خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة هو تعبير حضاري وتاريخي عن الرواية الفلسطينية وخارطة طريق لمستقبل الشعب الفلسطيني وعلاقاته مع كافة الدول بالعالم حيث حمل مضامين الخطاب جملة من التفاصيل المهمة والتي أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك زيف الرواية الصهيونية الاستعمارية والتي تعتمد على ممارسة الكذب والسرقة وتزوير الواقع وفرض نفوذها كقوة محتلة تحتل شعب فلسطين وتمارس ابشع انواع القتل والإبادة وتقيم المستوطنات بهدف تهويد الاراضي الفلسطينية .

شكل خطاب الرئيس عباس الذي جاء ضمن فعاليات الأمم المتحدة لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، والتي أقيمت للمرة الأولى منذ عام 1948، نموذج نضالي للشعوب التي تسعى لنيل حريتها كونه مثل الضمير الجمعي للشعب الفلسطيني وعبر عن اماني وتطلعات ملايين الفلسطينيين في شتى بقاع العالم حيث يتطلعون الى اقامة دولتهم والعودة الى اراضيهم كما وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، مدعما ذلك بالحقائق الدامغة والبراهين الدقيقة التي تكشف عن طبيعة المشروع الصهيوني الذي أقيم على ركام قري فلسطين المدمرة .

وشكلت هذه الخطوة المهمة والتاريخية وكانت اعتراف من المجتمع الدولي بنكبة فلسطين وبحجم المأساة والظلم الواقع على الشعب الفلسطيني ووضعت العالم امام مسؤولياته القانونية والسياسية والاقتصادية والتي تتعلق بمعالجة اثار النكبة وكانت بمثابة رسالة فلسطينية قوية للعالم من اجل التطلع الى مضاعفة الجهود الدولية للتحرك باتجاه ضمان اقامة الدولة الفلسطينية ووضع حد لاستمرار الاحتلال ووقف كل اشكال الانتهاكات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة .

وبات من المهم ان يتحرك المجتمع الدولي والقيام بواجباته على طريق رفع الظالم ووقف سياسة ازدواجية المعايير، وعدم استمرار الصمت امام الحقوق الفلسطينية وما يقوم به الاحتلال منذ 75 عاما فحان الوقت للعمل الدولي وإنصاف الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال وتحمل المسؤولية تجاه شعب محتل ارتكبت ضده جميع أنواع الانتهاكات والجرائم، وخاصة في ظل استمرار دعم دولة الاحتلال من خلال الدول الكبرى وعلى رأسها أميركا وبريطانيا، كونهم يتحملون المسؤولية التاريخية عن النكبة ولا بد من إنصاف الشعب الفلسطيني وإنهاء معاناته ورفع الظلم عنه .

آن الأوان ليكون هناك حراك دولي تجاه حماية الشعب الفلسطيني ومحاسبة دولة الاحتلال على جرائمها وإنهاء هذا الاحتلال الفاشي، ويجب ان تتحمل الأمم المتحدة المسؤولية كون ان الدول المتنفذة في صنع القرار الدولي ينص ميثاقها ومبادئها على صنع السلام ورفض احتلال شعب آخر ولذلك يجب أن تقوم بخطوات عملية لتنفيذ قراراتها وإنصاف الشعب الفلسطيني ليقرر مصيره وليعيش بدولته المستقلة كباقي شعوب الأرض .

انه برغم النكبة المستمرة والجرائم اليومية إلا أن جماهير الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجدهم في الشتات وبالداخل الفلسطيني تزداد تمسكاً بالأرض الفلسطينية مؤمنة بحتمية الانتصار ومستعدة دوما للتضحية والفداء من اجل فلسطين وهى تعبر عن رفضها لكل اشكال الاحتلال وتلك المؤامرات التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني وأرضه والنيل من مستقبله وتعبر وتشارك في برنامج احياء ذكري النكبة من خلال المسيرات الشعبية والفعاليات الوطنية والتي ترفع من خلالها الصوت الفلسطيني عاليا لتؤكد على ان العودة حق مقدس لا تنازل عنها ولا بد من استعادة الحقوق الفلسطينية المغتصبة مهما طال الزمن والتي لا تسقط بالتقادم وهي أساس الحل العادل للقضية الفلسطينية من خلال تطبيق القرارات الدولية ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه التاريخية .

