أفكار ورؤى

حول مسودة التقرير السياسي

المقدم الى المؤتمر الوطني الحادي عشر

للحزب الشيوعي العراقي

مرة اخرى يثبت الشيوعيون العراقيون مصداقيتهم وشفافية ووضوح كيفية وطرق صياغتهم لبرامجهم السياسية وأفكارهم ونظام حزبهم الداخلي، وعبر النشر العلني لجميع وثائقهم، ومخاطبة الشعب مباشرة وعبر الدعوة لإبداء الرأي وحوار ومناقشة هذه الوثائق.. ليس هذا فحسب بل السعي للاستفادة من كل هذه الملاحظات والحوارات ووجهات النظر، في حصيلة الوثائق التي سيناقشها مندوبو المؤتمر الحادي عشر للحزب الذي سيعقد خلال الفترة القادمة.

لقد بات هذا النهج ضمن السياقات العامة التي اتبعها الحزب في ممارسته للعمل السياسي، والتي غدت دروساً للقوى السياسية والمنظمات التي تريد اظهار حسن نواياها في طريقة مخاطبة الجمهور وفي صياغة مفردات السياسة....

رغم أن وثيقة التقرير السياسي قد اتسمت بسرد التفاصيل ورصد ومتابعة عموم مواقف الحزب وسياسته في الفترة بين مؤتمرين، مع الكثير من التحليل والعرض للوضع السياسي وتعقيداته، وكان من الممكن تكثيفها واختصارها، الى انها تبقى محتفظة بحيويتها وأهمية المعالجات والتحليل فيها..

وفي عرضهم لهذه الوثيقة ولوثيقتي برنامج الحزب ونظامه الداخلي، يبرهن الشيوعيون العراقيون ان ليس لديهم ما يخفوه عن الشعب بخصوص سياساتهم ومواقفهم، مع التذكير والتنبيه لمن يريد ان يتعظ ويتعلم، في أن السياسة والمواقف لا تحاك في الغرف المظلمة وبعيدا عن آراء الناس وما يعبرون عنه من مواقف وتطلعات .

وسيكون مؤتمر الحزب القادم الحادي عشر مثل بقية مؤتمرات الحزب، كمحطة مهمة في التوقف والتمحيص والنقد والتحليل لمجمل مفاصل العمل والمواقف، مع رسم خطط وبرامج الفترة القادمة، وكيفية استنهاض قوى الحزب الحية وبعث الروح في منظماته، وتمتين الصلات بالجماهير الشعبية .

 من المهم في كل الظروف ان تكون توجهات قيادة الحزب ومواقفه السياسية في انسجام تام مع التوجهات التي يرسمها مؤتمر الحزب، وما تعكسه القاعدة الحزبية من تصورات ومواقف عبر احتكاكها المباشر مع القواعد الشعبية...وان يبتعد الرفاق في قيادة الحزب قدر الممكن عن الاجتهادات الشخصية والتحليلات النظرية، وان لا تكون هذه التحليلات والاجتهادات مادة لبلاغات الحزب ورسائله وبيانات لجنته المركزية...

مع اهمية ان تحتفظ قيادة الحزب وهيئاته المسؤولة بقاعدة بيانات واضحة عن جميع الاحزاب والقوى والمنظمات السياسية العراقية، وعن مواقفها السياسية ومدى قربها او بعدها عن برامجنا وتوجهاتنا..

ولا غنى هنا عن وضع توجهات برنامجية وخطط واضحة بخصوص خارطة القوى السياسية والمنظمات التي سنتعامل معها، مع معرفة المدى الممكن لأشكال العمل والتنسيق والتحالف معها...

كما يفترض اعادة النظر بوجهة ان نترك الجماهير تتحرك وتحتج لوحدها ومن ثم نأتي نحن لاحقا لدعمها ومساندتها، اذ ان هذا يكلفنا تبعات احساس وشعور الجماهير بثانوية دورنا ويقدم فرصة للآخرين في استغلال الظروف وتصدر المشهد...

ان استقراء الافق والحالة السياسية ضرورة ملحة يفترض ترابطها ليس فقط بتبني مطالب الناس بل الدعوة والتحريض لها وقيادة التحركات وتصدرها...

تبقى الفكرة صحيحة في ما يخص تحالف سائرون الانتخابي في ان هناك تاريخا طويلا من التواجد المشترك لجماهير الحزب مع جماهير الصدريين في المحتشدات والمظاهرات، وكان يمكن لقيادة الحزب من طرح الرأي والتصورات والحوار الحزبي الداخلي الذي سبق الاعلان عن التحالف بخصوص المدى الذي يمكن لنا كحزب شيوعي من تبنيه في شكل العلاقة مع الصدريين...

ولم تكن حساباتنا موفقة تماماً في ما يخص مدى التأثير الذي يمكن أن يقوم به قائد ديني مثل السيد مقتدى الصدر في التأثير على القاعدة الجماهيرية للتيار الذي يتزعمه روحيا وسياسياً...

