حكاية من الامغر-2
حسين عبد السادة- ابو زاهدة
18-03-2023
لم أكن اتوقع انني سوف أرسل الى هذه المنطقة الحدودية (العراقية -السعودية)، كثير من الافكار والشكوك خطرت على بالي حينئذ ,لماذا لم أرسل الى جبهات الحرب؟ وهذا ما كنا لا نتمناه (انا والجنود الاخرين)
في نفس اليوم لوصولي تحدث معي الجندي لطيف قال يوم غد صباحا سوف تبدأ العمل على جهاز الرادار .كان جهاز الرادار عبارة عن سيارة عسكرية مغطات بشبكة لونها بلون الصحراء للتمويه. والتي تبعد مائتين متر عن الكرفان.
كنا نقضي وقتنا بالعمل على الرادار وقراءة الكتب ولعب الشطرنج. في أحد الأيام كنا نلعب الشطرنج انا ونائب الضابط خالد نسمع صوت عالي خارج الكرفان،
خرجت بسرعة لأرى ما الامر! وإذا اشاهد الجندي لطيف يصيح بصوت مرتفع ويهدد نائب الضابط حامد (مسؤول التوجيه السياسي) * ,يقول إذا تزعجني بسوالفك سوف اهرب الى الجبل واصير مثل ما انت اسميتهم بالعصاة*. حينها تفاجأت بالجراءة الكبيرة التي ابدأها لطيف، بقي هذا الكلام عالق بذهني، (فكرت حينها مع نفسي ربما إذا ضاقت بي الظروف سوف أتكلم مع لطيف)
في بادئ الامر لا اعرف سبب ردت الفعل العنيفة من لطيف مع نائب الضابط حميد، تكلمت مع نائب الضابط خالد وسألت لماذا يتحدث لطيف بعصبية مع نائب الضابط حميد؟ أجاب لان حميد مسؤول التوجيه السياسي للبعث ويضغط على الجنود غير البعثيين لكي ينتموا للبعث. (فكرت مع نفسي ربما سوف يأتي الدور لاحقا عليَ وانا لا امتلك هذه الجراءة وايضا لست قريب من الجبل. قلت عندما يأتي ذألك اليوم، (يحلها ألف حْلال كما يقول أهلنا)
في اليوم التالي بعد الحادثة نصحني خالد بان لا اجلب الكتب معي، قلت هذه فقط رواية
كنت حينها اقرأ للروائي والقاص عبد الرحمن مجيد الربيعي رواية (الوشم)*. قال لي مع ذألك هذا انسان لئيم، بعدها حاولت تجنب الاحتكاك معه قدر ما أتمكن
عندها توقفت عن جلب الروايات التي كنت استعيرها او اشتريها من بعض المكتبات.حينها كنا قد حرقنا جميع الكتب التي كانت لدينا في البيت
العزلة والوحدة في الصحراء يجعل الانسان بحاجة الى التحدث مع الاخرين سواء كنت مضطرا او راغبا , كنا ستة اشخاص فقط .لذلك كثير من الاحيان كان الضابط عامر وهو شاب في السابع والعشرين من العمر يأتي الينا ويقول لنا انني اشعر بالوحدة وبنفس الوقت اسأل عن احوالكم !ويضيف لذألك يكون باب كرفاني اغلب النهار مفتوح . كان الضابط عامر يتعامل معنا بلطف بعكس نائب الضابط حميد الذي يتعامل معنا بجفاء وتعالي
كان الجميع له علاقة جيدة مع الجندي السائق الذي بنفس الوقت يعمل طباخ كان انسان طيب القلب ومنفتح مع الجميع كان دائما ما يكرر مقولته ,الدنيا ما تسوه لازم نعيشه مثل ما هيه
وجودي هنا في المنفى الاضطراري (نقطة الامغر الحدودية), جعلنتي اشعر ان روحي غريبة عن جسدي، ولكن ربما أفضل من ذهابي الى جبهات الحرب (العبثية) التي كانت مصدر خوف وقلق للناس على ابنائها. رجوعي بإجازة الى البيت تخفف عليً قليلا غربة روحي المتصحره
بدأت الحرب ( العراقية -الايرانية )تزداد أكثر ضراوة والناس اصبحت أكثر خوفاٌ وقلقاٌ على أبنائها
كان من ضمن هؤلاء الناس اهلي بشكل خاص والدتي بسبب وجود اخي قاسم (ابو علا) * الذي كان في جبهات الحرب قاطع العمارة.
مضى على وجودي أربعة أشهر في هذه المنطقة الحدودية (الامغر). في أحد الأيام وانا خارج من الكرفان نادى عليَ نائب الضابط حميد وتحدث عن ضرورة انتمائي للبعث بعد مقدمة من المديح للسلطة لم تكن عندي الجراءة الكافية لكي اتحدث معه مثل لطيف!! ولا أستطيع التهرب من الجواب قلت له وانا غير متأكد ان الجواب سوف يساعدني (ان اهلي مؤمنين يصلون ولا يتدخلون بهذه
الأشياء). رد بشيء يثير علامة الاستفهام. بلكي بعدين تقتنع وتجي ويانه !!,شعرت بنفس عميق حار يخرج من رئتيً فقلت هذه المرة عدت لكن ربما تأتي مرة اخرى في المستقبل بشيء سيئ!
بعد مضي ثمانية أشهر ونحن جالسين نلعب الشطرنج انا وخالد سمعنا طرق باب الكرفان ويفتح الباب نائب الضابط حميد يطلب مني الذهاب الى الضابط عامر الان! اجبت بنعم.
ذهبت الى الضابط عامر قدمت نفسي كما معتاد في العسكرية، قال هذا كتاب (رسالة) من الاستخبارات العسكرية تأخذه وتذهب الى مقر السرية ومنها الى الاستخبارات ولك عشرة أيام إجازة حاولت ان اعرف السبب لكنه أضاف لا اعرف أي شيء. خرجت وانا اشعر ان النار والحزن في القلب تحرق جسمي حينها خطرت على بالي الكثير من الأسئلة المحرقة والمدمية للقلب ربما الاحلام التي كنت اعتقد بها وايضا الاخرين الذين لديهم ربما نفس الاحلام للناس والوطن لم تجد نفعا.
كلانا غريبان
رمتها سُدىً بذرةٌ في العراء
وأنكرني موطن (....) لا يصون الوفاء*
قبل ذهابي خبرت صديقي نائب الضابط خالد الذي كان متعاطفا ومتضامنا معي وابدا مساعدته
--------------------------------------
*يوجد في كل وحدة عسكرية
*(السلطة تسمي البيشمركة (العصاة
*توفى 13-11-2020
*الشاعر أ.د. عادل الحنظل
* بين قوسين لي (اعتذر للتنويه)