 

ذكرى النكبة وأهمية تنفيذ قرارات الشرعية الدولية

 

يحيي العالم اجمع والشعب الفلسطيني الذكرى الـ75 للنكبة، هذه الذكرى الأليمة للشعب الفلسطيني والأمة العربية ولجميع أحرار العالم والتي تعيد التذكير بالمأساة الفظيعة التي حلت بالشعب الفلسطيني جراء احتلال أرضه وتهجيره ظلماً وعدواناً وإرهاباً بارتكاب سلسلة من الجرائم والمجازر البشعة .

في مثل هذه الأيام من عام 1948 شهد العالم واحدة من أبشع وأفظع المآسي التي تتعرض لها الإنسانية، حيث تم تشريد أكثر من 800 ألف فلسطيني من قُراهم ومدنهم وتم تدمير 531 بلدة وقرية بالكامل، مع ارتكاب جرائم التطهير العرقي باقتراف العصابات الصهيونية لأكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين، أدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني خلال تلك الفترة، فيما بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين والعرب منذ النكبة عام 1948 وحتى اليوم نحو 100 ألف شهيد جراء استمرار هذه النكبة وتتابع حلقاتها حتى يومنا الحاضر باستمرار الاحتلال الذي بدأ في عام 1967 وما يرتكبه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني عبر الاستيطان وسلب الأرض والموارد واقتلاع السكان وتهجيرهم وتدمير كافة مناحي حياة الشعب الفلسطيني في محاولة بائسة للنيل من عزيمته وإصراره على انتزاع حقوقه وحريته .

المجتمع الدولي يضطلع بمسؤولية كبيرة في ضرورة التصدي للتوجهات بالغة التطرف لحكومة اليمين الإسرائيلي والتي لا تضيع فرصة من أجل إشعال الموقف وتأجيج المشاعر ودفع الأمور إلى حافة الهاوية في الأراضي المحتلة وترفض حل الدولتين وتعمل على تقويضه عبر مشاريعها الاستيطانية واقتحامات المسجد الأقصى المبارك وفرض روايات الاحتلال ضمن النهج المتطرف، ويتعين على كافة القوى المحبة للسلام الوقوف صفاً واحداً لوضع حد لهذه النزعات المتطرفة والممارسات الخطيرة لحكومة الاحتلال .

الجرائم التي ارتكبت وما زالت لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمن ويجب في هذا السياق تفعيل آليات العدالة الدولية في ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين عن جرائمهم وتقديمهم للمحاسبة، كما يجب على المجتمع الدولي وهيئاته ومنظماته وفي مقدمتها مجلس الأمن تحمل كامل مسؤولياته في متابعة وتطبيق قراراته وأهمية إنصاف الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية .

ذكرى يوم النكبة الفلسطينية أقرت بالأمم المتحدة في انتصار سياسي ودبلوماسي فلسطيني وعربي وأن إحيائها في قاعة الجمعية العامة لأول مرة على مدار سبعة عقود ونصف يشكل اعترافاً من الأمم المتحدة بالنكبة والمأساة الفلسطينية التي حلت بالشعب الفلسطيني وإقراراً بالرواية الفلسطينية القائمة على الحق وان بداية تدويل القضية الفلسطينية يحمل رسائل مهمة وأن العالم اجمع مطالب بالعمل على حماية حقوق الشعب الفلسطيني والدفاع عنها وعلى رأسها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين .

لقد مر 75 عاما على النكبة وما زالت المأساة الفلسطينية متواصلة وما زال شعبنا يتطلع للعودة إلى دياره وإلى مدنه وقراه، ليأخذ مكانته بين الأمم كباقي شعوب الأرض، ولا يزال الحل العادل للقضية الفلسطينية بعيداً، نتيجة إصرار إسرائيل على رفض الانصياع لقرارات الشرعية الدولية التي شكل بعضها أساسا وشرطا لقيامها ولاعتراف المجتمع الدولي بها، واستمرارها في سياساتها القائمة على فرض شرعية الأمر الواقع بديلا للشرعية الدولية، وتنصلها من مسؤولياتها التاريخية إزاء المأساة الفلسطينية وتنكرها للوجود الفلسطيني ورفضها الاعتراف بحق العودة والاستمرار في جرائمها العنصرية من خلال هدم المنازل وبناء المستوطنات والاستيلاء على الأراضي وتهويد القدس والسعي إلى تمرير مخططهم بفرض التقسيم الزماني والمكاني .

