أثار مقالي الأخير، “لماذا يعتبر حل الدولتين الخيار الوحيد القابل للتطبيق لاستبعاد أي خيار آخر”، العديد من ردود الفعل المختلفة. وأصبح من الواضح بالنسبة لي أن الكثير ممن قرأوه استسلموا للسرد السائد بأن مثل هذا الحل ببساطة غير واقعي. وأنا لا أتفق معهم بشدة.

قلت في مقالتي الأخيرة بأن حل الدولتين هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وليس من المستغرب أن يندرج رد فعل العديد من الذين قرأوه بشكل عام ضمن أربع فئات. زعمت إحدى المجموعات أن هذا ليس الوقت المناسب، نظراً للحرب بين إسرائيل وحماس، وأن الأمر سوف يستغرق جيلاً آخر قبل أن يتمكن الإسرائيليون والفلسطينيون من تحقيق المصالحة وبدء محادثات السلام. وأما الحجة الثانية هي أن الفلسطينيين لن يقبلوا أبداً حق إسرائيل في الوجود حتى لو أقاموا دولة خاصة بهم، لأنهم عازمون على تدمير إسرائيل. أما الفئة الثالثة فتعتقد أن فكرة حل الدولتين برمتها هي أقرب إلى السخرية ولا تستحق دراسة جدية. وترى المجموعة الأخيرة أن الصراع متوطن وغير قابل للتسوية، وبالتالي فإن فكرة حل الدولتين برمتها وهمية ولن تتحقق أبداً.

وما يثير القلق في هذه الآراء هو التسليم بأن أي مفاوضات سلام متجددة ستكون عقيمة لأن كل ما تم تجربته من قبل للتوصل إلى اتفاق سلام لم ينجح. أنا لا أتفق مع ذلك بشدة لأن هذا الصراع الذي تسبب بالفعل في الكثير من الموت والدمار لكلا الجانبين على مدار الـ 75 عامًا الماضية، لن يختفي أبدًا وسيظل يطاردهم لأجيال حتى يواجهوا واقعهم الكارثي الحالي.

هذا ليس الوقت المناسب
بالنسبة لأولئك الذين يزعمون أن هذا ليس الوقت المناسب، أسألهم، متى هو الوقت المناسب؟ فهل يحتاج الإسرائيليون والفلسطينيون إلى المزيد من الوقت لإيقاع مئات الآلاف من الضحايا قبل أن يفقوا على وجودهم المأساوي؟ المزيد من الوقت لتسميم أربعة أجيال أخرى بالعداء والسم تجاه الآخر؟ المزيد من الوقت لتجريد الآخر من إنسانيته، وجعل قتل الأبرياء والوحشية الممارسة ضدهم أمرًا عرضيًا ؟ المزيد من الوقت لإهدار المليارات للتدريب وشراء المعدات العسكرية وإعداد الشباب للموت في الحرب المقبلة ؟ المزيد من الوقت للتآمر والتواطؤ لإرهاب الآخر؟ المزيد من الوقت للملايين للمعاناة والشعور بالتهديد والعيش في خوف وعدم يقين مؤلم؟ المزيد من الوقت لتعميق الكراهية والعداء وانعدام الثقة لجعل المصالحة مستحيلة؟ والمزيد من الوقت لتحطيم حلم الغالبية العظمى من الجانبين في العيش بسلام وأمن؟

لقد حان الوقت الآن لإنهاء الصراع لأن المزيد من الوقت سيجعله أكثر استعصاءً على الحل وسيكلف ثمناً باهظاً من الدماء والموارد الثمينة، ومع استمرار الصراع سيظلون يواجهون بعضهم البعض في الحرب أو في السلام لأن تعايشهم بشكل أو بآخر لا مفر منه.

الفلسطينيون عازمون على تدمير إسرائيل
هناك بالفعل العديد من الفلسطينيين المتطرفين مثل حماس والجهاد الإسلامي الملتزمين بتدمير إسرائيل ولن يتخلوا عن خطتهم لتدمير إسرائيل حتى لو أنشأ الفلسطينيون دولة خاصة بهم. ولكن بعد مرور 75 عامًا، لم يعد لديهم ما يظهرون قدرتهم على ذلك. لا توجد دولة فلسطينية، وهم يخضعون لاحتلال يفقدون أرضهم في ظله كل يوم. لم يكن لديهم قط الوسائل التي تمكنهم من تشكيل خطر واضح وقائم على إسرائيل ولن يكتسبوا أبدا تفوقا عسكريا على إسرائيل. إن الحرب بين إسرائيل وحماس ما هي إلا دليل على سوء تقدير حماس المأساوي، حيث أن وحشيتهم في التعامل مع الإسرائيليين الأبرياء سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى انتزاع أحشاء الحركة إلى نقطة اللاعودة.

