حكاية ونَص...في مثل هذا اليوم

الظلمة والبزوغ!



إلى الشهيد “سعدون" (1)

استفقت من غفوتي العميقة إثر تلقي جرعة مهدئات للألم بعد العملية الجراحية بالفقرات العنقية... وجدت إلى جواري صديقي (أبو عمار) شاحب الوجه، ابتسمت إليه لأطمئنه بأني اتعافى، لكن غمامة الحزن التي تتلبد على وجه (أبي عمار) لم تتبدد ولم يبدُ عليه الاكتراث لخروجي سالماً من العملية التي كانت تحفها المخاطر، مما أثار التساؤل في نفسي عن سر ما يحزن صاحبي!

ما زادني قلقاً تكرار الاتصالات الهاتفية التي يقفز لها صاحبي في كل مرة خارجاً من الغرفة إلى الممر الجانبي ويعود صامتاً يفترسه الحزن...

انتابتني نوبة من الدوار والإغماء الخاطفة...فانتفضت منها وأمسكت بمعصم (أبي عمار) متوسلاً له بإلحاح شديد أن يخبرني بما يخفي عني...

طأطأ (أبو عمار) رأسه للأرض وأطلق حسرة:

لقد اغتالوا (سعدون)!

لم اقوَ على الاستفهام منه وقد يبس ريقي...

لكن (أبو عمار) استطرد في الحديث وكأنه يريد أن يعفيني من عناء الأسئلة:

(في ظهيرة يوم 13 تشرين الثاني 2004، تعرضت السيارة التي كان يستقلها "سعدون"، إلى هجوم زمرة من الإرهابيين، على الطريق من بغداد الى كركوك، وهو في طريق عودته إلى أربيل لقضاء أيام العيد مع عائلته في شقلاوة ومعه اثنان من رفاقه)!

ووفق رواية رفيقه (جاسم الحلفي):

(عند الساعة السابعة والنصف مساء يوم 13/11/2004، رن تلفون الدكتور "أبو سعد"، وظهر رقم الرفيق "سعدون"، وكان المتصل يكلم الرفيق "أبو سعد" باللغة الكوردية التي لا يعرفها.... وسرعان ما اعطاني الهاتف قائلا:

"شوف هذا شيريد...شو قلقني يتصل بي من تلفون سعدون"؟!

صعقت من هول الصدمة حينما قال لي المتصل:

"انا سائق على طريق بغداد كركوك، وجدت ثلاث جثث على الطريق والهاتف الذي اتصل من خلاله بكم لأخبركم بالحادث يعود لإحدى الجثث")!

انزلقت محزوناً إلى هاوية الظلمة...لا يكتب:





الظلمة والبزوغ!

عند احتكام الأزمنة للرصاص...

يتهاوى الغيم إلى قرارة اليباب...

تنزلق الحكمة للضجيج...

والخطوات للمقابر...

والطفولة للنحيب...

والأفكار لـ "وسائل الإعـدام"!

****

يتربص الموتُ للبزوغ...

في مفترقات التألق...

تثأر المشانق المتهاوية من الأعناق الفصيحة...

تخشى السيوف من الكلمات...

والبارود من الأحلام!

****

تصطف الأمهات على الأفق بانتظار التوابيت!

يَجْمَعْنَّ الأهِلَّةِ بالعباءات المُعَبَّقةِ بالحنين!

يَكْتُمْنَّ...

الوجعَ في طَلْعِ النَّخْلِ...وبين الصخور!

والأسرارَ في "الجراغدِ"... (2)

والسنينَ في المآقي!

يَغْسِلْنَّ الوجوهَ بالدمع...والقلوبَ بالوِدَّ!

****

تتسمر الأمهاتُ أمام اللوح المُدَبَّجِ بالوجوهِ المُغَيَّبَةِ!

يَرْتَعِدْنَّ من الدقائق المخبوءة في المنعطفات الموبوءة بالثعابين!

يَحصينَّ الأبناءَ المغدورين...

والأبناء المُلتَحمين مع القَبّار على أعتاب الصبح!

****

تتوهم النوايا المُفَخخة بالفناء...

أن الظُلمة مأسرة للشروق...والغدرُ...

ستطيلُ الهزيع الأخير من الليل الحالك!!

  1. الشهيد (سعدون)... (وضاح حسن عبد الأمير) .....ولد في مدينة كربلاء ظهيرة يوم 11 تشرين الاول 1961!

  2. الجراغد: غطاء الرأس عند القرويات العراقيات.