الحديث عن الثامن من شباط المشؤوم (1963  )ذو شجون متنوعة وهي ذو اتجاهين ، اتجاه خاص والأخر عام ولهما تداعيات تكاد ان تحمل تراجيديا إنسانية في كِلا الحالتين ، لا أبغى الولوج الى متاهاتها المأساوية بسبب تعقد الأمور وتشعبها  في مضامين شملت أكثرية الشعب العراقي واستمر منذ ذلك  التاريخ الى  اللحظة الراهنة، وما تحمله من قهر وقسوة وألم ، وقد وجدت نفسي مرتبطاً وانا اسطر هذه المقالة يوم ( 7 ، 8 شباط 2024) برباط الماضي حيث كنت في مساء ( 7 شباط  1963) في نقابة الاعمال التجارية باعتباري رئيس اللجنة الفنية  حيث كنت اشرف على إقامة الحفلة الأسبوعية لعوائل وأعضاء النقابة ،  الحفلة انتهت حوالي الساعة الواحدة والنصف صباح يوم الجمعة ( 8 / شباط 1963 ) وبهذا توجهنا الى بيوتنا، للاختصار فقد صحونا على تلك الفجيعة التي لم تكن إلا مجزرة بشرية والجزارون بعثيون وغيرهم برشاشات بور سعيد وحقدهم وكراهيتهم لكل القيم التقدمية الإنسانية والحضارية وصار ما صار خلال المقاومة في منطقة الكاظمية  مناطق بغداد ،حي الاكراد والتسابيل والصدرية وغيرهما،  وقتل الزعيم عبد الكريم قاسم وبعضاً من رفاقه  عبارة عن حمام الدم الذي فضح انقلابيو ( 8 / شباط / 1963) وفضح دعواتهم القومية والإسلامية.. وكان خير تعبير عن ذلك اليوم المأفون ما جاء في حفل " استذكار ضحايا الانقلاب الأسود للحزب الشيوعي العراقي " ففي مثل هذه الأيام من عام 1963، حين تمكّنت الذئاب الفاشية من أن تطبق بأشداقها القذرة على عنق الوطن، وحين تصاعد أنين الناس وبُترت الأعضاء واغتصبت الصبايا وحُطمت الرؤوس واقتلعت الأظافر وهدمت البيوت على رؤوس ساكنيها ".. نعم  مازلت اذكرُ ذلك اليوم الذي كان بداية مشوار التدهور ودمار البلاد وحجب أبسط الحقوق السياسية والثقافية التقدمية عن جماهير الشعب العراقي مدركاً ما اريد الوصول اليه كتاريخ إدانة لكل الأنظمة التي تلت انقلا ب ( 8 شباط 1963) وسارت في الاتجاه نفسه معاداة الحزب الشيوعي والقوى الوطنية الديمقراطية وقد هيأت فعلاً الظروف من بينها الجناح البعثي اليميني والقوى الرجعية والمرتبطة  خارجياً وصولاً الى انقلاب( 17 / تموز / 1968 ) الانقلاب الثاني لحزب البعث العراقي بالتحالف مع القوى الرجعية وعملاء الولايات المتحدة الامريكية وانكلترا ... الخ

لم يكن انقلاب ( 17 تموز 1968 ) إلا امتداد طبيعي لانقلاب 8 شباط، ولكن بواجهة جديدة تختلف شكلاً مع واجهة 8 شباط، كي يلعب الدور نفسه في معاداة الشيوعية والحزب الشيوعي العراقي والقوى الوطنية والديمقراطية ، لا يسعنا التطرق الى كل ما قام به هذا النظام الدكتاتوري خلال (35 ) عاماً من جرائم وحروب داخلية وخارجية وإرهاب فذلك يحتاج الى مجلدات ذكر الكثير منها،  وبسقوط النظام العراقي  في (2003) من قبل الجيش الأمريكي وحلفائه فقد انطوت حقب مأساوية لا مثيل لها في العرف الإنساني وهي تتشابه مع الجرائم الكبرى بحق الإنسانية وحقوق الانسان .

احتلال العراق في 2003 وسقوط النظام الدكتاتوري بدون مقاومة إلا في البعض من الجيوب دليل على مدى عزلة النظام وكراهية أكثرية الشعب العراقي له إلا أنه جعل العراق تحت طائلة الاحتلال الأجنبي والقوى الرجعية وأحزاب الإسلام السياسي وبخاصة الشيعية بالذات المرتبطة بالقوى الخارجية، وأصبح  العراق بعد هذه السنين العجاف في اسفل التدهور والتخلف والتبعية وتفشي الفقر والبطالة والفساد وتدمير البنى التحتية  في جميع مناحي البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعيا وثقافيا وأمنيا...الخ واصبح يعيش المأساة كاملة ويدفع ثمناً باهضاً من كيانه حتى أصبح مضرب الامثال على تخلفه وفقر شعبه وسوء الأوضاع بسبب سياسة المحاصصة الطائفية، إنها المأساة الحقيقية عندما تمكن الاحتلال من تسليم السلطة للقوى الطائفية وجعلها رهينة لسياستهم ومخططاتهم إضافة لتوجهاته الاستعمارية وفرض الأمر الواقع للاحتلال والتدخل في الشؤون الداخلية، لقد انفضحت تلك الوعود التي اطلقتها الولايات المتحدة وهنا اصبح مؤكداً مثلما اشير في صحيفة نيويورك تايمز(  New York Times  ) وذكر ان اكثر من ربع الشعب العراقي يعيش حالة الفقر أو تحت خط الفقر " أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية السيئة السائدة حاليا في العراق لم تكن هي الصورة التي يأملها العراقيون بعد إسقاط الغزو الأميركي البريطاني لنظام صدام حسين قبل (20 عاماً) فقد بددت وسرقت المليارات من الدولارات للثروة النفطية، وبقت أكثرية المشاريع بدون ان تكتمل بسبب السرقات والفساد المستشري في كل مرافق الدولة  إذ تم إهدار جزء كبير منها في مشاريع كبرى وهمية وغير مكتملة، وفقدت نسبة أخرى بسبب الفساد المستشري واصبح الاعتماد على قطاع الدولة المتضخم كمنقذ من الفقر والعوز، ولم يكن الأمان او الإحساس بالأمان إلا عبارة عن تهديد مستمر لحياة المواطن واصبح التهديد الطائفي في المقدمة أمام ضعف الدولة الذي مكن القوى الإرهابية من النشاط وفي مقدمتها داعش والميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران، وأشار في هذا الصدد سكرتير الحزب رائد فهمي " ان جوهر المشكلة هو في بنية العملية السياسية وبنية الدولة ما بعد 2003" ثم أضاف "هذه البنية قامت على أساس توزيع السلطات ضمن نظرة هوياتية للمجتمع العراقي، والنظر إلى المجتمع العراقي بهوياته الدينية والطائفية والقومية "  وبالتأكيد فقد جرى تأسيس  وتشكيل الأحزاب والتنظيمات والميلشيات التي تقود السلطة  على أسس طائفية وهي بالضد من المصلحة العامة التي تؤكد على المواطنة والوطنية والانتماء للعراق الذي لا يمكن انقاذه من المأساة إلا بالتخلي عن المحاصصة والميليشيات المسلحة المرتبطة بالخارج ووجود حكومة وطنية لقيادة الدولة نحو بر الأمان والعمل بشكل ملموس للتخلص من كل ما يعيق بناء الدولة العراقية على أسس المواطنة  الحقة.