جديدُ العُمْرِ مَا مَضَى لم يُثمِر غير الذِّكرَى ، مَجْمَعها شياطين أنس صفاتهم إن طال فيهم التمعٌّن كانوا من أشكالٍ أخرَى ، الغدر شيمتهم قبل النِّفاق يحسبونه تلهِيَة صُغْرَى ، حتى يتبخَّروا إلى حينٍ مع مصيبة كُبْرَى ، وهكذا الأيام ترافق الصالح مع الطالح في موقعٍ لا مكان فيه لسماع أطيب بُشرَى ، فقط تداخل التَّزاحم للحصول على ما لا يُرَى ، كمن باعوا أنفسهم ولتحقيرِها متى عمَّرت اشترى بالنيابة عنهم مَن اشتَرَى ، يبكون مِن الدَّاخل صامتين خلف ستارِ حالٍ فَريدٍ بما جَرَى ، لأصاحبِ أخلاقٍ ومبادئ تتضاربهم هواجس الحيرة مِن مواجهة مَن أمامهم دون حياء كقلم خَشَبيٍّ انبَرَى ، يَحتلّ عقول الأبرياء بكَذِبٍ يصطاد بلا صنَّارة الطامع في الارتقاء بلا عناء عن خلل له دارَى ، بمجرَّد إمضاء على بياض ورقة مصرفية مسلَّمَةٍ لمن عند الحاجة اليه لا يُجَارَى، كأن الأرض بلعته لزمنٍ بعده في الأقرب منها على هواه يَتَجارَى ، ليكتوي بنار حِيَلِهِ مَن اكتوى بلا أحدٍ عنه تَحَرَّى ، حتى السلطة مُغَيّبَة بما تراه الأجدر والأقوى محرومة من الكَرَى ، تَفنُّناً في إرضاء أصحاب المعالي والمفاخر والأمجاد أسياد المدن والقُرَى ، الكل مَن حولِهم عيونهم لا تغادر الانتباه المفرط أي حركةٍ لذئب نازحٍ من "دوَّار" بضغط الجوع عَوَى عواء يفيق عن غفلتهم السُّكارَى ،

فهؤلاء قوم أطلقوا على كل فريق اسماً للتعريف عند إحصاء نقط المخاطر اليمنى كاليُسرَي ، من ضفتي نهر يخفي من زمان أبعد بكثير من كِسْرَى ، دلائل حضارة انبثقت ليكون الناس معها سواسية أحراراً لا تشوبهم عاهة دكتاتورية ولا مَعَرَّى ، أجل هؤلاء قوم كلما تحصيلهم للمنافع انتظاره المُحَدَّد (لشروطِ وَضْعِيَّةٍ سَنَّها طرف واحد على مزاجه مُجحفة) استوفى ما داموا في القهر مَهَارَى.

... لم يكن محيط القصر الكبير كمدينة أسلم ممَّا يجعلها آمنة و حولها الكوارث المصطنعة ناشرة نفوذها من طرف زعامات محلية يباركها الخوف ويتجنَّبها المسؤولون على حماية الأهالي بقوة القانون ويظلون على مصالحها سَهارَى ، وينأى عن طريقها كل دافع لضريبة النجاة كثلة من حيارَى ، ويصفِّق لها متقن القفز على الحبال ليجد نفسه على رأس مجال قد تولَّى عليه منصبا مع الأكفاء لم ولن يتبارَى ، راتبه مهما بلغ لا يكفيه فهناك من يقاسمه بالنصف وإن اشتكى مِن شُرْبِ دمه ارتوى مَن ارتوى ويرحل مع شقاء العُسْرَى ، فالمنتسبون للكوارث لا يملكون من سمة البشر إلا إفراغ بطونهم والتبوّل في أي مكان أما الباقي فمسكون بالشر أعوج من مُعْوَج كالمثل القائل على صيغة السائل متى ذيل الكلب استَوَى و للاستقامة أَقْرَى.

