هناك إجماع متزايد بين العديد من علماء السياسة والمؤرخين البارزين على أن أمريكا تقف عند مفترق طرق خطير؛ فقد اختار ترامب الطريق المؤدي إلى استبداد كارثي. والسؤال هو: ما الذي يتطلبه الأمر لمنع ترامب من تدمير ديمقراطيتنا واستبدالها بدكتاتورية ؟

على مدى ما يقرب من 250 عامًا، ورغم عيوبها العديدة، ظلت الولايات المتحدة منارة للديمقراطية والأمل حول العالم. لقد عشتُ في الشرق الأوسط وأوروبا لأكثر من عقدين، وشهدتُ حب وإعجاب الناس من جميع الأديان والأعراق بديمقراطية أمريكا ومبادئها الإنسانية. كنت أشتاق للحلم الأمريكي، وفي النهاية بوركت بتحقيق أعظم أمنياتي، أن أصبح مواطنًا أمريكيًا فخورًا.

وعلى الرغم من الضرر الجسيم الذي ألحقه ترامب بأمريكا وما تمثله، فإن تلك المبادئ والعجائب التي تفخر بها أمريكا لا تزال تستحق النضال، بل والموت من أجلها، حيث ضحى مئات الآلاف من الأمريكيين بأنفسهم لحماية ديمقراطيتنا وحريتنا الثمينة.

لا مجال للخطأ. الولايات المتحدة ليست على وشك استيلاء استبدادي على السلطة؛ نحن في خضمه. ومع ذلك، لم يفت الأوان بعد لعكس ذلك. على كل أمريكي أن يتذكر أن لدى ترامب خطة مفصلة للقضاء على ديمقراطيتنا. وهو ينفذها بمنهجية في وضح النهار بدعم أعمى من الحزب الجمهوري، ويضع مجموعة جديدة من القواعد ليتمكن هو وحلفاؤه، الأوليغارشيون، من ترسيخ ديكتاتوريتهم وحكمهم دون عوائق. يجب إيقاف ترامب لوقف ثورته الرجعية ومنعه من تحقيق هدفه المروع المتمثل في ديكتاتورية كاملة.

منهجية ترامب التدميرية
سخّر ترامب القضاء لشن حملات تشبه مطاردة الساحرات، ومثل أي ديكتاتور، يستخدم النظام القانوني لمعاقبة المعارضة وتخويف خصومه السياسيين لإسكاتهم، هذا في حين يكافئ تجاوزات أنصاره غير القانونية. حطّم ترامب استقلالية وسائل الإعلام الحكومية، وتجاهل أو رفض بإصرارجميع الشبكات باستثناء تلك التي تنشر روايته الكاذبة وتقمع النقد وتخنق الصحافة الحرة التي هي نبض الديمقراطية. ويستخدم ترامب الجيش لمعاقبة معارضيه السياسيين؛ وهذا هو الهدف من نشر الحرس الوطني وقوات إدارة الهجرة والجمارك في لوس أنجلوس وشيكاغو وبورتلاند.

علاوة على ذلك، استولى ترامب على الإنفاق الحكومي والضرائب واستخدم هذه السلطة لقطع التمويل الذي خصصه الكونغرس للولايات التي يمثلها الديمقراطيون. واستخدم التعريفات الجمركية كسلاح لإكراه الدول الأخرى مع إعفاء حلفائه المتعاونين من تعريفاته العقابية. وأخيرًا، وفاءً منه لقواعد الديكتاتورية، يتجاهل أوامر المحكمة ويزوّر السجلات ويتلاعب بالقواعد ويطمس الحقيقة التي تُعدّ حجر الزاوية في الإستبداد. في الواقع، عندما تموت الحقيقة ويشوّه النظام جميع المعلومات، يستحيل على الديمقراطية البقاء.