 

وما زال الظلم التاريخي يلحق بالشعب الفلسطيني



نكبة فلسطين ما زالت مستمرة وما زال الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني على مرأى من العالم أجمع مستمرا حتى اليوم، ويكابد ظلم وقهر وعدوان الاحتلال الإسرائيلي الغاشم وتأتي الذكرى السنوية للنكبة هذا العام في وضع بالغ الخطورة، مع استمرار الكيان المحتل في نهجه الإجرامي، عبر شن حرب إجرامية وإرهابية ضد شعبنا الفلسطيني، واقتحاماته اليومية للمدن والقرى ومخيمات الضفة، خاصة في مدينة القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهدم البيوت على ساكنيها، وارتكاب أبشع أنواع القتل والاغتيالات والاعتقالات التعسفية، والاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى، والعدوان الإجرامي على أهلنا في قطاع غزة، فضلا عن ممارسة أبشع أنواع التنكيل والاغتيال المتعمد للأسرى والمعتقلين، وسياسة سرقة الأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها، وتهويدها وإقامة المستوطنات .

المجتمع الدولي مطالب بتحقيق العدالة ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني وضرورة احترام كل قراراته والضغط على سلطة الاحتلال الغاصب التي تمارس أبشع أنواع إرهاب الدولة والعنصرية، والتي تنتهك السلم والأمن الدوليين، وأن يتخذ القرارات والإجراءات الفعلية والعملية لردعها وإجبارها على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، ولا يمكن استمرارها بتعطيل قرارات الشرعية الدولية، وصمت المجتمع الدولي المطبق، والبيانات الخجولة التي تصدر عنه أحيانا والتي تعكس نهج هذا المجتمع ومؤسساته، خاصة مجلس الأمن الدولي، في التعامل مع القضية الفلسطينية، بازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين، مقارنة مع الجهود الكبيرة التي يبذلها في مناطق أخرى ساخنة في العالم .

الشعب الفلسطيني والذي يستعد للمشاركة في فعاليات ذكرى النكبة بقوة وفعالية في كل اماكن تواجده ضمن التحركات والأنشطة والفعاليات التي ستقام في عواصم العالم تعبيرا عن الوحدة الفلسطينية والحق التاريخي في تجسيد العودة للأرض الاباء والأجداد مهما طال الزمن والتأكيد على المشروع الوطني الفلسطيني وفي الوقت نفسه لا يمكن للشعب الفلسطيني ورغم مرور الزمن على أطول احتلال عرفه التاريخ، ان ينسى نكبته ولن يتخلى عن قضيته، بصموده ونضاله ومقاومته، إيمانا منه بعدالة قضيته وحقه الثابت في استعادة حقوقه الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف، رغم كل المؤامرات والظلم والإجرام الذي تعرض له على مدار كل هذه السنوات .

لقد آن الأوان لرفع الظلم التاريخي عن الشعب الفلسطيني وتنفيذ كافة قرارات الشرعية الدولية بما فيها القرار 181 والقرار 194، والاعتراف بدولة فلسطين على كامل أراضيها وعاصمتها القدس الشريف، وأن الاحتلال إلى زوال مهما طال الزمن ورغم كل مؤامرات التصفية والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الا انه سيبقي صامدا مرابطا على ارضه ولن يركع للمحتل الغاصب .

في ذكرى النكبة يؤكد الشعب الفلسطيني تمسكه بحقوقه الوطنية الوطنية، مختزناً في ذاكرته أسماء مدنه وقراه التي هجر منها، وأنه بعد 75 عاما من النضال، ورغم كل ما ارتكب بحقنا من جرائم ومجازر فإننا على هذه الأرض باقون ما بقي الزعتر والزيتون وإن 75 عاماً مرت على أكبر وأطول رحلة تشريد وتهجير في العالم، خاض فيها شعبنا معارك الكفاح والتحدي لتأكيد هويته الوطنية وترسيخ صموده على أرضه والانبعاث من جديد بعد كل معركة كما طائر الفينيق الذي ينبعث من رماده لتأكيد حق الشعب العربي الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية بموجب القرارات والمواثيق الدولية وأهمية حماية حق العودة الي الديار والقرى والمدن الفلسطينية التي هجر منها عام 1948 .

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.