تأخرتُ عامداً، وترددتُ اكثر من مرة في نشر هذه الحلقة من "عراقيون من هذا الزمان" عن "السيد" جواد بن ابراهيم، الحسيني، الجصاني، احترازا، ومسعى للابتعاد عن "الشخصنة" وربما لاسباب اخرى، ولكن ها هي الان امام من قد يهمه الامر..

    اما لـمَ اختيار هذا التوقيت بالذات، فأجيب لأن قائمة موثقة تم نشرها وتداولها في هذه لايام، شملت اسماء ومواقع  166 شخصية عراقية، وطنية واكاديمية وثقافية وسياسية، وسواها، هيأتها جهات في سفارة الولايات المتحدة الاميركية لدى بغداد عام 1962 باحتسابها موالية لليسار في البلاد، ومن انصار السلام، والشيوعية.. وكان من بينها وفي التسلسل رقم (50) جواد الجصاني، وامامه تعريف: مفتش تربوي، والمقصود في وزارة المعارف (التربية) حاليا..

      والجصاني "عراقي من هذا الزمان" أحد رواد وكفاءات، النظام التعليمي في البلاد العراقية، ومن بواكير خريجي "دار المعلمين العالية ببغداد" التي تعددت اسماؤها لتعرف لاحقا بـ "كلية التربية" بجامعة بغداد.. ويوثق متابعون بانه كان واحدا من اول مئة خريج في تلك الكلية، باختصاص بكالوريوس "الرياضيات" وبدرجة متميزة، وذلك في النصف الاول من  ثلاثينات القرن الماضي، وكان ذلك الاختصاص نادرا كما هو معروف، لصعوبته، وحيويته، وتفاصيله..

   وُلـد الجصاني في النجف عام 1909 في اسرة اشتهرت بالفقه والعلم والادب، اذ يُؤرخ لابيه " العالم السيد ابراهيم بن العلي، العريضي، الحسني" انه كان فقيها  بارزا في عصره، وشاعرا منشور له، واحد مجاهدي ثورة العشرين (1) .. كما كان، وبعض اسلافه واسرته، من وكلاء المرجعية في بعض مدن وبلدات العراق، ومنها "جصان" التي راحت لقبا اضافياً له، ليعرّف بـ "السيد الجصاني" اي المنتدب المرجعي لمنطقة "بدرة وجصان" وبعدهـا وخلالها في مدينتي "الحـيّ" في الكوت، و"قلعة سكر" في الناصرية..

  و"سيد جواد" وهذا هو الاسم المتداول للرجل موضع التأرخة هذه، انهى تعليمه الثانوية في مدارس النجف الاشرف، ثم انتقل منها الى بغداد، كما سبق القول لاكمال تحصيله العالي، ثم عاد للنجف مدرسا في ثانوياتها، وحتى منتصف العقد، لينتقل الى مدرسة اعداد المعلمين الريفية في "الرستمية" بضواحي العاصمة بغداد.. وبعدها، وضمن كفاءة وتدرج وظيفي، تعيّن مديرا لمعارف – تربية لواء بعقوبة (ديالى حاليا).. ثم مديرا لمعارف الكوت (واسط) في اواخر الاربعينات، ومنها  مديرا لمعارف البصرة وحتى عام 1953 حين انتقل لبغداد مديرا لثانوية الصناعة الرسمية، وبعدها عام 1955 مفتشا اداريا، في مفتشية المعارف العامة ببغداد حتى عام 1963 .. ومما اتذكر انه كان معه، تلك الدائرة التربوية المهمة والرفيعة، صحاب محترمون، من بينهم الاساتذة الذوات: عبود زلزلة، عبد الكريم الدجيلي، قاسم الرجب، فؤاد عباس، ونعيم بدوي..

  اعتقل الجصاني بعد انقلاب البعث المشؤوم في شباط 1963 لعدة اشهر، لأحتسابه (وطنيا !) كما جاء في السطور السابقات، ثم سحبت يده من الوظيفة، واحيل للتقاعد بعد ثلاثة عقود من العمل التربوي، فاضطر لمغادرة بلاده الى العاصمة السعودية – الرياض، عام 1964 ثم توفي، ووري الثرى هناك بعد اشهر قليلة، لتدهور صحته، ولربما كان الكمد من بعض الاسباب ايضا.. ولعلّ من المفيد الاشارة هنا بان من بين  عشرات العراقيين  الذين استقطبتهم السعودية في تلك الفترة، بعد عزلهم، واحالتهم على التقاعد في بلادهم،  نخبة من الاساتذة والاكاديميين العراقيين البارزين، منهم على سبيل المثال لا الحصر، الاجلاء: ناظم الزهاوي، مهدي المخزمي، علي جواد الطاهر..