... وأنتقل إلى بروكسيل ، حيث البهلولية داخل بيتها الفخم ، وتحديدا في حجرة نومها الأفخم ، تجلس بجواري على أريكة مبطّنَةٍ بقماش حريري أزرق مُستورد من مدينة دلهي الهندية ، المحشوة بريش معالج بأيادي انجليزية ، لتكون الجلسة فوفها تتغلّب على الليونة براحة تساعد على إطالتها ، مرشوشة الجوانب بعطرٍ فرنسي لا يزيده أي هبوب وإن كان بغباره لطيفاً إلا قوة في نثر رائحة تليق بالمقام ، ساعة السياحة الذهنية مع أجود وأنبل وأطيب غرام ، تجلس في أتم زينتها بوجه أضاء جسدها بتيار يدغدغ أحاسيسي فينقلني من مرحلة الاقتناع إلى المطالبة بالمزيد ، إذ للحُسن أظافر متى نهشت خيال عاشق ، أجبرته على أحلى اقتتال ، يُحيي بما يزرع من نبال، ذاك المُحاط بالرَّغبة الطبيعية الحلال، المحروس بضفتي مبادلة نفس المشاعر المكتملة بها متعة الحياة من أولها لغاية الزوال.

قالت وصوتها أقرب للوشوشة المقصودة عن إغراء تتقن توظيفه في الوقت المناسب : فيما تفكر وأنا برفقتك بعد غياب ثلاثة أيام حسبتها ثلاثة أعوام ؟، إن كنتَ لا تفكر في المغرب ، فهذا تقصير منكَ في حق مَن تعشقكَ فوف كل عشق معروف أو مجهول أو عَمَّ فانقرض ، بالتأكيد تفكِّرُ في المغرب لأنك تحبُّه كما نحبُّه نحن معشر يهود العالم ، لا تقلق فالملك الحسن الثاني قادر على بناء دولة كما نبنيها نحن في إسرائيل ، الفارق أن الدولة المغربية عمرها بالقرون من مولاي علي الشريف العلوي إلى الآن ، ودولتنا لم يكتمل القرن الواحد على تأسيسها من الصفر، نحن اليهود نحب الملك كما الأخير يحبنا لذا لا خوف ولا قلق علينا معا ، لا نعارض إن تعاطف مع الفلسطينيين بكونهم عربا ومسلمين ، لكننا من جنس جنسيته المغربية نحسبه الأقرب من غيره لنا .

قلت لها مغيِّراً وجودي تلك اللحظة ، من قمة السعادة إلى انخفاض ملحوظ في الارتياح : ما تدخلتُ في قناعاتك يوماً ولا أريد أن أتدخلَ لأنكِ حامله من نِعَمِ العِلمِ ما يكفي لتتبيني الطريق السالك من المسدود ، ولتنتخذي القرار الناجع ، في الوقت غير الضائع ، متحملة مسؤوليات اختياراتك عن جدارة واستحقاق . إن سهوت للحظات وأنا بجانب ملكة الجمال نفسه ، فما كنت مفكراَ في المغرب قلقاً عليه ، فهناك من الرجال والنساء ما لا يحتاجون أي شيء للدفاع عمَّا نحسبه صادقين القول و الفعل أشرف وطن ، نضحي بأرواحنا من أجل بقائه مُصان الكرامة رافع الهمة مهاب في السفح والقمة ، بل كنتُ أفكر في فلسطين ، إن كان غيري معك يرى ما أراه ويتمتع بما أتمتع به من مباهج الحياة ، لنسي الدنيا ومن فوقها حتى أقرب الناس اليه والديه ، لكنني على عهدٍ مع تلك الأرض الطاهرة أن لا يرتاح لي بال حتى أرى أهلها الصغار منهم قبل الكبار ، يضحكون بقلوبهم فرحاً وبعقولهم تحمُّلاً لمسؤوليات تدبير شؤون وطنهم الحر المستقل القادر على تعويض ما فات رغم كيد الكائدين .

... هرولت في اتجاه الحمام لتعود وقد نظَّفت وجهها الصبوح ممَّا عَلق به من مساحيق ، لتخاطبني بهدوء : أحببتكَ كما لم أحب بشراً من قبلك ، حاولتُ ما أمكن أن أرضي حبِّي الكبير هذا في إسعادِ شخصكَ ، بعيداً عن أي مؤثرات ولا ضغوطات عاطفيَة رابِطَة العقل بمكان ، ولا الطموح بتحقيق أي رغبة مهما طال أو قصُر الزمان . عشقتُ فيكَ نفسي فتصرَّفتُ معكَ كأنَّكَ أنا وأنتَ ولا أحد بيننا، ولم أجد فيكَ إلاَّ ما تتمنَّاه أنثَى أو يزيد ، حينما آزرتني في معركتي مع الجهاز كي لا أخسرك وأضيع بعدكَ ضياعاً لا تستقِّر صاحبته حتى في قبرٍ يجده مَن يريد الترحُّم عليها ، قيمتكَ عندي تفوق بكثير دولة إسرائيل ، لأنَّك علَّمتني دون أن تشعر أن الإنسان في الآخرة لا ينتسب إلى مكان وإنما لما كان هو نفسه ، فيُحاسب عليه منفرداً ، حيث لا جماعة صهيون تحميه ، ولا جهاز مخابرات يشهد بذكائه ونبوغه وكفاءته ، يبقى الأمر في حوزة خالقه ، وحتَّى لا تُلاحقني مخاطر المقبِلة من اللَّيالي، قرَّرت ما يلي : ...


