ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨، كانت بحق تحولا كبيرا وعظيما في تاريخ العراق المعاصر، وهي وإن بدأت بانتفاض مسلح بادرت اليه قطعات من الجيش، فانها ومنذ لحظاتها الأولى ميّزت نفسها عن الانقلابات والتمردات العسكرية التقليدية المعروفة، فاذاعة البيان الأول لها كان كافيا لان يكون الشارع بيد الجماهير المستعدة والمتهيئة؛ حيث أسهم هذا التلاحم بين الجيش والشعب، بشكل فاعل، في انهيار النظام الملكي في ساعات معدودة.

الثورة لم تكن بمعزل عن النضال المتراكم لشعبنا، وعن عمل مضنٍ وشاق وتضحيات جسيمة قدمتها الأحزاب الوطنية والديمقراطية وخاصة الأحزاب المؤتلفة في جبهة الاتحاد الوطني. ولعل الأبرز ما نهض به الحزب الشيوعي العراقي، وعن متغيرات كبيرة في العالم والمنطقة، وانطلاق حركة الشعوب للتحرر من الاستعمار ونيل الاستقلال وتحقيق السيادة الوطنية. وحصل ذلك في ظل موازين جديدة للقوى على الصعيد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية ودحر الفاشية والنازية وبروز المنظومة الاشتراكية ودورها الداعم والمساند.

وفي اربع سنوات ونصف من عمر الثورة، وفي أجواء مشحونة، ودسائس ومؤامرات وفتن، حققت الثورة الكثير الكثير، وهذا يؤشر على نحو واضح بانه عندما تكون هناك إرادة وطنية، مستندة الى أوسع قطاعات شعبية، وتوجه صادق يقدم المصلحة الوطنية العامة على الخاصة والانتفاع الشخصي او الجهوي، فلا غرابة في تحقيق إنجازات لافتة.

وبعد مضي ٦٧ سنة على انطلاقتها الظافرة، ما زال البعض يتحدث عن ان الثورة قد قطعت الطريق الطبيعي لتطور البلاد سلميا؟ ناسيا او متناسيا هذا البعض بان النظام الملكي ورموزه وداعميهم من الاقطاعيين، ومن كبار البرجوازيين والبيروقراطيين، وبدعم متعدد الاشكال ـ خارجي امريكي وبريطاني ـ ومن دول في المنطقة، قد اجهزوا على كل محاولات الإصلاح البنيوي الحقيقي، وواجهوا مطالب الحركة الوطنية بإقامة نظام حكم وطني ديمقراطي يمثل الإرادة الشعبية، ويحرر البلد من قيود المعاهدات الاسترقاقية، ويطلق طاقاته وامكاناته للبناء والتقدم والانتصار لقضايا شعوب المنطقة بدل التآمر عليها، وسدوا الطريق حتى على البرلمانية السليمة، وخير مثال على ذلك ما حصل بعد انتخابات ١٩٥٤، فبعد ان تمكنت الأحزاب الوطنية من إدخال عشرة نواب وطنيين الى مجلس الامة آنذاك، قام النظام بحل المجلس بعد اول جلسة له، واعقب ذلك بحملة إرهابية واسعة، وسن المزيد من القوانين الاعتباطية بهدف منع الحركة الوطنية من أداء دورها في الدفاع عن مصالح البلد التي فرط بها الحكام، وعن مصالح الشعب بجميع مكوناته.

ونشير أيضا الى انه في غمرة تنامي الشعور الوطني والقومي، والرغبة الجامحة في التخلص من الاستعمار واستلهام الأمثلة من بلدان ودول عدة، ظل النظام الملكي يغامر بمصير البلد واستقلاله، فسعى الى ابرام معاهدة بورتسموث، والتي لم تكن سوى صيغة محدثة لمعاهدة ١٩٣٠، وتجديد للهيمنة البريطانية، المتعددة الاشكال، العسكرية والاقتصادية، ومعلوم ان وثبة كانون قد مزقت تلك المعاهدة. ومثال اخر على استهتار النظام الملكي زج العراق في حلف بغداد عام ١٩٥٥، والذي خرج منه بعد انتصار ثورة ١٤ تموز.

ولأن ١٤ تموز ثورة أصيلة ووضعت لها أهدافا وطنية تحررية، فقد تكالب عليها الأعداء من الداخل والخارج، والمدخل لذلك كان تشتيت وتمزيق جبهة الاتحاد الوطني، وضرب قواها بعضها ببعض ومحاولات الاستئثار بالسلطة والانفراد بها وإثارة حساسية مفرطة تجاه الحزب الشيوعي العراقي ودغدغة عواطف الناس ومشاعرهم الدينية. ولم يكن كل ذلك الا غطاء مهلهلا لاستعادة المصالح والامتيازات المفقودة.

وما أشبه اليوم بالبارحة، فأعداء الثورة المعروفون، وبنسخهم المعدلة يسعون اليوم جاهدين لطمس أي معلم لها، ومحوها من الذاكرة الشعبية. ولا غرابة في ذلك فالثورة كانت لكل العراقيين، وأعلت روح المواطنة العراقية الجامعة، وهو ما لا يريده المتمسكون بالمحاصصة والتمثيل المكوناتي اليوم، حفاظا على سلطتهم ونفوذهم ومصالحهم، وهم لا يريدون أي ذكر لرموز الثورة، وما يمثلوه من وطنية ونزاهة وعفة. كما انهم مرعوبون من كل حراك شعبي يسعى الى تغيير جدي وجذري.

هذه الدروس والعبر الكبيرة لثورة تموز ستظل منارا هاديا لقادم الأيام، برغم كل محاولات تغييب الوعي الوطني وتسطيحه، واضعاف الفعل الشعبي الثوري وروح المقاومة والتحدي وسيعتمد الكثير على إذكاء ذلك، وتنظيمه ومده بطاقات جماهيرية، شبابية خاصة، وفرض السير على طريق تموز كرمز للتحرر والاستقلال والتخلص من التبعية وقيام حكومة وطنية تمتلك الإرادة للاستجابة الى تطلعات الجماهير وتوقها الى الحياة الآمنة الكريمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة "طريق الشعب" ص2

الاحد 13/ 7/ 2025

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يرجى الإشارة للمركز الإعلامي للحزب الشيوعي العراقي عند النشر