  والجصاني عُرف بشخصيته النافـذة، واريحيته وعلاقاته الاجتماعية الواسعة.. مثقف من الطراز الرفيع،  كما كتب الشعر، والنثر، وتزوج من "نبيهـة" اخت صديقه الحميم، الشاعر الجواهري، عام 1935 لينجبا ثمانية ابناء وبنات عاش منهم خمسة اولاد، وبنت واحدة (2) .. ولقصة زواجه وقائع اجتماعية متفردة، وثق لها الجواهري في الجزء الاول من ذكرياته (دمشق عام 1989)..

    لم ينتم "سيد جواد" لحزب او تنظيم سياسي بعينه، ولكنه كان متبنيا للقيم والمفاهيم الوطنية، والديمقراطية خاصة، وقد انضم للهيئة المسؤولة عن جمعية الصداقة العراقية – البلغارية ببغداد بعد قيام الجمهورية في العراق عام 1958.. وقد ورّث العديد من ابنائه تربيةً، والكثير من صفاته ..  كما اورثهم ايضا، - ولربما تلك هي ميزة اخرى- بيتا في منطقة الداوودي، مديوناً للمصرف العقاري، حصل على ارضه من جمعية المعلمين التعاونية التي كان يرأسها الشخصية النافذة،على الشوك، بعد ان كان قد تنقل في بيوت للايجار بمنطقتي الصليخ والاعظمية في رصافة بغداد، وبعدها بكرادة مريم، في كرخها، برغم اشغاله وظائف رفيعة في مسالك التربية والتعليم التي يبدو انها ليست بذي مردود في بلاد ما بين النهرين !

* رواء الجصاني / اواخر تشرين الاول 2025 ..والصورة المرفقة

 للسيـــــد الجصاني، وعقيلته نبيهة الجواهري، بغداد 1964

هوامش واحالات -------------------------------------------------------------------------

1/  ومما جاء عن السيد ابراهيم، والد المُؤرخ له السيد جواد، في وثائق "جامعة الصدر الدينية" في النجف"  انه السيّد إبراهيم بن عليّ، بن الحسين بن موسى الحسيني، الجصاني: ولد في النجف ونشأ بها على والده العالم الفقيه، فقرأ المقدّمات العلمية والأدبية، على يده، وعلى غيره من الأساتذة.. وكان من الأعلام الفقهاء، والخطباء المعروفين، والشعراء المبرزين ... وهو – السيد ابراهيم-  أحد الممهدين والمشاركين في ثورة "العشرين" العراقية، توفي عام 1945 ودفن بالصحن العلوي الشريف، في النجف ..

2/ ابناء السيد جواد هم : كاظم، رجاء، لواء، صفاء، ورواء – كاتب هذا التوثيق، واوسطهم اختهم نداء..

(*) تحاول هذه التوثيقات  وهي في حلقات متتابعة، ان تلقي بعض غير المتداول، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات واسماء عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت، بحسب التسلسل الزمني لنشرها:

1/ علي جواد الراعي. 2/ وليد حميد شلتاغ. 3/ حميد مجيد موسى. 4/ خالد العلي. 5/ عبد الحميد برتـو. 6/ موفق فتوحي. 7/ عبد الاله النعيمي. 8/ شيرزاد القاضي. 9/ ابراهيم خلف المشهداني. 10/ عدنان الاعسم. 11/ جبار عبد الرضا سعيد. 12/  فيصل لعيبــي. 13/ محمد عبد الامير عنوز. 14/ هادي رجب الحافظ. 15/ صادق الصايغ. 16/ صلاح زنكنه. 17/ عباس الكاظم. 18/ هادي راضي. 19/ ناظم الجواهري. 20/ ليث الحمداني. 21/ مهند البراك. 22/ عبد الرزاق الصافي. 23/ كمال شاكر. 24/ حسون قاسم زنكنة. 25/  قيس الصراف. 26/ محمد الاسدي. 27/ جواد الجصاني ... وجميعها  كُتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل، وقد نشرت جميعها في العديد من وسائل الاعلام..