من المؤكد أنه سيظل هناك متعصبون يستمتعون بخداع الذات، معتقدين أنهم ما زالوا قادرين على تدمير إسرائيل، ولكن هنا حيث سينتهي الأمر بخداع الذات. لقد قبلت السلطة الفلسطينية وعدد كبير من المعتدلين الفلسطينيين والدول العربية الرائدة منذ فترة طويلة وجود إسرائيل. ويعود هذا إلى مبادرة السلام العربية في عام 2002 التي تمثل تحولاً كبيراً عن قرار جامعة الدول العربية الصادر في الخرطوم في سبتمبر/أيلول 1967، والمعروف بلاءاته الثلاث ــ لا تفاوض، ولا اعتراف، ولا سلام. وتشهد اتفاقيات إبراهيم كذلك على موقف الدول العربية تجاه إسرائيل، وهو موقف لم يغب عن أذهان الفلسطينيين. وحتى ميثاق حماس، الذي تم تحديثه في عام 2017، يقبل دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967 ــ وهو اعتراف، ولو ضمنيا، بأن إسرائيل موجودة وسوف تستمر في الوجود.

فكرة حل الدولتين هي أقرب إلى السخرية
آخرون ممن قرأوا المقال يشيرون إلى فكرة الدولتين على أنها فكرة ساخرة وحميمية، بحيث أن السذّج فقط هم من سيدافع عن مثل هذا الاقتراح الأحمق. حسناً، أنا لا أجد الموت المستمر للآلاف من الإسرائيليين والفلسطينيين أمراً مضحكاً، ولا أرى القتل العشوائي للرجال والنساء والأطفال الإسرائيليين على يد الإرهابيين الفلسطينيين أمراً مسلياً. لا أعتقد أن الاحتلال والضحايا الفلسطينيين المتكررين في الضفة الغربية أمر مثير للضحك، كما أنني لا أجد الوحشية المرعبة وتشويه النساء على أيدي حماس أمراً هستيرياً. لا أعتقد أن الحروب التي تسبب كل هذا القدر من الخراب والدمار والخسائر المأساوية في الأرواح وتجويع الأطفال هي حروب مضحكة، ولا أرى أن القمع المستمر للفلسطينيين تحت الاحتلال هو أمر هزلي. لا أجد أن تلقين الشباب الفلسطيني كراهية الإسرائيليين ومقاومتهم بعنف أمر مضحك، ولا أجد وجهة نظر الإسرائيليين بأن الفلسطينيين عدو لدود وأبدي مسلية.

يجب أن يتوقف هذا الجنون، ولن يوقفه شيء ما لم تتفق إسرائيل والفلسطينيون على حل الدولتين. ومهما كانت الشكوك التي تساور العديد من الجانبين بشأن هذه النتيجة النهائية، إلا أنه لم يتوصل أحد حتى الآن إلى بديل واقعي لإنهاء أربعة أجيال من الصراع الدموي.

حلّ الدولتين مجرد وهم
وأخيرا، هناك من يدعي أن حلّ الدولتين ليس سوى وهم لن يتحقق أبدا، وذلك ببساطة لأن إسرائيل والفلسطينيين لن يوافقوا أبدا على تقاسم الأرض من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، والتي يعتبرها كل منهما بأنها حصرا له دون غيره. ولإثبات وجهة نظرهم، يؤكدون أنه على مدى العقود السبعة الماضية لم ينجح أي شيء، وبالتحديد: الحوافز والتسويات والضغط والإقناع ومفاوضات السلام والتهديد بالعنف والوساطة والمؤتمرات الدولية وكذلك قرارات الأمم المتحدة ومؤتمرات القمة ولا حتّى الاتفاقيات المؤقتة ولم يبق شيء يمكن أن يسهل الحلّ. وجلّ ما يفهمه الجميع أنه من الوهم الاعتقاد بأن الصراع يمكن أن ينتهي بحل الدولتين لأنه صراع مستوطن وأصبح وحدة جوهرية في الحمض النووي الإسرائيلي والفلسطيني.

أنا لا أتفق مع هذه الحجة التي تفترض وجود صراعات لا يمكن حلها ببساطة. هناك أمثلة كثيرة على الصراعات العنيفة التي انتهت سلميا. ورغم فشل الجهود السابقة لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فإن الأمر يتطلب في بعض الأحيان انفجاراً كبيراً لزعزعة ديناميكية الصراع بشكل جذري. إن الهجوم المروّع غير المسبوق الذي شنته حماس والانتقام الذي لا مثيل له من جانب إسرائيل هو ما فعل ذلك بالضبط. لقد قلبوا ديناميكية الصراع رأساً على عقب بشكل كبير وخلقوا ظروفاً جديدة بين الجانبين، مما جعل من المستحيل عليهما العودة ببساطة إلى الوضع الذي كان قائماً من قبل، والذي لم يكن مستداماً على الإطلاق.

إن الهزيمة النهائية التي منيت بها حماس كقوة سياسية تشكل فرصة تاريخية لإنهاء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وهي فرصة لا ينبغي تفويتها. وخلافاً لأي وقت آخر في الماضي، عاد حلّ الدولتين الآن إلى مقدمة ومركز أي خطاب إسرائيلي وفلسطيني مستقبلي، ويُنظر إليه على أنه الخيار الوحيد القابل للتطبيق. ومع ذلك، سوف يتطلب الأمر وجود قادة جدد وشجعان وذوي رؤية على كلا الجانبين لاغتنام هذه الفرصة للأجيال. سوف يستغرق الأمر بطبيعة الحال بعض الوقت قبل أن يتحرك الجانبان، ولكن وقت الحساب قد حان.