البهلولية والمواقف البطولية

 

لن تكون السياسة بديل الحق العمومي قي تدبير شؤونه مهما كان المجال ، ولن تصل لإقناع الأغلبية أن للأقلية تحالف مع أي حل وفي الحال ، ولن تصل مهما ابتكرت من وسائل فكرية لما يبقيها متحدية من أجل ذلك المُحال ، ولن تكون مستقلة لا يمتطيها كما يريد حاكم لا يسمع عنه ما يُقال ، ولا أن تصبح بمفردها السيدة المطاعة على نفس المنوال ، الذي ساق جبابرة تمسكوا بها فطالهم الزوال ، فغدوا تاريخاً لا عنوان له سوى ما يعرضهم لسخرية المسنين قبل الأطفال . السياسة أكذوبة حينما اتَّخَذها البعض مَكسباً للارتزاق العَلني بالضَّحك البيِّن على الكائن المُقيم الراسخ قبل المتحرِّك الجوّال ، بل سلعة مصيرها البَوار قبل الركود خاسرة آجلاً أو عاجلاً كلّ إقبال ، بنظريَّة جديدة مستوحاة من حقوق الإنسان في تعمير الأرض بما هو أصْدق من الصِّدق وأطْيب من الطيب وأَلْيَن من اللين وأشدّ من شدَّة الشَّديد الفارز العيش الرغيد وراحة البال ، أينما استقرَّ بها الفرد كانت العدالة مرحبة به والإنصاف محتضنه وكلّ عوامل الراحة النفسية تحوم حوله بغير مُقابل ، نظرية "الدولة للجميع تشتري ولا تبيع" متوفِّرة على الأصل مكتفية الذات بالبوادل .

لمزيدٍ من فهم القصد ، هناك عينات ناطقات بما أوصلت بعض سياسات رسمية البلد والعباد ، لوضعيات يفرّ من هولها بل مصائبها ، الأكثر تجلداً والأطول صبراً والأقدر على تسخير العقل باختيار الانسجام مع الموجود ، أو التوجُّه لاختراق الحدود ، معانقاً مخاطر المجهول .

متى كانت السياسة السلطوية عماد حلول جذرية ، إن لم تكن بألوان زاهية قابلة للذوبان في جُدارٍيَة ، أو أي وَهْمٍ مَحْرُوز داخل خابِيَة مزخرفة بمذهب الأبيقُورِيَة ، مَن رآها مِن بعيد ظنَّها منزوعة من عمق تاريخ رابِيَة ، تَعَامَلَ أهلها القُدامى بالقِطَعِ الذَّهبية المنقوشة بالأشورٍيَّة ، مَن استولَى عليها فازَ بكلِّ مفاتن الحياة الدنيوية و في بطنه أنغام أزيرية ، وهكذا التعلُّق حاصل مع ضياء تحجبه كثل كثيفة ضبابية صفة البحث عنه إجبارية ، مع صفاء جو العلياء تبرز نجوم كعرائس سابحات في فضاء الحقيقة كما ألفتها (باستثناء قِلَّة) الأكثرية ، يخاطبن بشعاعهن المبهورين بمثل السياسة التي عليهم بإعادة التربية لمبادئ أفكارهم الأولية الإدارية ، الفارضة بعض التوجهات وكأنها خالة الديمقراطية الأوربية ، وما دون ذلك من المستحبِّ عدم الأخذ بها كأسبقية ليست في الأصل يمينية بل مستحدثة يسارية ، إذ السياسة المبتكرة لفائدة سرعة التطبيق الجماهيري تقتضى القبول لغاية إيجاد الحلول انتظاراً لانتهاء العُهْدَةِ الانتخابية المحسوبة في هذا البلد كثوابت أثرية ، طمعاُ لأصحابها في التجديد بعد الولايات الفائتة التي اعتبروها مجرد تدريب وبفضل ذات السياسة المختصة في التنمية العكسية البشرية ، لن يغادروا منها وعنها حتى الخراب الزاحف إليهم متروكاً عن قصد لتشخيص مسرحية ترميم و إصلاح نفس السياسة بإعطاء المزيد من الحريات ، تصبغ المنجزات الاجتماعية العظيمة مع تحويل الظاء إلى حرف القاف ، بلون الشفق المخلوط بالأصفر والوردي والأزرق ، تقرِّب زينة الصور المغشوشة إلى القلوب الهشة في صدور من يسوقهم صمتهم الدائم على المنكر ، إلى فقدان حاستي السمع والبصر ، للمكوث وسط العوامل الدائرية ، الصِّفر أولها والتقهقر ثانيها والاستغناء الكلي وليس الجزئي عن البصيرة ، وذاك مُرتَقَب كنهاية نهائية ، ساخطة من لدن العقلاء على سياسة غير سياسية ، قيمتها وضياع الوقت لسيطرة السلبي على الايجابي بالتأكيد متساوية .