وكانت الفترة الزمنية بين تشكل حزب الاستقامة وبين اعلان تحالف سائرون غير كافية من اجل الوثوق بهذا الحزب كواجهة سياسية مستقلة عن السيد مقتدى ولها استقلالية اتخاذ القرار، حيث تبين بوضوح ان السيد مقتدى الصدر هو المقرر والحاسم في المواقف...

وكان علينا كحزب شيوعي عراقي، حساب أن القوى الدينية والطائفية يمكن أن تتوحد في المواقف والرؤى مثل موضوع ما تدعيه في مقاومة اسرائيل وأمريكا وفي قضية الدين والموقف من العلمانية، وان مواقفها هذه يمكن ان تتعارض مع المواقف الشعبية، وكما حدث في اصطفاف الصدريين مع القوى الشيعية بعد اغتيال المهندس ..

لقد ظل تحالف سائرون الانتخابي فوقيا ولم تشهد الساحة السياسية فعاليات شعبية مشتركة بين قواعد الاحزاب المنضوية فيه ..

كان من الطبيعي أن تكون هناك اصواتا معارضة واجتهادات لتحالف سائرون الانتخابي، ولكن الاشارة تجدر أن هناك أصواتا قد عارضته من منطلق رفض العملية السياسية عموما، وأيضاً من منطلق رفض التقارب مع الاحزاب الدينية بشكل عام، وكذلك بحدود معينة من منطلقات طائفية كانت ترى أن الحزب الشيوعي قد تحالف مع الشيعة عبر التحالف مع الصدريين. وساهم في ذلك أن الصدريين ورغم دخولهم في تحالف سائرون بمسمى حزب الاستقامة، فقد ظلوا بعيدين عن الحزب السياسي وقريبين من التمثيل الديني والطائفي .

على مؤتمر الحزب القادم الشروع في رسم التوجهات والآليات الكفيلة بإشاعة اجواء الحوار الفكري وصراع الأفكار وسط هيئات الحزب المختلفة، وهي ضرورية ومطلوبة ويفترض تجسيدها والاستفادة من ما تعكسه من فائدة في العمل....

كما يفترض التذكير في أن ليس من الصحيح اشاعة اجواء من الارهاب الفكري ونشر الخوف والرعب والشك في العمل الحزبي الداخلي، عبر الدعوة لمحاسبة الرفاق بحجة أفكارهم ومحاولة التنصل من القرارات الحزبية المتخذة وفق آليات العمل والصراع والحوار الفكري، وعبر تصورها وكأنها اراء لرفاق محددين وليست لرأي الحزب ...

 قرار التحالف في سائرون هو قرار الحزب لأن قيادة الحزب قد اتخذته وبعد استفتاء( بغض النظر عن طريقة وشكل ومدى الاستفتاء)، وهناك نص صريح في النظام الداخلي يخول اللجنة المركزية اتخاذ مثل هذه القرارات ....

ونحن ندرس تجربتنا في تحالف سائرون علينا عدم تجاهل الاختراق الذي احدثه هذا التحالف في كسر وتهديم التحالف الشيعي الطائفي ولو بحدود معينة، والاعتراف الصريح من قبل القوى الدينية بان لا مناص من الاقرار بمكانة الشيوعيين والمدنيين، واضطرارهم للقبول ببرنامج مدني ينص على مدنية الدولة ونزع السلاح من الجماعات المسلحة، ورغم ان الكثير من بنود هذا البرنامج لم تنفذ عمليا...

وهنا علينا الفصل في دعواتنا ضد نظام المحاصصة والطائفية، بين الموقف في الدعوة لتسقيط وإنهاء وتخوين الأحزاب وبين الدعوة لتخطئة مواقفها الفكرية والسياسية، والوضوح في هذه القضية مطلوب،ويمكن الاستناد في هذه القضية الى بنود قانون الاحزاب وعبر الدعوة الى التطبيق العملي لبنوده...

وحول الموقف من الانتخابات الأخيرة، كان من الأجدر والأمضى الاشتراك فيها مع استمرارنا على رفع نفس الشعارات والمطالب التي تخص موقفنا من قانون الانتخابات والمفوضية والأحزاب والسلاح المنفلت وغيرها...

لقد كان قرارنا انفعاليا وحماسيا وابتعد عن بديهيات العمل النضالي الشيوعي في امكانية العمل في كل المحافل والساحات، خصوصا ونحن لت نتبنى اليوم شعارات الكفاح لإسقاط العملية السياسية، ولسنا من المؤيدين للانقلابات العسكرية..

المهم اليوم هو السعي بقوة من رص الصفوف وتوحيد الجهود واستنهاض قوى الشعب الحية، وعبر التعويل على الاصوات والمواقف الشعبية التي عارضت الانتخابات بهدف التغيير والضغط من اجل شروط أفضل وعلى الأصوات والمواقف المساهمة في الانتخابات من مستقلين ومن قوى تشرين والمدنيين، ومن أجل زيادة الضغط الشعبي للإسراع بتشكيل حكومة بعيدة عن منطق التوافق المكوناتي واتفاق البيوت القومية والطائفية والمذهبية، ودوام النضال والكفاح من أجل دولة المواطن العادلة المدنية الديمقراطية...