنفيذ سياسة الحزب من قبل جميع هيئاته ومنظماته وايضاً تراقب النشاط الاداري والمالي , إضافة إلى مهمات كثيرة اخرى . 

ان تشكيل لجنة الرقابة المركزية بالدرجة الأولى كان يهدف للمحافظة على الانضباط الحزبي ، ومحاسبة الفاسدين من المسؤولين والقادة الحزبيين الذين يتولون مناصب حساسة ومهمة ( حزبية وحكومية ) , وذالك من اجل الحفاظ على سلامة ونزاهة الحزب،وذالك عن طريق مراقبة النشاط الإداري والمالي واتخاذ القرارات بشأن الشكاوى والاعتراضات والخلافات الحزبية .

من أين لك هذا يارفيق /ة؟

ان كشف سكرتير وقيادة وكوادر الحزب ( الشيوعي العراقي والكوردستاني ) عن ذمَّتهم الماليَّة بشكل منتظم وشفاف وإلتزامهم  بمنهاج النزاهة الحزبية, أمر ضروري جداً باعتبارهم  مسؤولين عن مجمل نشاط الحزب في فترة مابين مؤتمرين ( حسب بنود النظام الداخلي), اضافة إلى ان القيادة يجب ان تكون قدوة لمن هم دونهم في الهرم الحزبي ,وعليه اعتقد  ان من الضروري ان يتم تأسيس (لجنة النزاهة والشفافية موازية للجنة الرقابة المركزية  ) تعمل وتقوم بمساءلة قيادة وكوادرالحزب عن مصدر أموالهم ( من أين لك هذا يا رفيق/ة)  , بالشكل الذي يعزز من الشفافية من خلال الزام كوادر الحزب  بتقديم كشوف دورية للاموال التي يحصلون عليها ,وذالك من خلال تعبئة إستمارة معدة من قبل اللجنة المذكورة سنوياً .

ان تعبئة إستمارة ​كشف الذمَّة الماليَّة إجراء موجود في العديد من الاحزاب اليسارية العالمية  يقضي بأن يقدم أي شخص يتبوأ مركزاً حزبياً بارزاً ، بياناً بملكيته قبل استلامه ، وبعد انتهاء مدة تسلمه لمنصبه ( الحزبي أو الحكومي ) يصار إلى مطابقة أمواله بعد إنهاء مسؤوليته  وطرح تساؤل هل ازدياد حجم (امواله / ثروته )هو نتيجة رواتبه والمكافآت التي حصل عليها أم أنها ازدادت خلال فترة بسيطة وبمبالغ عالية؟

على لجنة النزاهة الحزبية إلزام مقدم الإستمارة سنوياً بإرفاق المستندات القانونية التي تؤيد ملكية العضو التي أفصح عنها في استمارة (كشف الذمَّة الماليَّة) وعدم الاكتفاء بمجرد الإقرار بها.

وهكذا ومن خلال عمل ( لجنة النزاهة الحزبية الموازية للجنة الرقابة الحزبية ) وتعبئة إستمارة (كشف الذمَّة الماليَّة) واجراء المساءلة الحازمة لكوادر وقيادة الحزب نستطيع ان نساهم جميعاً في معالجة الفساد والحدّ من ظاهرة الكسب غير المشروع من جهة , و فتح باب مساءلة الرفيق المعني من جهة ثانية حسب النظام الداخلي .  

اخيراً اقول : يعد الفساد المالي من اهم مظاهر الفساد، كما أنَّ مكافحته يتوجب أنْ تحتل قمة أولويات عملنا وتصدينا للفساد بصورة عامة وللعضو الفاسد  بصورة خاصة(مهما كانت درجته الحزبية وموقعه الحزبي أو القيادي أو الوظيفي)، إذ إنَّ متابعة سلوك العضو ومساءلته باستمرار ومنعه من زيادة ثرواته عن طريق استغلال موقعه الحزبي أو الوظيفي يجب ان يكون من اولويات عمل لجنة النزاهة و الرقابة المركزية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*للاطلاع على قانون رقـم 5 لسـنة 2014 ( قانون تمويل الاحزاب في إقليم كوردستان ـ العراق ), انقر على الرابط التالي :  https://www.parliament.krd/media/2930/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%B1%D9%82%D9%85-5-%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9-2014-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%AA%D9%85%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%B2%D8%A7%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85-%D9%83%D9%88%D8%B1%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82.pdf

 

المصادر والمراجع :

1 ـ النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي .

2 ـ صفحات من نضال كريم احمد ـ 2006 ـ المسيرة ـ  ص 274 ـ 276 .

3 ـ  لقاء الكاتب مع سكرتير الحزب الشيوعي العراقي السابق الرفيق الراحل عزيز محمد ـ اربيل

4 ـ بين قيادة شيوعية مترهلة ومتأمرين ...الضربة الغادرة في فرصة السطوع , الجزء الثاني ـ شه مال عادل سليم (بحث مكون من 6 اجزاء )

؟http://www.al-nnas.com/ARTICLE/Shamal/15r2.htm