غير مُلاَحَظ ذاك الخلل في تطبيق سياسة تُوهِمُ الذي يَحْبُو بالمَشْيِ على مقياس الحال ، بتؤدة دون حاجة لسرعة انسياب مياه شلال ، حتى لا يثير بجَلَبَةٍ أو هدير مراقبي مَجال ، محسوب منذ أعوام ليست بالكثيرة على استقلال المغرب كمِلْكِيَةٍ خاصة لبعض نِسْوَة في الشمال دون رجال ، تعبهن اليومي ملخَّص في سَنِّ الأوامر قبل الخوض في أغرب تِجوال ، لتفقُّد مَن كبر مِن العيال ، يتم إلحاقهم كأحدث عمال ، لن يُطالبوا بحقوقهم مكتفين بما يُصوِّرونه في الخيال ، عن التقرُّبِ مِن صاحبات الرَّقص فوق أكوام العنب لاستخراج العصير الأسمر (كبعض الإسبانيات في ضيعات الأثرياء) أثناء الزوال ، وليلاً على ضوء القمر ينتظرن في خطوات لمدخل مدينة "سبتة" مَن يستضيفهنّ بما وَفَّره لسنين من مال ، يزددن به نفوراً من الحلال ، مقتربات بوفرته ممّا جعلتهن في البال ، ذات يوم تقرِّرن فيه الاعتزال قبل الانعزال .

إنها صورة مُصَغّرة جداً من عصر المخدرات المزدهر بازدهار سياسة "أتْرُك مَن بَسَطَ يده في العطاء" ، دون البحث ممَّن جاء ، مادام يُنسِي الناس التَّزاحم على أبواب الإدارات الحكومية طالبين الدَّعم الفوري قبل استفحال المآل ، فحَصَلَ رعاع الأمس على الأموال الطائلة بالهَبَل ، يُسْتَقبلون من طرف عامل الإقليم (محافظ المحافظة) كالأبطال ، بما يليق سعة جيوبهم ليعودوا من نخبة أعيان البلاد بما يخصِّصونه من صدقات على بعض الجمعيات الرياضية واحتشاماً الإنفاق على بعض دور العجزة ضاربين لذلك الدف والمزمار لإخفاء ثُقب الغربال ، بواسطة سماسرة من نوع خاص مكاتبهم متنقلة بين كراسي المقاهي في مدن "تطوان" أو "شَفْشَاوِنْ" أو "القصر الكبير" أو "وَزَّان" كمرحلة أولى تلتها الثانية أسوأ وألعن وصلت من سفوح المدن إلى قمم الجبال.