ليس من السابق لأوانه القول إن ترامب من أكثر الرؤساء تأثيرًا. لقد غيّر طبيعة الخطاب السياسي، وحوّل الحزب الجمهوري جذريًا إلى حزب قومي شعبوي يُمكن القول إنه قادر على الصمود، على الأقل، لجيل كامل. يدرك ترامب قوة وسائل التواصل الإجتماعي. لقد خالف الأعراف وغيّرَ المناخ السياسي العام، وانخرط في سرديّة زائفة لخلق واقع بديل. إنه لا يُعيد صياغة السياسة فحسب، بل يُعيد صياغة الثقافة وعلم الإجتماع والإقتصاد أيضًا. إنه يُمزّق الدستور صفحةً تلو الأخرى، محاولاً إغراق المنطقة في كل جانب من جوانب الحياة الأمريكية، وإلغاء المشاريع التقدمية بمفرده تقريبًا. لقد أصبح ترامب الشخصية المهيمنة منذ عقد من الزمان، وقد شكّل عصره الخاص.

تأثير الحمض النووي الديكتاتوري لترامب
ازداد استقطاب الرأي العام الأمريكي والإنقسام السياسي والاجتماعي حدةً بسبب خطاب ترامب وسياساته، التي أضعفت الوحدة الوطنية. لقد أفادت سياساته الإقتصادية الأثرياء بشكل غير متناسب، وساهمت في اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. لم يُشاهد فساده في التاريخ الأمريكي، حيث يُثري نفسه وعائلته بلا خجل، بينما يتلذذ بملاحقة خصومه السياسيين.

أثّر التآكل الإّجتماعي والأخلاقي في عهده على كل شيء، من دعم التعليم الخاص إلى إنفاذ الحقوق المدنية. وقد أدى تقليص ترامب للحكومة الفيدرالية والخدمات الحكومية إلى تآكل ثقة الجمهور الأمريكي. إن سياسته القاسية في التعامل مع الهجرة وهجماته المتواصلة على وسائل الإعلام والقضاء والمؤسسات الأخرى، وخاصة الجامعات، لم تُضعف المؤسسات الديمقراطية فحسب، بل دبّرت تفككًا سياسيًا أعمق للديمقراطية والمؤسسات الأمريكية، الأمرالذي يبدو أنه يشعر بارتياح شديد تجاهه.

المكانة العالمية للولايات المتحدة
أدى إبعاد ترامب للولايات المتحدة عن حلفائها التقليديين إلى إضعاف مكانة أمريكا ونفوذها العالميين. كما أن التخلي شبه التام عن القوة الناعمة الأمريكية، بما في ذلك من خلال المساعدات الخارجية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، وبرامج التبادل الثقافي، والعديد من وكالات الأمم المتحدة، قد قوّض بشكل كبير القيادة العالمية لأمريكا. بالإضافة إلى ذلك، فإن تراجعه عن اللوائح البيئية سيكون له تأثير شديد وطويل المدى على تغير المناخ. وأخيرًا، فإن استعراض ترامب للقوة العسكرية الغاشمة، بما في ذلك إغراق قوارب المخدرات المشتبه بها، وضرب المنشآت النووية الإيرانية، وتغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب، ليس سوى مظهر آخر من مظاهر ترهيبه العسكري.

يجب إيقاف ترامب
هل يمكن إيقاف ترامب عن تسريع تدمير الديمقراطية الأمريكية؟ الإجابة المختصرة هي نعم؛ ولكنها مهمة شاقة وهائلة تتطلب حركة ثورية مضادة تضم الجمهور والمؤسسات العامة والخاصة والمحكمة العليا والكونجرس وقادة ديمقراطيين جدد يتحلون برؤية بعيدة المدى.

تصاعد الإحتجاجات العامة
إن استمرار المظاهرات السلمية بلا هوادة وبصورة أكثر تواتراً من الساحل إلى الساحل أمرٌ ضروري، حيث يتدفق ملايين الأمريكيين ذوي الضمير الحي، المهتمين بمستقبل البلاد، إلى الشوارع، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية أو عرقهم أو دينهم، حاملين رسالة واحدة: لن نتراجع أو نستسلم أو نخاف، وسنكثف مقاومتنا ونبقى صامدين ما لم يتراجع ترامب عن العديد من أوامره غير الدستورية، ويبدأ بالإلتزام بقسمه الرئاسي بالدفاع عن الدستور وحمايته.

