يمر الشعب الكردي في إقليم كردستان اليوم بأزمة اقتصادية صعبة للغاية، تراكمت عبر السنوات دون حلول جذرية. يعود ذلك الى اعتماد الاقليم على الاقتصاد الريعي، وتبني سياسات الليبرالية الجديدة المعروفة ب"إجماع واشنطن" بما لها من اثار سلبية على ايرادات الموازنة العامة للإقليم. تتألف الموازنة وفق بعض المصادرمن:34% بيع النفط مباشرة من الاقليم، %42 من حصته في الموازنة الاتحادية، والباقي %24، عبارة عن إيرادات أخرى من الضرائب، ورسوم المعابر الحدودية والاعانات وغيرها. يتبين أن نحو %76 من مجموع الإيرادات هي إيرادات ريعية تأتي من انتاج وتصدير النفط الخام المتوقف عن التصدير حاليا والباقي إيرادات أخرى. تفتقر هذه الإيرادات الى الشفافية، والوضوح، والإفصاح، وعدم معرفة أوجه انفاقها ومصيرها.؟!

  1. للمرة الثانية يتم الحصار على صرف رواتب ومخصصات موظفي الإقليم منذ عام 2016. ونتيجة لذلك، طبق نظام "الادخار النسبي" من مجموع الرواتب والمخصصات في صرف الرواتب، ويعاد اليوم من خلال استقطاع نسبة (3%) شهرياً، من رواتب الموظفين والمتقاعدين من وزارة المالية، وتحول مباشرة الى صندوق التقاعد الموحد الاتحادي، (كان هذا أحد توصيات بين ديوان الرقابة المالية العراقي وإقليم كردستان لضمان تطبيق قانون التقاعد الموحد وإرسال التمويل المالي للرواتب بشكل منتظم منذ بداية العام الحالي). لا شك ان هذا الاجراء ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي وحياة المواطنين، خصوصاً لذوي الدخل المحدود وشرائح من الطبقة الوسطى، ويؤثر في القدرة على تلبية وتامين الحاجات المعيشية الأساسية من: الغذاء، والسكن، والدواء، وغيرها من متطلبات المعيشية، مما يؤدي أيضا الى تراجع الاستهلاك، ومن ثم انعكاسه على الإنتاج والتشغيل، ويزيد من الركود الاقتصادي، وتفاقم البطالة، وارتفاع التضخم.
  2. أن ما وصل اليه الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الاقليم، هو نتيجة لسياسات فاشلة وإدارات غير كفؤة ينخرها الفساد وسوء الكفاءة. فالنموذج الاقتصادي المتبع ريعي واستهلاكي على حساب القطاعات الانتاجية كالزراعة والصناعة والخدمات ـ الانتاجية. يضاف الى ذلك الاعتماد المفرط على استيراد السلع الأجنبية، ما يغرق الاسواق المحلية ويضعف تطوير وتنمية الانتاج الوطني. الأهم من ذلك غياب رؤية استراتيجية شفافة في إدارة السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والتنموية الوطنية الشاملة، ما أتاح للحكومات المتعاقبة السيطرة على الثروة وتوزيع الامتيازات بهدف بقاء ترسيخ سلطتها وتوسيع نفوذها، من خلال الفساد السياسي والإداري والمالي.
  3. تعاني العلاقة بين حكومة الإقليم والحكومة الفيدرالية، من أزمة ثقة وغياب التنسيق. لم تفعل بنود الدستور المقرّ عام 2005 بالشكل المنشود، رغم أن الإقليم يعد شريكاً دستورياً، لا مجرد كيان إداري مكوّن من أربع محافظات، كما تتعامل معه بغداد.!؟
  4. ما دام العامل الذاتي الكردي لا يزال ضعيفًا، والاعتماد ينصبّ على الدعم الخارجي، خصوصاً الأميركي والأوروبي، فإن القضية الكردية ستبقى في حالة جمود. وتقارن هذه الحالة الى حد بعيد بالقضية الفلسطينية، حيث لم تحقق القضيتان سوى المزيد من الويلات، والحروب والتخلف، نتيجة غياب الإرادة الذاتية وتشتت القرار السياسي.
  5. تعكس هذه المأزق وجعاً تاريخياً تتقاسمه قضايا الشعوب المهمشة، كالقضيتين الكردية والفلسطينية، اللتين تتقاطعان في جوانب عديدة: التشتت الجغرافي، غياب الإرادة السياسية الموحدة، والاعتماد على الخارج بدل بناء قوة داخلية قادرة على التفاعل مع المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة.
  6. ان فقدان الثقة المتبادل بين الكرد والمكونات ألأخرى كالعرب والتركمان ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج قرون من الصراعات والتهميش والوعود المنكوثة. ومع غياب مشروع وطني يعترف بالحقوق القومية الكردية ويعالج مظلوميتها التاريخية، يتكرّس الانقسام واللا يقين، وتبقى “كردستان الكبرى” حلمًا مؤجلًا رهن تطورات محلية وإقليمية ودولية أكثر نضجاً وعدالةً.؟
  7. لقد اثبت الاعتماد الزائد على العامل الخارجي أنه خيار غير مضمون، إذ تتغيّر سياسات القوى الكبرى تبعاً لمصالحها الجيوسياسية. لذلك فإن بناء عامل ذاتي قوي من خلال تنظيم سياسي متماسك، ومشروع ثقافي موحد، ورؤية اقتصادية تنموية شاملة، هو السبيل الوحيد لكسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها القضية الكردية.
  8. كما في الحالة الكردية، تعاني القضية الفلسطينية من الانقسام الداخلي، وخطف القرار السياسي، وارتباطه بأجندات خارجية، وغياب الإرادة الدولية لتحقيق الحد الأدنى من العدالة. لذا، فإن أبرز ما يجب العمل عليه هو وعي الشعوب بضرورة النضال المشترك، وبناء تقاطعات حقيقية، عوضاً عن الاصطفافات القومية والمذهبية التي لا تخدم سوى السلطات القمعية أو القوى الاستعمارية. فالكرد والعرب والفلسطينيون شركاء في المعاناة وفي الأمل بالتغيير.

ختاماً، يتطلع المواطن الكردي بفارغ الصبر الى أن تعيد الأحزاب الكردستانية والحكومة النظر في برامجها، و أن تعتمد أهدافاً استراتيجية واضحة، وتجري إصلاحات هيكلية عاجلة في النهج السياسي، والاقتصادي، والمالي، والإداري. كما يتطلب الأمر ممارسة ديمقراطية حقيقية لا تقتصر فقط على الانتخابات، بل تشمل ترسيخ مؤسسات الدولة وقوانينها بعيداً عن التدخلات الحزبية الضيقة، وتمكين الجماهير من المشاركة في صنع واتخاذ القرارات المصيرية. إن تبني سياسات تنموية وطنية عادلة ومستدامة هو الكفيل بضمان مستقبل كريم وأمن للأجيال الحالية والقادمة.