... عادت البهلولية من لندن ، بعد حضورها اجتماعا شديد الحساسية ، وعر الاقتحام ، سامي رُتَبِ المقام ، هَابِطَ الأصل ، ناكر القيم الإنسانية النبيلة ، المُقَرَّر فيه مِن إجراءات لا تُبقِي أملاً لتراجع إسرائيل عمَّا بدأته لتوَسُّعها في احتلال فلسطين ، دولة عربية مشرقية واحدة شاركت مشاركة فعَّالة عزّزت بها الحصول على أوثق ضمانات تحص نظام حكمها وما قد تتوصَّل اليه من مساعدات خلال أوقات حرجة قادمة ، بقلقها وصداعها وما قد تخلِّف من تدمُّر بالغ الخطورة داخل بعض الأوساط الوازنة في العالمين الإسلامي والعربي المرتبطين لحد ما بالقضية الفلسطينية ومصيرها البعيد المدى قبل القصير . كان الاجتماع بمثابة مؤتمر مُصغَّر لأجهزةٍ مخابراتية لكل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ، وتلك الدولة العربية المشرقية كما سبق الذكر . طبعاً إسرائيل كانت صاحبة الحدث المسيطرة على جدول أعماله ، الواضعة كل الدراسات المهيأة من طرف كبار خبرائها في الميدانين العسكري والاقتصادي ، هدفها كان الحصول على المزيد من الدعم المالي المصاحب لحصولها على عتاد حربي مصنَّع مؤخراً يُستعمل بقدرات تدميرية رهيبة تمكِّن مِن إنجاح عمليات الهجوم ، وقبل ذلك التأييد لتنفيذ خطة تمتد لسنوات طوال ، تضرب فيها كل العصافير المسبِّبة بزقزقاتها توالد تحركات غير طبيعية ، قد يؤدي نموها إلى زعزعة الاستقرار المحلِّي لدول في أوربا ، إضافة إلى أجزاء لا يُستهان بها مِن ولايات أمريكا . وفي الاجتماع بالذات تحوَّل المُكوَّن عسكرياً إلى واضع إستراتيجية سياسية ، تُواكب عن كثب (بالمراقبة ومواجهة التأثير وتحويل الاهتمام إلى العكس تماماً) كل مجريات الصراع الخطير الخلفيات والنتائج ، المنتظر نشوبه بين خصمين ، الأضعف فيهما مُسانَد من رأي عام دولي طويل عريض ، قادر في الغرب خصوصاً ، على قلب أي نجاحٍ إسرائيلي إلى اعتداء سافر يعقبه فشل محقَق ، وإسرائيل مهما أظهرت من عدم اكتراث بالموضوع ، تظل خائفة من ديمقراطية حقيقية ، تحترم في عمق ما تبثه من تصرفات إنسانية ذات العلاقة الوطيدة بحقوق الإنسان متكاملة كاملة ، أكان عربياً أو غربياً أصفر البشرة أو غالباً عليها السواد . للأسف الشديد لم يهتم بما طهر على إسرائيل من تَغيُّرٍ مفاجئ تعزز به ما توصَّل اليه العسكري السياسي من إضفاء خط مستقيم ينتهي بزرع أمل طفيف في عقول بعض القادة الفلسطينيين المرتبطين مع دول عربية وأسيوية ، جعلت من حركتهم الميدانية أكثر قابلية للتعريف بنفسها ، بنية إظهار العضلات وإقناع تلك الدول أنها قادرة على سحق إسرائيل متى شاءت ، وما تتوصل به من هبات تُصرف على المفيد المانح ولا شك ما جعلت الدولة العبرية تتحدث مطولاً عن السلام للعيش بعيداً عن التوتر وأشياء أخرى معروفة . المملكة العربية السعودية فطنت باللعبة الإسرائيلية مبكراً ، وقد حذرت في حينها من تثق فيهم من مسؤولي فلسطين ، عن مغبة تصديق ادعاءات الصهاينة ، الذين قطعاً يتهيؤون لاستقبال أي أخطاء مرتكبة من أي حركة فلسطينية ، لتُظهِر حقيقة نجحت لحد ما في إخفائها مدة كافية حصلت خلالها ما يفوق حاجاتها لحرب ، ما شهدت المنطقة داخل حدود معينة أشرس ولا أفتك ولا أصعب منها ، تخسر فلسطين فيها الكثير من الأرض والأرواح ، لم تُستَقبل السعودية بما نصحت به وما كانت تترجاه ليقع ، قائمة بمسؤولياتها ، بل ذهب البعض بإيعاز من إسرائيل إلى التشكيك في ما قامت وتقوم به ، كدافع يدين تبعيتها لتنفيذ سياسة أمريكية شرق أوسطية خاضعة لنصرة إسرائيل وليس فلسطين على الإطلاق ، فما كانت إلاَّ أن تأخَّرت خطوات إلى الوراء .

... البهلولية برهنت بما أطلعتني عليه أنها صاحبة المواقف البطولية ، تستحق احترام وتقدير التاريخ حينما يُكتب بأقلام تمكن أصحابها من معرفة الحقيقة عن تضحيات خرافية .


مصطفى منيغ
سفير السلام العالمي