معارضة شديدة من المؤسسات
يجب ألا تخضع المؤسسات التعليمية والخيرية والمهنية والجامعات ومنظمات المجتمع المدني ومكاتب المحاماة للترهيب أو الرضوخ للتهديدات أو الضغوط من هذه الإدارة المفلسة أخلاقياً. إن خضوع جهة واحدة سيضعف عزيمة جميع الجهات الأخرى. يجب أن يظلوا ثابتين في تصميمهم على عدم الخضوع لمطالبه التعسفية وتعصبه. عليهم أن يتذكروا أن ترامب ضعيف وخائف ويعول على استسلام الناس لهواه. ولا يمكنهم حرمانه من ذلك إلا بالعمل الجماعي.

صمود المحاكم الفيدرالية
يجب على المحاكم الفيدرالية أن تُصرّ على عرقلة أي أوامر تنفيذية غير دستورية. ويجب على المحكمة العليا أن تضع البلاد فوق مصالح رئيس مجرم متآمر وماكر. ويجب على كل قاضٍ في المحكمة العليا أن يتذكر أن التاريخ يُسجل كل صوت يُدلي به، لأن حكمه النهائي سيؤثر بشكل مباشر على سلطة ترامب والرؤساء المستقبليين مع تداعيات عميقة على ديمقراطيتنا التي أقسموا على حمايتها.

ستُناقش المحكمة عشرات الدعاوى القضائية ضد العديد من أوامر ترامب التنفيذية التي اعتُبرت غير دستورية أو مُخالفة للمعايير الديمقراطية والتي أصدرت المحاكم الأدنى أحكامًا بوقف تنفيذها. وتشمل هذه القضايا قضايا تتعلق بسلطة ترامب في نشر القوات الفيدرالية في مدن مُعينة وحرمان المهاجرين من الإجراءات القانونية الواجبة قبل ترحيلهم، وفرض تعريفات جمركية جائرة وتجميد الأموال التي أقرها الكونغرس.

التعاون بين الحزبين
يُعد الحوار بين الحزبين أمرًا بالغ الأهمية. يجب على أغلبية الديمقراطيين والجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ التعاون بشكل كامل ودون خجل لإنقاذ أمريكا. يكفي 30 جمهوريًا شجاعًا ووطنيًا موزعين بين مجلسي النواب والشيوخ لوقف مخطط ترامب المشؤوم ومنع أمريكا من الإنزلاق إلى حكم الإستبداد. يجب عليهم أن يُدركوا التهديد غير المسبوق تاريخيًا لديمقراطيتنا وأن يضعوا ديمقراطية البلد في المستقبل فوق مصالحهم الشخصية والحزبية وأن يكونوا مستعدين للتضحية بطموحاتهم السياسية والمهنية لمنع ترامب من تحديد أو “ختم” مصير أمريكا.

قائد ديمقراطي جديد ذو رؤية
وأخيرًا، حان الوقت للحزب الديمقراطي لإيجاد خطاب جديد يلقى صدى لدى غالبية الشعب الأمريكي. إنهم بحاجة إلى قادة ذوي رؤية وشجاعة، يحملون رسالة جديدة وبديلة عن ديماغوجية ترامب وأكاذيبه تجذب شريحة أوسع من الأمريكيين الباحثين عن تغيير بنّاء لمعالجة صراعاتهم اليومية والتمتع بشعور أكبر بالأمن. لا يوجد للديمقراطيين وقتا ً يضيّعونه لمواجهة هذا التحدي المصيريّ.

فعلى مدى 250 عامًا دافعت أمريكا عن المُثُل والقيم الديمقراطية التي تتمثّل جوهرها في أن لكلّ إنسان الحقّ الأصيل في الحرية والمساواة بالمعاملة أمام القانون. وقد طمحت دولٌ عديدة حول العالم إلى محاكاة هذه المُثُل والقيم لأنها تُلبّي الرغبة الإنسانية الأساسية في الحرية والديمقراطية.

الديمقراطية هي النظام السياسي الأكثر هشاشةً ولا يُمكن اعتبارها أمرًا مُسلّمًا به. يجب أن يحميها الشعب بحماسٍ لتصمد أمام تهديدات وتلاعبات أولئك الذين يسعون إلى السيطرة على الآخرين وإخضاعهم لأهوائهم والذين لا يشبعون من جوعهم للسلطة. وكما قال توماس جيفرسون قوله المأثور: “اليقظة الدائمة هي ثمن الحرية”.