في مطلع عام 1981، وفي الأيام الأولى لوصولي إلى دمشق، تعرّفت في المركز الثقافي السوفيتي على أول أصدقائي السوريين: خالد محسن. خالد، العَلَوي والمعارض لنظام حافظ الأسد، كان ناشطاً في حزب العمل الشيوعي السوري، المعارض والمحظور والذي جسّد صوتاً ثورياً في ذلك الزمن. ولا أنسى كيف دعاني إلى منزله في دمشق، واصطحبني إلى بيت أهله في اللاذقية، حيث قضيت أسبوعاً في ضيافتهم.

نشأت بيننا صداقة حفلت بالنقاشات السياسية، وكان معجباً بالحزب الشيوعي العراقي كونه رفع آنذاك السلاح في وجه الدكتاتور صدام حسين، مكافحاً لإسقاط النظام. ولطالما قال لي: "لو كان ذلك ممكناً لتطوّعت معكم في كفاحكم المسلح". وقد قطعت سنوات الكفاح المسلح لاحقا خيط الصلة مع هذا الصديق العزيز، وبقيت ذكراه جزءاً من مرحلة سياسية وإنسانية لا تُنسى.

وبمحض الصدفة كان آخر صديق سوري لي علوياً أيضا معارضاً، وهو الأستاذ كمال نعيمة، اليساري المناهض لنظام بشار الأسد. وكمال يعيش في اللاذقية حتى اليوم، لكنه يشعر بقلق دائم على حياته وحياة عائلته، بسبب العصابات الطائفية الجاهلة التي تجوب المدينة وتهدد أمنها. وهذه المدينة التي طالما اعتُبرت معقلاً للنظام، كان بين أهلها علويون معارضون شجعاناً. ومتى كانت الطائفة معياراً للوقوف مع الظلم أو ضده؟

اتواصل مع الأستاذ كمال يومياً، وأشعر بالحزن العميق وانا اسمعه يتحدث عن الانتهاكات التي يتعرض لها علويون، لا ذنب لهم سوى كونهم ينتمون الى الطائفة نفسها التي ينتمي اليها بشار الاسد، ورغم أنهم ليسوا من أنصاره. بل واختاروا الطريق الصعب، رافضين أن يكونوا جزءاً من آلة النظام القمعية.

وأتساءل متألما: أين كان حكام اليوم في دمشق عندما كان صديقي خالد محسن يعارض حافظ الأسد بجرأة، وحينما كان كمال نعيمة يقف في وجه نظام بشار الأسد؟ متى يدرك الطائفيون أن نظام الحكم، سواء في عهد حافظ أو بشار، لم يكن يوماً نظاماً طائفياً، بل كان نظاماً يدافع عن كرسي السلطة، ولم يكترث لانتماء طائفي أو ولاء شعبي إلا بما يخدم بقاءه.

الموالون له، بغض النظر عن هويتهم، لم يكونوا سوى أدوات لحماية الكرسي. وفي المقابل، كان خالد محسن وكمال نعيمة نموذجين مضيئين لمن رفضوا أن يكونوا جزءاً من تلك الآلة. كلاهما اختار الوقوف إلى جانب الشعب، منادياً بقيم الحرية والكرامة، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة القمع والمخاطر.

ما يؤسفني أن المعركة الحقيقية في سوريا، التي كانت في جوهرها صراعاً بين من يدافع عن الكرسي ومن يدافع عن الإنسان، تحولت اليوم إلى تمييز طائفي مقيت. زادت جماعات مثل جبهة تحرير الشام من تعصبها، مكرّسة هذا التمييز الطائفي بدلاً من الوقوف إلى جانب قيم الحرية والعدالة التي نادى بها معارضو النظام الحقيقيون.

تجربتي مع خالد محسن وكمال نعيمة علمتني أن الصراع في سوريا لم يكن يوماً مرتبطاً بالطائفة أو الهوية، بل هو صراع بين نظام مستبد يسعى لإدامة سلطته بكل ثمن، وبين مواطنين يؤمنون بقيم الحرية والإنسانية.

وما زال الطريق طويلاً أمام السوريين لاستعادة المعنى الأصيل للحرية والكرامة، بعيداً عن الطائفية التي زرعها النظام ورسخها أعداؤه المزيفون.